ارشيف من :أخبار عالمية

عمليات "بشائر السلام": نجاحات عسكرية للحكومة العراقية بانتظار استكمال التوافق الوطني

عمليات "بشائر السلام": نجاحات عسكرية للحكومة العراقية بانتظار استكمال التوافق الوطني
بغداد ـ عادل الجبوري

عوامل عديدة ساهمت مجتمعة في نجاح التحرك السياسي والعسكري والامني للدولة في مواجهة الجماعات المسلحة والخارجين عن القانون في محافظة البصرة، وبعدها محافظة الموصل، ومن ثم محافظة ميسان، التي كانت فيها المشاهد متشابهة الى حد كبير وان اختلف التسميات والمسميات بين هذه المحافظة وتلك.

ويرى محللون وخبراء عسكريون ان رئيس الوزراء نوري المالكي نجح في ادارة وتوجيه مسارات الامور في البصرة والموصل وميسان بمستوى فاق توقعات الاميركيين واطراف اخرى، الامر الذي اربك القيادات العسكرية الاميركية الميدانية في العراق، برغم انها كانت توجه الانتقادات بشكل مستمر للمالكي وتتهمه بالتعامل بمرونة مع الجماعات المسلحة، ومهادنتها لحسابات واعتبارات سياسية معينة تنطلق من زاوية طائفية.

عمليات "بشائر السلام": نجاحات عسكرية للحكومة العراقية بانتظار استكمال التوافق الوطنيواذا كان هناك ضعف بمقدار معين في الجوانب التنظيمية والحرفية واللوجيستية لقوات الجيش والشرطة، ونقاط خلل اخرى، كان من الممكن ان تؤثر سلبا على نتائج المواجهات ومعطياتها النهائية، فإن مواقف وتحركات ابناء العشائر لعبت دورا كبيرا وفاعلا ومؤثرا في تلافي ذلك الضعف والنقص والخلل، فهي من جانب اعلنت تأييدها ومساندتها لتحرك الحكومة، وكان ذلك واضحا الى حد كبير عبر اللقاءات التي عقدها رئيس الوزراء مع اعداد كبيرة من شيوخ ووجهاء ورموز العشائر في البصرة والموصل وميسان، خلال وجوده هناك للاشراف بنفسه على العمليات العسكرية، فضلا عن المبادرة بتشكيل مجالس اسناد قريبة من حيث تكوينها الى مجالس الصحوات التي اخذت بالظهور منذ صيف العام الماضي في محافظة الانبار اول مرة ومن ثم في محافظات ومناطق اخرى كانت ساخنة ومتأزمة امنيا.

وهناك عامل ساهم هو الاخر في سرعة حسم القوات الحكومية للمعارك في المحافظات الثلاث، وتحقيق الاهداف المتوخاة، ألا وهو المواقف السياسية الايجابية حيال تحركها العسكري، من قبل مراكز القرار العليا، كهيئة رئاسة الجمهورية، وهيئة رئاسة مجلس النواب، والائتلاف العراقي الموحد، والتحالف الوطني الكردستاني، بل حتى المرجعيات الدينية، كانت مؤيدة ومساندة ومشجعة لاي اجراء حكومي من شأنه وضع حد لمظاهر الفوضى وانتهاك القانون والتجاوز على ارواح الناس، والتعدي على المصالح والممتلكات العامة، وهي في مناسبات عديدة، بل باستمرار، كانت تدعو عبر وكلائها ومعتمديها، الحكومة وكل الجهات المعنية، الى اتخاذ الاجراءات الحازمة والسريعة للمحافظة على الارواح والممتلكات وفرض سلطة القانون وهيبة الدولة.

مضافا الى ذلك فإن التيار الصدري الذي بدا ان العمليات العسكرية في البصرة والمحافظات الجنوبية، وفي ميسان ومدينة الصدر تحديدا، اللتين تعدان ابرز معاقله، وكأنها موجهه ضده، اظهر تعاونا وتجاوبا شابه في بعض الاحيان قدر من الشد والجذب، لكنه في نهاية المطاف ساهم في سرعة الحسم، ولا سيما ان الحكومة اكدت اكثر من مرة بأنها لا تستهدف التيار الصدري وقياداته ومنتسبيه، بل تستهدف الجماعات والعناصر غير المنضبطة اياً كانت انتماءاتها.  
     
وعمليات بشائر السلام الاخيرة في محافظة ميسان اظهرت تفهم التيار الصدري لدواعي ومبررات تلك العمليات، ما ساهم في تقليل حجم الخسائر البشرية والمادية، وسرعة الوصول الى الاهداف المشخصة. واذا كان هناك من يعتقد ان الحكومة لم تحقق اهدافها بالمستوى المطلوب من  عمليات البصرة والموصل وميسان، فإنه يقع في خطأ كبير بقراءة الواقع قراءة مغلوطة وغير دقيقة.

فمن جانب يعتبر الاستمرار في ملاحقة الجماعات المسلحة والخارجة عن القانون امرا مهما، ويعكس سعيا للوصول الى وضع امني افضل في مختلف مناطق العراق، ومن جانب اخر فإن احكام سيطرة القوات العسكرية والاجهزة الامنية على مفاصل مهمة وحيوية مثل الموانئ وغيرها، ومناطق حيوية، واخراجها من قبضة المسلحين، يعد مؤشرا في غاية الاهمية على حسن الاداء، وايجابية النتائج المتحققة، ناهيك عن التعليمات والاوامر التي اصدرها رئيس الوزراء المتعلقة بالاسراع بتقديم الخدمات واستيعاب اعداد كبيرة من ابناء المحافظات الثلاث في اجهزة الجيش والشرطة، ومعالجة الكثير من المشاكل والازمات فيها بعيدا عن سياقات الروتين الاداري والمؤسساتي المرهق، الذي لا يأتي الا بنتائج متواضعة وبسيطة دون مستوى الطموح.

ولكن مع النتائج الايجابية المتحققة امنيا، والتي اوجدت حراكا سياسيا وساهمت بتنفيس بعض الاحتقانات السياسية، الا ان الطريق ما زال طويلا امام حكومة المالكي للوصول الى مستوى متكامل من النجاح للملفات المتعددة، وخصوصا ان هناك استحقاقات سياسية حساسة، مثل انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في مطلع تشرين الاول/ اكتوبر المقبل، ووجود قوات الاحتلال في البلاد، وآليات انهاء ذلك الوجود، وتفعيل المصالحة الوطنية بدرجة اكبر من خلال استيعاب واحتواء الرافضين والمعارضين للعملية السياسية.

وكل ذلك لا يتحقق الا بتوسيع قاعدة وارضية التوافق الوطني، وزيادة نقاط الالتقاء وتقليل نقاط الافتراق. 
                
الانتقاد/ العدد1276 ـ 27 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-26