ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: أوباما في البيت الأبيض..حدود التغيير وإمكانياته!

كتب مصطفى الحاج علي
فعلها أوباما، وها هو أول أسود أميركي يدخل إلى القصر الأبيض، هل هي مفارقة، أم تغيير مفصلي، أم أن المؤسسة الاميركية العملاقة، مؤسسة الحكم والسلطة، أقوى من أي تغيير يحملها رجل له دلالاته العرقية؟
مما لا شك فيه، أن العالم سيكون أفضل بكثير بدون بوش وفريقه من المحافظين الجدد، لأنه لم تمر في تاريخ الولايات المتحدة إدارة هي على هذا القدر من السوء، والنزوع نحو العنف، وافتعال الحروب بدون تردد، واختصارها لواشنطن بعنوان وحيد هو القوة العسكرية، ولا شك أيضاً، أن العطش إلى التغيير داخل الولايات المتحدة، وحتى خارجها، بلغ حده الأقصى، فإدارة بوش لم تأت للاميركيين إلا بالحروب والخيبات والمغامرات الفاشلة والنكبات النوعية التي كان أبرزها الأزمة المالية العالمية التي هددت وما زالت تهدد بأزمة اقتصادية شبيهة بأزمة كساد عام 1929، فلا الحروب حملت المن والسلوى للاميركيين، ولا هي نجحت في وضع حدّ حاسم للتهديد الارهابي، ولا هي نجحت في توفير شبكة أمان اجتماعية تشمل نظام الرعاية الاجتماعية من طبابة وتعليم وسواهما، لدرجة بات هناك الملايين من الاميركيين الذين لا يحظون بضمانات طبابة وسواها.
خارجياً، العالم ضاق بهذا النزوع الاستكباري نحو التفرد والهيمنة المطلقة، والعمل على حل كل مشاكل العالم بمنطق الغطرسة والقوة فحسب.
هذا في الوقت الذي تشهد الولايات المتحدة متغيرات اجتماعية بالغة الأهمية: نمو دور الشباب خصوصاً في صفوف الملونين، تصاعد دور المكونات الملونة وغير البيضاء داخل الفسيفساء الاجتماعية والسياسية للمجتمع الاميركي، كل ذلك معطوفاً على متغيرات عالمية فائقة الأهمية، وذات مدلول استراتيجي، أبرز معالمها تمثل بالقوى الدولية الصاعدة من الصين إلى الهند فروسيا وايران، وليس انتهاء بدور اميركا الجنوبية واللاتينية لا سيما البرازيل والارجنتين.
ولا يختلف اثنان، في ان ادارة بوش نجحت نجاحاً ملحوظاً في إلحاق أكبر الأضرار في سمعة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية. خلاصة القول هنا، هي أن العطش إلى التغيير حتّم نجاح أوباما، وأما التعبير السياسي لهذا العطش، فيجد نفسه في الإرث الثقيل من التحديات التي ستخلفها ادارة بوش لأوباما، والتي يبقى أبرزها: أولاً: حربا العراق وأفغانستان، وكيفية ادارة التعاطي مع هذه الحروب.
ثانياً: الملف النووي الايراني، وأزمة العلاقات مع طهران.
ثالثاً: ملف العلاقات الدولية المتوترة لا سيما مع سوريا.
رابعاً: الملف المالي والاقتصادي الداخلي، ولعل هذا الملف سيكون الأول على أجندة أوباما لانعكاساته الداخلية والعالمية معاً.
خامساً: ملف الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ومن ضمنه ملف أمن الكيان الاسرائيلي الذي يبقى له أولوية قصوى في حسابات كل الادارات الاميركية.
انها تركة ثقيلة، ولا تكفيها أربع سنوات من الوجود في البيت الأبيض، وهذا ما يعيه أوباما بوضوح، وأقرّ به في أول خطاب له ألقاه بعد فوزه، حيث رسم سريعاً حدوداً متواضعة لإمكانية ما يمكن أن يفعله في سنين قليلة مع تحديات نوعية من هذا نوع. ما يزيد من قيود حركة أوباما، جملة أمور لا بد من الالتفات اليها، حتى لا نقع في فخ المبالغة في تقدير ما يمكن أن يفعله رئيس حتى لو كان بحجم الولايات المتحدة.
أولاً: إن أوباما ليس ثائراً حملته الانتخابات إلى سدة الرئاسة، وبالتالي، فهو لم يأت ليحدث انقلاباً على مؤسسة الحكم الاميركية، بل هو ابن هذه المؤسسة، وهي التي أبرزته، ولذا عمل سريعاً على تأكيد تصالحه معها.
ثانياً: ليس الرئيس هو من يطبخ القرارات، وانما هناك مؤسسات ومراكز ودوائر تتألف في الغالب من شخصيات يقوم هو بتعيينها، وهو لا يقوم في النهاية الا باختيار احدها، ولذا غالباً ما كانت تحدث الصراعات في الدوائر المحيطة بالرئيس وليس معه أو حوله.
ثالثاً: ليس الرئيس على أهمية صلاحياته هو من يقرر لوحده، فهناك إلى جانبه مؤسستان ضخمتان تملكان الكثير من الأوراق المؤثرة هما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
رابعاً: ثمة مؤسسات تنفيذية ضخمة لها سياقاتها الخاصة، وهوامش تحرك وتأثير كبيران، أبرزها تبقى أجهزة المخابرات الاميركية ووزارتا الدفاع والخارجية.
خامساً: اللوبيات المؤثرة، وقوى الضغط الاقتصادية والمالية والصناعية المتمثلة تحديداً في التحالفات الكبيرة بين الصناعات العسكرية والنفطية وبيوتات المال السياسية.
سادساً: وسائل الاعلام، التي تلعب دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام الأميركي.
كل ذلك يقودنا إلى خلاصات أساسية أبرزها:
أولاً: إن حجم التغيير الذي سيقوم به أوباما سيخضع لمعادلة بالغة الصعوبة والتعقيد، وبالتالي لا يتوقع منه أن يحدث تغييراً نوعياً وملموساً، بل ان التغيير إذا حدث سيكون بطيئاً، ويأخذ وقتاً لا سيما بالقياس إلى حجم الملفات التي سيواجهها، والمعضلات التي تتشكل منها.
ثانياً: يجب أن لا تأخذنا نشوة الايجابية بخروج بوش، وأن نتوقع أن يكون أوباما رئيساً يخرج على الثوابت الاستراتيجية لمؤسسة الحكم الاميركية، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن توقعه احداث تغيير في التكتيكات لا في الأهداف، واستبدال تكتيكات استخدام القوة الغليظة ومنطق الحروب بسياسات القوة الناعمة ومنطق التفاوض وممارسة الضغوط الممكنة.
ثالثاً: إن من يحق له التفاؤل بفوز أوباما هي الدول التي تمتلك استراتيجيات خاصة بمصالحها، وبالتالي تعرف كيف تتعامل مع الولايات المتحدة.
رابعاً: لا يتوقع أن يحدث أوباما تغييراً ملحوظاً في علاقته مع الكيان الاسرائيلي، أو في التقليل من اعتنائه بمسألة أمن الكيان الاسرائيلي، هذه المسألة التي تعتبر من الثوابت الاستراتيجية في سياسة كل الادارات الاميركية.
نعم، قد نشهد محاولات أكثر اندفاعاً وحضوراً على صعيد تحريك ملف المفاوضات على المسارين الفلسطيني ـ الاسرائيلي والسوري ـ الاسرائيلي.
خامساً: قد نشهد محاولات لتأسيس علاقات دولية جديدة تقوم على التعاون أكثر منها على الغطرسة والاستفراد.
كما قد نشهد محاولات لإيجاد حلول للأزمات، لكن على مبدأ التفاوض أكثر من منطق القوة والفرض.
سادساً: ستحاول واشنطن الاستفادة من وصول رجل أسود إلى القصر الأبيض لإنتاج عملية تصالح أعمق داخل الولايات المتحدة نفسها، خصوصاً بين البيض والملونين، كما ستحاول استثمار هذه الصورة لتحسين صورتها على الصعيد العالمي.
أخيراً: برغم أن واشنطن تبحث عن التغيير، فمتى نتغير نحن؟
الانتقاد/ العدد1313 ـ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
فعلها أوباما، وها هو أول أسود أميركي يدخل إلى القصر الأبيض، هل هي مفارقة، أم تغيير مفصلي، أم أن المؤسسة الاميركية العملاقة، مؤسسة الحكم والسلطة، أقوى من أي تغيير يحملها رجل له دلالاته العرقية؟
مما لا شك فيه، أن العالم سيكون أفضل بكثير بدون بوش وفريقه من المحافظين الجدد، لأنه لم تمر في تاريخ الولايات المتحدة إدارة هي على هذا القدر من السوء، والنزوع نحو العنف، وافتعال الحروب بدون تردد، واختصارها لواشنطن بعنوان وحيد هو القوة العسكرية، ولا شك أيضاً، أن العطش إلى التغيير داخل الولايات المتحدة، وحتى خارجها، بلغ حده الأقصى، فإدارة بوش لم تأت للاميركيين إلا بالحروب والخيبات والمغامرات الفاشلة والنكبات النوعية التي كان أبرزها الأزمة المالية العالمية التي هددت وما زالت تهدد بأزمة اقتصادية شبيهة بأزمة كساد عام 1929، فلا الحروب حملت المن والسلوى للاميركيين، ولا هي نجحت في وضع حدّ حاسم للتهديد الارهابي، ولا هي نجحت في توفير شبكة أمان اجتماعية تشمل نظام الرعاية الاجتماعية من طبابة وتعليم وسواهما، لدرجة بات هناك الملايين من الاميركيين الذين لا يحظون بضمانات طبابة وسواها.
خارجياً، العالم ضاق بهذا النزوع الاستكباري نحو التفرد والهيمنة المطلقة، والعمل على حل كل مشاكل العالم بمنطق الغطرسة والقوة فحسب.
هذا في الوقت الذي تشهد الولايات المتحدة متغيرات اجتماعية بالغة الأهمية: نمو دور الشباب خصوصاً في صفوف الملونين، تصاعد دور المكونات الملونة وغير البيضاء داخل الفسيفساء الاجتماعية والسياسية للمجتمع الاميركي، كل ذلك معطوفاً على متغيرات عالمية فائقة الأهمية، وذات مدلول استراتيجي، أبرز معالمها تمثل بالقوى الدولية الصاعدة من الصين إلى الهند فروسيا وايران، وليس انتهاء بدور اميركا الجنوبية واللاتينية لا سيما البرازيل والارجنتين.
ولا يختلف اثنان، في ان ادارة بوش نجحت نجاحاً ملحوظاً في إلحاق أكبر الأضرار في سمعة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية. خلاصة القول هنا، هي أن العطش إلى التغيير حتّم نجاح أوباما، وأما التعبير السياسي لهذا العطش، فيجد نفسه في الإرث الثقيل من التحديات التي ستخلفها ادارة بوش لأوباما، والتي يبقى أبرزها: أولاً: حربا العراق وأفغانستان، وكيفية ادارة التعاطي مع هذه الحروب.
ثانياً: الملف النووي الايراني، وأزمة العلاقات مع طهران.
ثالثاً: ملف العلاقات الدولية المتوترة لا سيما مع سوريا.
رابعاً: الملف المالي والاقتصادي الداخلي، ولعل هذا الملف سيكون الأول على أجندة أوباما لانعكاساته الداخلية والعالمية معاً.
خامساً: ملف الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ومن ضمنه ملف أمن الكيان الاسرائيلي الذي يبقى له أولوية قصوى في حسابات كل الادارات الاميركية.
انها تركة ثقيلة، ولا تكفيها أربع سنوات من الوجود في البيت الأبيض، وهذا ما يعيه أوباما بوضوح، وأقرّ به في أول خطاب له ألقاه بعد فوزه، حيث رسم سريعاً حدوداً متواضعة لإمكانية ما يمكن أن يفعله في سنين قليلة مع تحديات نوعية من هذا نوع. ما يزيد من قيود حركة أوباما، جملة أمور لا بد من الالتفات اليها، حتى لا نقع في فخ المبالغة في تقدير ما يمكن أن يفعله رئيس حتى لو كان بحجم الولايات المتحدة.
أولاً: إن أوباما ليس ثائراً حملته الانتخابات إلى سدة الرئاسة، وبالتالي، فهو لم يأت ليحدث انقلاباً على مؤسسة الحكم الاميركية، بل هو ابن هذه المؤسسة، وهي التي أبرزته، ولذا عمل سريعاً على تأكيد تصالحه معها.
ثانياً: ليس الرئيس هو من يطبخ القرارات، وانما هناك مؤسسات ومراكز ودوائر تتألف في الغالب من شخصيات يقوم هو بتعيينها، وهو لا يقوم في النهاية الا باختيار احدها، ولذا غالباً ما كانت تحدث الصراعات في الدوائر المحيطة بالرئيس وليس معه أو حوله.
ثالثاً: ليس الرئيس على أهمية صلاحياته هو من يقرر لوحده، فهناك إلى جانبه مؤسستان ضخمتان تملكان الكثير من الأوراق المؤثرة هما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
رابعاً: ثمة مؤسسات تنفيذية ضخمة لها سياقاتها الخاصة، وهوامش تحرك وتأثير كبيران، أبرزها تبقى أجهزة المخابرات الاميركية ووزارتا الدفاع والخارجية.
خامساً: اللوبيات المؤثرة، وقوى الضغط الاقتصادية والمالية والصناعية المتمثلة تحديداً في التحالفات الكبيرة بين الصناعات العسكرية والنفطية وبيوتات المال السياسية.
سادساً: وسائل الاعلام، التي تلعب دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام الأميركي.
كل ذلك يقودنا إلى خلاصات أساسية أبرزها:
أولاً: إن حجم التغيير الذي سيقوم به أوباما سيخضع لمعادلة بالغة الصعوبة والتعقيد، وبالتالي لا يتوقع منه أن يحدث تغييراً نوعياً وملموساً، بل ان التغيير إذا حدث سيكون بطيئاً، ويأخذ وقتاً لا سيما بالقياس إلى حجم الملفات التي سيواجهها، والمعضلات التي تتشكل منها.
ثانياً: يجب أن لا تأخذنا نشوة الايجابية بخروج بوش، وأن نتوقع أن يكون أوباما رئيساً يخرج على الثوابت الاستراتيجية لمؤسسة الحكم الاميركية، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن توقعه احداث تغيير في التكتيكات لا في الأهداف، واستبدال تكتيكات استخدام القوة الغليظة ومنطق الحروب بسياسات القوة الناعمة ومنطق التفاوض وممارسة الضغوط الممكنة.
ثالثاً: إن من يحق له التفاؤل بفوز أوباما هي الدول التي تمتلك استراتيجيات خاصة بمصالحها، وبالتالي تعرف كيف تتعامل مع الولايات المتحدة.
رابعاً: لا يتوقع أن يحدث أوباما تغييراً ملحوظاً في علاقته مع الكيان الاسرائيلي، أو في التقليل من اعتنائه بمسألة أمن الكيان الاسرائيلي، هذه المسألة التي تعتبر من الثوابت الاستراتيجية في سياسة كل الادارات الاميركية.
نعم، قد نشهد محاولات أكثر اندفاعاً وحضوراً على صعيد تحريك ملف المفاوضات على المسارين الفلسطيني ـ الاسرائيلي والسوري ـ الاسرائيلي.
خامساً: قد نشهد محاولات لتأسيس علاقات دولية جديدة تقوم على التعاون أكثر منها على الغطرسة والاستفراد.
كما قد نشهد محاولات لإيجاد حلول للأزمات، لكن على مبدأ التفاوض أكثر من منطق القوة والفرض.
سادساً: ستحاول واشنطن الاستفادة من وصول رجل أسود إلى القصر الأبيض لإنتاج عملية تصالح أعمق داخل الولايات المتحدة نفسها، خصوصاً بين البيض والملونين، كما ستحاول استثمار هذه الصورة لتحسين صورتها على الصعيد العالمي.
أخيراً: برغم أن واشنطن تبحث عن التغيير، فمتى نتغير نحن؟
الانتقاد/ العدد1313 ـ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008