ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: التراث كحافز إبداعي

كتب حسن نعيم
ليس من قبيل التحجر والتقديس للماضي والدعوة المتكررة لاستحضار التراث كأحد مكونات الأعمال الأدبية والفنية المعاصرة, ذلك أن التراث بما هو ذاكرة جماعية تنطوي على لحظات انتصار وزهو وأماكن موحشة ومقفرة في آنٍ, هذا الفضاء بكل ألوان طيفه يشكل الرحم الذي تنبثق منه تجاربنا الفنية والأدبية, وهذا لا يتنافى بأي حال مع الاستفادة من طرائق التعبير العالمية التي لم نقصّر يوماً في محاكاتها واستلهامها, إنما كان تقصيرنا في الاستفادة من الكنوز الحقيقية المرمية في كهوف النسيان.
الآداب والفنون العالمية المتنوعة غرفت من تراثها ومن ميثيولوجياتها وأساطيرها وغير ذلك. الكاتب المبدع يغوص في وجدان شعبه ويحول آثاره وذاكرته وتواريخه بما فيها من انتصارات وهزائم الى رموز وظلال تلامس تجربته الفردية، فتجعلها أكثر حرارةً وصدقاً وانفعالاً. المطلوب من الآداب والفنون العربية في هذه اللحظة الحضارية الحرجة أن تصوغ إنساناً ينأى بنفسه عن الانبهار بالنموذج الغربي ليتوحّد مع ذاته ويتأمل في تراثه وثقافته بعيداً عن التأويلات المباشرة والمرتجلة، ليأتي النتاج الثقافي الراهن تراكماً وتصعيداً لما أُنجز في العصور التاريخية المتعاقبة، وليكون فعالية تجديدية وإحيائية تهدف إلى مواكبة التحولات الحضارية المعاصرة عبر مصالحة حقيقية بين التراث ومقتضيات العصر. ولا بأس بتثوير التراث، لا بل هذا هو الواجب والمطلوب لامتلاك ناصية الحضارة.
في الحديث عن التجربة الصينية مع التراث يخبرنا الكاتب "شوقي جلال" كيف استطاع الإنسان الصيني أن يحول التراث إلى قوة دافعة للتقدم: "إن المفكرين الصينيين ينادون بمحافظة الصين على تراثها الثقافي، ولكن في صورة إبداعية تجديدية مرنة تلائم مقتضيات حضارة العصر وتدعم عملية التطوير الاجتماعي. ويحرصون على أن تسهم الكونفوشيوسية في صورتها هذه إيجابياً في تغذية ثقافات العالم مثلما تفيد منها, أي تبادل النفع والتأثير من خلال التفاعل الإيجابي".
كم نحن بحاجة لمثل هذه الاستعادة الإبداعية التي تحول الموروث إلى حافزٍ للتقدم والازدهار بدل أن يكون عبئاً ثقيلاً معيقاً.
الانتقاد/ العدد1313 ـ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
ليس من قبيل التحجر والتقديس للماضي والدعوة المتكررة لاستحضار التراث كأحد مكونات الأعمال الأدبية والفنية المعاصرة, ذلك أن التراث بما هو ذاكرة جماعية تنطوي على لحظات انتصار وزهو وأماكن موحشة ومقفرة في آنٍ, هذا الفضاء بكل ألوان طيفه يشكل الرحم الذي تنبثق منه تجاربنا الفنية والأدبية, وهذا لا يتنافى بأي حال مع الاستفادة من طرائق التعبير العالمية التي لم نقصّر يوماً في محاكاتها واستلهامها, إنما كان تقصيرنا في الاستفادة من الكنوز الحقيقية المرمية في كهوف النسيان.
الآداب والفنون العالمية المتنوعة غرفت من تراثها ومن ميثيولوجياتها وأساطيرها وغير ذلك. الكاتب المبدع يغوص في وجدان شعبه ويحول آثاره وذاكرته وتواريخه بما فيها من انتصارات وهزائم الى رموز وظلال تلامس تجربته الفردية، فتجعلها أكثر حرارةً وصدقاً وانفعالاً. المطلوب من الآداب والفنون العربية في هذه اللحظة الحضارية الحرجة أن تصوغ إنساناً ينأى بنفسه عن الانبهار بالنموذج الغربي ليتوحّد مع ذاته ويتأمل في تراثه وثقافته بعيداً عن التأويلات المباشرة والمرتجلة، ليأتي النتاج الثقافي الراهن تراكماً وتصعيداً لما أُنجز في العصور التاريخية المتعاقبة، وليكون فعالية تجديدية وإحيائية تهدف إلى مواكبة التحولات الحضارية المعاصرة عبر مصالحة حقيقية بين التراث ومقتضيات العصر. ولا بأس بتثوير التراث، لا بل هذا هو الواجب والمطلوب لامتلاك ناصية الحضارة.
في الحديث عن التجربة الصينية مع التراث يخبرنا الكاتب "شوقي جلال" كيف استطاع الإنسان الصيني أن يحول التراث إلى قوة دافعة للتقدم: "إن المفكرين الصينيين ينادون بمحافظة الصين على تراثها الثقافي، ولكن في صورة إبداعية تجديدية مرنة تلائم مقتضيات حضارة العصر وتدعم عملية التطوير الاجتماعي. ويحرصون على أن تسهم الكونفوشيوسية في صورتها هذه إيجابياً في تغذية ثقافات العالم مثلما تفيد منها, أي تبادل النفع والتأثير من خلال التفاعل الإيجابي".
كم نحن بحاجة لمثل هذه الاستعادة الإبداعية التي تحول الموروث إلى حافزٍ للتقدم والازدهار بدل أن يكون عبئاً ثقيلاً معيقاً.
الانتقاد/ العدد1313 ـ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008