ارشيف من :أخبار لبنانية
عشيّة إحياء الذكرى السنوية لاغتيال الحريري في 14 شباط: ما هو مستقبل «لقاء 14 آذار» وهل بقيت مبرّرات لاستمراره؟

أطلقت القوى السياسية والحزبية المتبقية في «لقاء 14 آذار» الدعوة لإحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، وذلك بعد عقد اجتماع عام لهذه القيادات في أوتيل البريستول يوم الأحد الماضي (31/1/2010)، وقد غاب عن الاجتماع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وأركان حزبه، ولم يحضر سوى النائب مروان حمادة الذي شارك بصفة شخصية، وغاب عن اللقاء «حركة التجدد الديمقراطي» التي يرأسها النائب السابق نسيب لحود، وإن كانت الحركة قد دعت لإحياء ذكرى 14 شباط ولإعادة النظر بوضع «لقاء 14 آذار» واجراء مراجعة شاملة لواقعه.
وحضر الاجتماع رئيس الحكومة سعد الحريري بعد ان نُشرت بعض الأخبار عن احتمال تغيبه، نظراً لموقعه الحكومي الجديد، وشكَّل حضور الحريري محاولة من أجل اعطاء دم جديد للقاء ولتأكيد أهمية احياء ذكرى 14 شباط.
اما وليد جنبلاط الغائب عن الاجتماع، فأكد ضرورة احياء ذكرى اغتيال الحريري، مطالباً «بأن لا يزايدنّ احد عليه على صعيد علاقته وموقفه من الحريري الأب والابن»، لكن جنبلاط وحسب البيان الصادر عن اجتماع « اللقاء الديمقراطي» لم يشارك في الاجتماع لتأكيد موقفه الوسطي الجديد.
وأعلن الرئيس نبيه بري استعداده للمشاركة في ذكرى 14 شباط «اذا تحوّلت الى مناسبة وطنية». لكن النائب القواتي انطوان زهرا لم يرحب بهذه المشاركة، فيما أعلن عضو «تكتل لبنان أولاً» النائب عقاب صقر الترحيب بمشاركة بري، وقد شنّ نواب حركة أمل هجوماً قوياً على تصريحات زهرا.
فكيف هي الاستعدادات لاحياء ذكرى 14 شباط، وهل تستطيع القوى المتبقية في «لقاء 14 آذار» حشد مئات الألوف للمشاركة في الذكرى؟ وما هو مستقبل لقاء قوى 14 آذار في ضوء المتغيرات والتطورات التي حصلت في لبنان والمنطقة خلال السنة الماضية؟.
ذكرى 14 شباط
لا بدّ في البداية من الفصل بين احياء ذكرى 14 شباط (ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري) وواقع لقاء 14 آذار. فهذه الذكرى لها دلالة سياسية وشعبية خاصة، سواء على المستوى اللبناني أو العربي أو الدولي، وقد يكون صحيحاً ان قوى «14 آذار» استفادت في السنوات الماضية من احياء هذه الذكرى لتأكيد حضورها السياسي والشعبي، لكن ليس بالضرورة ان جميع الذين يشاركون في احيائها هم من المنتمين تنظيمياً أو عضوياً الى لقاء 14 آذار.
فالارتباط بالرئيس رفيق الحريري واحياء ذكرى استشهاده له امتداد لبناني واسع، اضافة الى البعد العاطفي والانساني، نظراً للدور والموقع الذي قام به واحتله في السنوات التي سبقت اغتياله.
وكانت قوى «14 آذار» تحرص في كل عام على الفصل بين احياء ذكرى 14 شباط ونشاطها الحزبي والتنظيمي الذي تقيمه في 14 آذار. وبرغم ان حركة أمل لم تكن في اطار «قوى 14 آذار» فإنها كانت تحرص على اقامة احتفال خاص كل عام في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في مدينة صور.
كما ان «الجماعة الإسلامية» كانت تشارك في احتفالات «14 شباط» برغم انها لم تنضو عملياً ورسمياً في «قوى 14 آذار»، لأن الجماعة كانت تعتبر احياء ذكرى اغتيال الحريري هي مناسبة وطنية واسلامية عامة.
وعملية التحشيد الشعبية التي كانت تُنظَّم سنوياً لاحياء ذكرى 14 شباط كانت تجري تحت عنوان «الوفاء للرئيس الحريري» ولتأكيد ضرورة تأليف المحكمة الدولية.
وقد شهدت السنوات الماضية رفع مجموعة من الشعارات المنددة بسوريا وبحلفائها في لبنان. أما اليوم، فيأتي احياء ذكرى الاغتيال في ظل تطورات ومتغيرات كبيرة حصلت من خلال المصالحة السورية - السعودية، وزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى سوريا، واطلاق الضباط الأربعة الذين كانوا معتقلين بتهمة المشاركة في الاغتيال، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحصر ملف الاغتيال في المحكمة الدولية، والمواقف التي أطلقها وليد جنبلاط وانسحابه من «لقاء قوى 14 آذار»، اضافة الى بروز بعض التباينات داخل هذا اللقاء، وفي البيئة الشعبية التي يتحرك فيها تيار المستقبل.
كل هذه التطورات قد تنعكس على الحضور الشعبي الكبير في ذكرى 14 شباط، لكن ذلك لا يلغي قدرة «تيار المستقبل» وحلفائه، وخصوصاً «القوات اللبنانية والكتائب»، على حشد الجماهير الشعبية لاحياء الذكرى. اما اذا جرت الموافقة على مشاركة الرئيس نبيه بري وحركة أمل في الاحتفال، فإن ذلك سيكون له انعكاسات كبيرة على طريقة الاحتفال وطبيعة الحضور الشعبي فيه.
مستقبل «لقاء 14 آذار»
لكن ماذا عن مستقبل لقاء «قوى 14 آذار» بعد خروج وليد جنبلاط منه والخلافات التي برزت بين بعض أركانه.
في البيان الصادر عن حركة التجدد الديمقراطي مؤخراً والداعي الى احياء ذكرى 14 شباط، اشار البيان الى « وجود أزمة كبيرة داخل 14 آذار بسبب الادارة الموسمية والمتقطعة للتجمع، وعجزه عن اجراء مراجعة لتجربته، وخصوصاً الأخطاء الفادحة التي حصلت، ما يتطلب ضرورة اقامة ورشة اصلاحية للقاء».
هذا النص يؤكد وجود أزمة كبيرة داخل لقاء «14 آذار»، ويعترف العديد من أركان اللقاء وأعضاء امانته العامة بهذه الأزمة, وقد اشار الى ذلك المنسق العام للقاء الدكتور فارس سعيد خلال الندوة التي عقدت قبل اسبوعين في مركز عصام فارس، كما اشار لها بعض الاعلاميين والصحافيين كعضو الأمانة العامة نصير الأسعد (المستقبل) والصحافي علي الأمين (البلد)، والصحافي نبيل بو منصف (النهار).
وأما النائب سامي الجميّل الذي لم يشارك في لقاء البريستول، فأكد وجود تباين واختلاف مع رئيس الحكومة سعد الحريري برغم الاحترام والتقدير له.
وتقول مصادر سياسية ان اللقاء بات يرتكز اليوم على قوتين اساسيتين: الأولى «قوة تيار المستقبل»، والثانية تعتمد على «الأحزاب والشخصيات المسيحية» (الكتائب والقوات وبقايا قرنة شهوان). وفقد اللقاء قوة الحزب التقدمي الاشتراكي والشخصيات الشيعية المستقلة.
أما الخطابات والمواقف التي كان يرفعها اللقاء سابقاً فلم تعد تتناسب مع وضع المرحلة الحالية والآفاق المستقبلية.
وتشبّه هذه المصادر السياسية وضع اللقاء اليوم بمصير الحركة الوطنية في أواخر السبعينات بعد غرق احزابها في الحرب الأهلية والمشكلات الداخلية. وقد نُقل عن المفكر منح الصلح آنذاك تشبيهه لواقع الحركة الوطنية «بالسيارة التي تعطلت مع بقاء الراديو والمسجلة فيها يعملان» لأن الحركة الوطنية اليسارية آنذاك كانت مستمرة بإصدار البيانات او المواقف السياسية، لكن قوتها على الأرض تراجعت ولم تعد قادرة على التغيير.
قد لا يكون صحيحاً اعتبار واقع «قوى 14 آذار» اليوم شبيهاً بواقع الحركة الوطنية اليسارية أواخر السبعينات، لكن لا بدّ من الاعتراف بأنّ «لقاء قوى 14 آذار» في عام 2010 لم يعد كما كان عام 2005 أو في منتصف 2009. فقد حصلت متغيرات كثيرة، سواء على الصعيد السياسي أو لجهة الواقع التنظيمي للقاء. واذا كان المشاركون في اجتماع البريستول قادرين على حشد الجماهير في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، فإن من غير المعلوم مدى قدرة هؤلاء على ابقاء التماسك والقوة لدى مؤيديهم. والأيام المقبلة ستكشف بوضوح أي مستقبل سيكون «للقاء قوى 14 آذار» بعد احياء هذه الذكرى.
"الانتقاد.نت" - قاسم قصير