ارشيف من :ترجمات ودراسات
هجوم أوباما الكبير في هلمند: الاستراتيجيات الموعودة تنكشف عن مقامرة بائسة!

عقيل الشيخ حسين
بين غزو أفغانستان تحت شعار اجتثاث طالبان، وتحول طالبان إلى خشبة خلاص وحيدة لقوى التحالف، يتجلى مدى عمق الورطة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وشركاؤها في الحرب على أفغانستان.
ورطة تزداد عمقاً مع رفض طالبان ما قُدم إليها من عروض لوقف القتال والمشاركة في الحكم، كحل وحيد يسمح لاستراتيجيات أوباما أن تفضي إلى النجاح المتمثل بتمكن الأميركيين وحلفائهم من الخروج من أفغانستان في مهلة معقولة مع المحافظة، أقله، على ماء الوجه. أو ربما مع ادعاء النصر، فيما لو تحققت الأمنيات وتمكن الجيش الأفغاني من الإمساك بزمام الوضع.
ماذا تريدون لأوباما أن يفعل بعد تلقيه صفعة الرفض من قبل طالبان؟ وهل يمكنه أن يفعل شيئاً غير الشيء الذي من أجله وافق الكونغرس على استراتيجية أوباما التي تقضي بإرسال عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين الإضافيين إلى أفغانستان.
خيار إجباري مر لأن القاصي والداني يعلم أن كل تصعيد في الحرب الأفغانية لا بد وأن يفضي إلى ارتفاع في منسوب الخسائر المادية والبشرية التي ستمنى بها قوات التحالف.
لا فرار إذاً من أن تأخذ الاستراتيجيات المتعوب عليها من قبل العديد من الهيئات ومراكز الأبحاث والمستشارين شكل المقامرة التي تمثلت بقرار مهاجمة إقليم هلمند، أحد أهم الأقاليم التي تسيطر عليها طالبان في جنوب البلاد، بجيش من 15 ألف جندي أميركي وبريطاني بينهم 4 آلاف من عناصر الجيش الأفغاني وأعداد ضئيلة من الكنديين والاستونيين والدانماركيين.
ضعف المشاركة من قبل الكندييين ناشئ عن حالة التذمر والتململ التي يعيشونها إزاء حرب هددوا أكثر من مرة بالانسحاب منها. أما غياب أكثر الأوروبيين الفاعلين، فالواضح أنه هو ما يفسر خيبة أمل الأميركيين إزاء ما يعتبرونه انتكاسة ذات مغزى في التعاون في الحرب على الإرهاب بين أميركا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الانتكاسة الأخرى التي تمثلت، في أجواء التحضيرات للهجوم الكبير، بإلغاء البرلمان الأوروبي لاتفاقية "سويفت" التي كانت تسمح لوزارة المال الأميركية بالدخول إلى المعطيات المتعلقة بنقل أموال من قبل أوروبيين مشتبه بعلاقتهم بأعمال إرهابية.
على كل حال، يتمتع جيش الهجوم الكبير بصفة "أممية" رمزية. وبسابقة تجعل الحملة على هلمند متميزة عن الحملات السابقة على هلمند وغيرها من المقاطعات الأفغانية: كثافة المشاركة من قبل الجيش الأفغاني.
فقد أوردت الواشنطن بوست أن مشاركة الأفغان في الحملات السابقة كانت بنسبة جندي أفغاني واحد مقابل 10 جنود أميركيين. أما الآن فقد ارتفعت النسبة إلى جندي افغاني مقابل جنديين أميركيين. أي أن الأفغان يشكلون ثلث المشاركين في الهجوم الكبير. أما النيويورك تايمز فتبدي قدراً أكبر من الحبور: 60 بالمئة من العناصر العاملة في سلاح المدفعية هم من الأفغان.
مؤدى الكلام، أن الهجوم الكبير يسعى، ربما قبل اجتثاث طالبان من هلمند، إلى اختبار مدى قدرة الجيش الأفغاني الذي يعوّل عليه الأميركيون، بعد انسحابهم، كبديل عنهم في مقارعة طالبان لحساب الأميركيين.
فالمعروف أن العديد من النظريات الأميركية قد ظهرت حول أفغنة الحرب، وحول إمكانية ربح الحرب عن طريق أفغنتها بأقل التكاليف المالية.
ما أسفر عنه الهجوم حتى الآن هو الاستيلاء على "مرجة"، بلدة صغيرة من عشرات البلدات والمدن التي يتمركز فيها مقاتلو طالبان. أما الثمن فسبعة من الجنود أكثرهم أميركيون وبينهم عناصر من البريطانيين والكنديين. رقم يجب أن يُضرب بثلاثين على الأقل، إذا ما شمل الهجوم منطقة هلمند بأكملها.
خسائر استباقية، إذا جاز التعبير، لأن طالبان لم تبدأ بعد بالحرب إلا بنسبة واحد بالمئة. يوجهون ضربة ثم يختفون بين السكان أو ينسحبون إلى الجبال. ومن هناك، يبدأون بالعمل على طريقتهم الخاصة، بعد أن يكونوا قد استدرجوا العدو إلى أرض معركة يعرفونها جيداً ويعرفون كيف يطبقون فيها عملياتهم العسكرية بالشكل الملائم.
الخطر الرئيسي، على ما تقوله لوس أنجلوس تايمز، يأتي بعد احتلال هذا الموقع أو ذاك. هنالك جيوب المقاومة، والكمائن، وآلاف العبوات والألغام المزروعة حول كل واحدة من المدن والبلدات.
أفراد الهجوم الكبير مرشحون إذاً للتحول إلى عشرات المجموعات المحاصرة داخل عشرات المدن، والمستهدفة لعمليات طالبان التي يمكنها أن تشل حركتهم لأشهر وتنتقص أعدادهم فيها باستمرار... في ظل حربها الطويلة الأمد والنفس.
ولكن هل يستطيع أوباما المحتاج إلى انتصارات سريعة وحاسمة أن ينتظر طويلاً وهو يرى تساقط جنود هجومه الكبير زرافات ووحداناً تحت ضربات طالبان. لا شك بأن صاحب الاستراتيجيات سيتعرض لمتاعب قاسية أمام الكونغرس وأمام الشارع الأميركي.
أما رهانه على الجيش الأفغاني بوضعه الراهن، أو بعد أن يصار إلى رفع عديده إلى مئات الآلاف من الجنود خلال سنتين، فيبدو أكثر بؤساً من رهانه على الهجوم الكبير. تقول الغارديان، أكثر من مرة، قامت قوات الأطلسي بتطهير مناطق أفغانية ثم سلمتها إلى الجيش الأفغاني لتجد سريعاً بأنها انتقلت إلى أيدي طالبان. فأعداد كبيرة من جنود الجيش الأفغاني ترسلهم طالبان للعمل لحسابها، وأعداد كبيرة أخرى لا تتردد عن بيع أسلحتها لطالبان ولغير طالبان.
أكثر ما يحتاج إليه أوباما اليوم هو مستشار يقنعه بالاستقالة من منصبه في البيت الأبيض قبل أن يلتحق بقافلة الرؤساء الأميركيين الذين أسقطتهم حرب فييتنام أو فضائح الإدارة الأميركية. إذ لو سجلت هزائم العراق وأفغانستان في سجل أوباما، فإنه لن يقبل على الأرجح كمحاضر في هذه الجامعة أو تلك... وفوق ذلك، قد يعود بأفدح الضرر على بني جلدته من السود الأميركيين وحتى الأفارقة الذين سيصبون عليه اللعنات من كل الجهات.