ارشيف من :ترجمات ودراسات

اسرائيل وسوريا وخيارات الحرب والسلم وما بينهما

اسرائيل وسوريا وخيارات الحرب والسلم وما بينهما



حسان ابراهيم
للحرب، كما للسلم، حساباتها ومكوناتها. كل دولة تنوي شن حرب او قيام بعدوان عسكري، تبحث عن مكونات الحرب وتناسبها مع امكاناتها، وتبحث امكانات العدو وقدرته على التصدي، كما تبحث عن الاثمان الممكن ان تدفعها في سياقات الحرب وفي اعقابها، وايضا يبحث اصحاب قرار الحرب عن استراتيجية دخولها وسياقاتها وسيناريوهاتها الممكنة، وإمكان انحرافها عن اهدافها، كما يبحثون، وهي المسألة الاكثر اهمية، عن نقطة خروج سياسية في اعقاب الحرب، ففي النهاية ليست الحرب الا استمرارا للسياسة، بوسائل اخرى.
من المنظور الاسرائيلي، لا تحيد "اسرائيل" عن هذه الاسس المساقة انفا. ليست بمقدور كيان العدو ان يخطئ في الحسابات، وبحسب العقيدة الامنية الاسرائيلية من غير المسموح دخول حرب غير محسوبة تماما، ومدروسة تماما، ومقدرة النتائج بشكل كامل، اذ من الخطر والخطر الوجودي ان تخسر "اسرائيل" حربا، لان مكوناتها لا تسمح لها بخسارة الحرب التي قد تعني خسارة الوجود، على عكس اعدائها، القادرين رغم الخسارة على الاستنهاض الذاتي لاحقا، وبناء القدرة من جديد.
ضمن هذا التأسيس يجب قراءة واستقراء الفعل الاسرائيلي العدائي حيال ساحات المواجهة، او الامتناع الاسرائيلي عن الفعل حيال نفس الساحات. سواء تعلقت المسألة بحرب شاملة، او بحرب محدودة، او بعملية موضعية عسكرية او امنية. اذ على "اسرائيل" ان لا تخطأ الحسابات، عليها ان تقرأ ردة الفعل على افعالها بشكل استباقي، وتقرأ قدرتها على تحمل تكلفة واثمان الرد المقابل، بل وعليها ان تعاين إن كان في مصلحتها خوض حربا شاملة، واذا كانت لا تريد حربا، وهذا ما يتبين من تصريحاتها وتعليقاتها وقدراتها، فان ذلك يعني ان تقلص خياراتها وافعالها العدائية كي لا تتسبب هذه الافعال بذاتها بالتدحرج نحو حرب، لا تريدها.
مناسبة هذه المعالجة، هي التهديدات الاسرائيلية المنساقة حيال سوريا ولبنان، وتحديدا حيال سوريا، باعتبارها مستجد في سياق التهديدات الاسرائيلية في هذه المرحلة، ولم يكن اولها تهديد وزير خارجية العدو افيغدور ليبرمان بضرب النظام السوري واسقاطه. ومناسبة هذه المعالجة ايضا، المقاربة السورية الجديدة للحرب الباردة بين دمشق وتل ابيب، اذ من غير الممكن المرور على كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وقيامه بالربط بين اعتداء "اسرائيل" على جنوب لبنان، وبين الحرب الشاملة مع سوريا. انها مقاربة جديدة من نوعها، تنظر اليها "اسرائيل" على انها مدروسة ومحضرة مسبقا وكل كلمة قيلت في سياقها جاءت موجهة للاذن الاسرائيلية عن قصد، كي تعطي مفاعيلها. وبحسب تعبيرات اسرائيل وتعليقاتها، كانت مفاجأة ان تغير سوريا من مقاربتها وربط الحرب الشاملة باعتداء على لبنان، بعد ثلاثين عاما عن مقاربة مغايرة حيالها.
في العام 2008، كما كل عام، تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يدلين، في مقابلة نشرتها صحيفة هآرتس في حينه (12-06-2008)، وقال ان " تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية ترى بان احتمالية الحرب مع سوريا ضئيل جدا للعام الحالي، لكن نفس التقديرات تشير الى ان <العدو> يستعد للحرب بسبب مخاوفه من قيام اسرائيل بمهاجمته"، محذرا من "الحسابات الخاطئة التي قد تتسبب بنشوب حرب، في ظل استعداد الطرفين".
في العام 2009، لم تغير الاستخبارات الاسرائيلية من تقديراتها، نفس رئيس الاستخبارات الاسرائيلية، عاموس يدلين، يدلي بتصريحات مشابهة امام لجنة الخارجية والامن، في نيسان من نفس العام، ويقول ان ان التقديرات الامنية لعامي 2009 و 2010، تشير الى ان نشوب حرب عام 2009 ضئيل، ويعود ذلك الى الردع الاسرائيلي وسياقات انشغال الاعداء بكوابحهم الذاتية، رغم وجود خطورة بتصعيد ما، لا يريده اي من الاطراف، في عام 2010"، ربطا بالملف النووي الايراني.
الا ان يدلين نفسه، في العام 2010، وبعد تهديد وزير الخارجية السوري وليد المعلم مؤخرا، سارع للقول بان الاستخبارات لا تتوقع حربا في العام الحالي، ودعا الى ضرورة اخراج سوريا من محور الشر الذي تقوده ايران، عبر التفاوض معها حتى وإن كان الثمن المدفوع اسرائيليا، هو "التنازل" عن هضبة الجولان، لان نفس الاتفاق مع السوريين يعني اضعافا للمحور الايراني ومن ضمنه حزب الله وحركة حماس، وتقليص التهديد القائم على "اسرائيل"، حتى مع عدم الاتفاق على كل نقطة عالقة مع دمشق.
الاسهاب في التأصيل النظري، والاسهاب في شرح رؤية الاستخبارات الاسرائيلية عبر السنوات الثلاث الماضية، بما يشمل العام الحالي، يفترض ان يُمكّن المتابع من اعطاء حكم ما حول قيام او عدم قيام حرب ومواجهة بين سوريا واسرائيل. علما انه كان لافتا كثيرا ان تسارع حكومة العدو الى التهدئة مع سوريا، رغم كل ما حمله كلام وليد المعلم من تهديدات غير مسبوقة لم تكن الاذن الاسرائيلية قد اعتادتها سابقا، بل وضع المعلم الاصبع على الجرح الاسرائيلي والخاصرة الرخوة لديه، بتحديده ان كل مدن العدو ومستوطناته ستكون عرضة للاصابة في الحرب، إن وقعت.
يشير كل ذلك الى ان التأصيل النظري، ورؤية الاستخبارات الاسرائيلية، يُمكّن من التحديد دون كثير من المجازفة، ان اسرائيل لن تبادر الى حرب مع سوريا، او التسبب بها جراء عمل عدائي ما يشد احد الطرفين اليها، بشكل متدحرج. من هنا تأتي اهمية وخطورة المقاربة السورية الجديدة على لسان وليد المعلم، من ناحية اسرائيلية، والذي اعلى منسوب خشية تل ابيب من ان تتسبب افعالها العدائية، إن كانت في صدد التخطيط لها او تنفيذها، بحرب ما بينها وبين سوريا، وهي غير قادرة عليها في هذه المرحلة، والمرحلة اللاحقة ايضا. وهذا ما لا تخفيه الاستخبارات الاسرائيلية، نتيجة القدرة الذاتية لاسرائيل اساسا، عدا عن ظروف المنطقة وتعقيداتها وتعقيدات التوجهات الاميركية فيها والتآزر بين دمشق وبين محور المقاومة بشكل عام، وبشكل اساسي قدرة سوريا على ايذاء اسرائيل بمنسوب اعلى بكثير من القدرات التي كانت لديها في الماضي، وهذا تقر به اسرائيل ولا تخفيه.
يمكن ان يسجل لصالح سوريا، انها استطاعت جراء مقاربتها الجديدة، ان تحد من الفعل العدائي الاسرائيلي الابتدائي، بل استطاعت ان تحد من "شهية" اسرائيل الى اي عمل عدائي ابتدائي ضد لبنان، رغم وجود كوابح وردع خاص في هذه الساحة، كفل ردع اسرائيل عن لبنان لما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف.
بحسب بعض المعلقين الاسرائيليين، تعتبر سوريا هدفا لذاتها ولغيرها من منظور اسرائيلي. وسواء ارادت اسرائيل وطلبت الحرب او السلم مع سوريا، فان هدفها هو تحييدها عن الصراع معها، والتسبب بتداعي او ضعف محور ايران بما يشمل حزب الله وحركة حماس في قطاع غزة. لكن الثمن الواجب دفعه في الحرب لاخضاع سوريا كبير جدا، والحرب نفسها غير مضمونة النتائج، في نفس الوقت، فان التسوية والتفاوض مع سوريا يعني "التنازل" عن الجولان، دون إمكان التأكد من الثمن المقبوض من سوريا، حيال ايران ولبنان وقطاع غزة. ومعنى ذلك ان اسرائيل غير قادرة على الحرب مع سوريا، لعدم القدرة على تحقيق الاهداف منها، وغير قادرة على التسوية معها، لانها غير مضمونة النتائج مع دفع اثمان من قبل اسرائيل نفسها. ويمكن ان يضاف الى ذلك الوضع القائم جراء عدم الحرب وعدم السلم غير المحمول من قبل اسرائيل، في ظل الدور السوري في تعزيز حركات المقاومة في المنطقة ضد اسرائيل. فكيفما اتجهت اسرائيل تجد في سوريا لغزا ولا يتوفر لديها حلول تجاهها. ضمن هذه الدائرة المفرغة، يأتي التهديد السوري الذي يقلص من خيارات اسرائيل العدائية، ما دون الحرب، لان هذه الخيارات تعني بصورة غير مباشرة، التسبب بحرب، وهي حرب لا تريدها "اسرائيل".



2010-02-13