ارشيف من :آراء وتحليلات

ايران .. والغرب: ما بعد الاحتفال بالثورة غيره ما بعدها

ايران .. والغرب: ما بعد الاحتفال بالثورة غيره ما بعدها
مصطفى الحاج علي
يمكن تقسيم المشهد الاحتفالي الخاص بالذكرى الحادية والثلاثين لانتصار الثورة الاسلامية في ايران الى قسمين رئيسيين لهما دلالاتهما الفائقة الأهمية في هذا التوقيت بالذات، المشهد الأول يتمثل بالحضور الجماهيري الكثيف في المشاركة  الذي شكل نوعاً من الاستعادة لصورة المشاركة في عزّ أيام الثورة الاسلامية مع الفارق الكبير والنوعي في ظروف الثورة آنذاك وظروفها اليوم، فإذا كانت الثورة آنذاك تعيش مخاض الولادة الصعبة، وسط الكثير من الأخطار والتحديات، والمراهنات على عدم نجاحها، وفي أحسن الأحوال على عدم استطاعتها الاستمرار، فإن الثورة ـ الدولة اليوم تعيش مرحلة شباب صلب العود، له حكمة الشيوخ، وعزيمة المؤمن، ويتمتع بطموحٍ  لا حدّ لأفقه، فالثورة ـ الدولة اليوم تقف على مفترق تحديات متنوعة تتصل اتصالاً وثيقاً بقدرتها على فرض نفسها في المعادلة الاقليمية ـ الدولية من موقع القدرة والاقتدار، ومن موقع المسار التطوري لقدراتها الخاصة على مختلف الصعد، وفي طليعتها الخاص بملفها النووي الذي يشكل اليوم عنوان مواجهتها المشترك دولياً واقليمياً.
ماذا تعني هذه الحشود الجماهيرية اليوم؟ ماذا يعني الحضور المليوني في هذا التوقيت السياسي بالذات؟
أولاً: إنه تأكيد حي على أن روح الثورة ما زالت وثابة وخصبة ومتوهجة، وهي راسخة بقوة في قلوب وعقول الشعب الايراني، بكل أطيافه.
ثانياً: إنه تأكيد قوي على التفاق الشعب الايراني خلف نظامه وقيادته، وبالتالي، رد أقوى على كل المحاولات الهادفة الى فصل جماهير الشعب الايراني عن قيادته ونظامه ، للاستفراد بالتالي على حساب الأول، أو لتأليب الأول على الثاني لإحداث فتنة عامة تستهدف أولاً وأخيراً النظام والثورة والشعب وكل انجازاتهم المشتركة.
وأهمية هذه الرسالة أنها تأتي في اللحظة التي تشن فيها حملة تشكيك كبيرة بقدرة النظام وقيادته، وبأن النظام بات يعاني من خلل بنيوي، وأن ضغوطا قوية عليه في بعض الأماكن من شأنها أن تسرّع من عملية سقوطه.
ثالثاً: إنه تجديد بمفعول رجعي لمسار الانتخابات الأخيرة التي جرت محاولات للإساءة الى مصداقيتها، والتشكيك بنزاهتها، الأمر الذي من شأنه تصويب مسار المعالجة السياسية للمشاكل الداخلية التي عانت منها ايران مؤخراً.
رابعاً: إنها رسالة واضحة للمحاولات الاميركية الهادفة للعب على تناقض مزعوم بين الشعب الايراني وقيادته في حديثها عن عقوبات لا تمس الشعب الايراني وإنما هذه القيادة، الرسالة تقول بصوت واضح، كل ايران في مواجهة هذه التحديات، ولا إمكان للفصل بين الشعب وقيادته.
خامساً: إنه تأكيد على أن ايران واحدة موحدة في مواجهة كل التهديدات الغربية والاسرائيلية لها بالحرب، وانها مستعدة للذهاب الى النهاية في الدفاع عن حقوقها المتنوعة، وعن مصالح المسلمين والمستضعفين، كما أن ايران واحدة موحدة في التزام خياراتها السياسية الكبيرة المتعلقة بمواجهة الغرب، والكيان الاسرائيلي، والمتعلقة بتبني قضايا المنطقة الرئيسة لا سيما القضية الفلسطينية.
أما المشهد الثاني، فيتمثل بالعنوان النووي، وبالاعلان الخاص عن تخصيب أول شحنة  يورانيوم مخصب بنسبة 20%، هذا الاعلان نقل التحدي الايراني من إطار الموقف السياسي الى إطار الموقف العملي مدعوماً باحتضان جماهيري مليوني كثيف وقوي، ما يعني ان ايران واحدة موحدة وراء هذا القرار، وبالتالي، فإن خيارات الغرب عموماً والولايات المتحدة تحديداً لن تكون سهلة، بما فيها الخيار الخاص باعتماد لائحة جديدة من العقوبات، ولا شك، أن هذا الاعلان المرفوع على أكف الشعب الايراني بأكمله سيحبط كل تكتيكات الغرب الهادفة الى النيل من حقوق ايران النووية، سواء من خلال التلويح بالعقوبات، أم التلويح بالحرب، لأن معنى هذه الرسالة الايرانية، ومفادها، أن طهران قد رفعت التحدي الى النهاية، وعلى الغرب أن يختار بين حل ديبلوماسي معروف تحترم من خلاله حقوق ايران كدولة، والخيارات الأخرى المفتوحة على تجاذبات ومواجهات لا يعرف أحد الى أين يمكن ان تفضي. لا يستطيع الغرب ان لا يأخذ الرسالة الايرانية بوجهيها الشعبي والتخصيبي بعين الاعتبار، وهو ذاهب لحسم خياراته، ولا سيما أنه يعاني أيضاً من ارباكات دولية في خيار العقوبات اذا ما نظرنا الى الموقف الصيني وموقف العديد من الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن.
الكباش ما زال مفتوحاً لكن لا شك، أن حسابات ما بعد الاحتفال بالثورة هي غيرها ما قبلها؟
2010-02-15