ارشيف من :آراء وتحليلات
من هيلاري إلى نتنياهو والوساطة السعودية: رهانات خائبة على حشد روسيا والصين في تشديد العقوبات على إيران !

عقيل الشيخ حسين
هنالك عقد نفسية كثيرة يكتشفها المحللون النفسيون عند معالجة مرضاهم. ويتوسعون ما شاء لهم التوسع في وصف أعراضها وتتبع جذورها وتبيان وظائفها. لكن أحداً منهم لم يكتشف حتى اليوم شيئاً اسمه عقدة "الأنياب"، مع أن نتنياهو قدم خدمة جليلة للتحليل النفسي عندما طالب الروس بفرض عقوبات "ذات أنياب" على إيران. خدمة جليلة لم يتلقفها المحللون النفسيون إما لأنهم ضعفاء أو لأنهم يتضعفون.
على كل حال، وبعيداً عن خوض الغمار في هذا المجال، يمكن الاكتفاء بالقول أن ورود هذه الكلمة على لسانه هو تعبير عن رغبات مجهضة بالنهش والعض ومص الدماء... يسقطها العاجز المسعور الذي تكسرت أنيابه على صخور المقاومة في لبنان وغزة، والممانعة في سوريا وإيران، على الآخر الروسي أملاً بتحققها على يديه.
والمعروف، في المجال نفسه، أن العاجز المحبط يحدث له في كثير من الأحيان أن يتعلق بـ "حبال الهواء"، على ما يقوله المثل الشعبي. أي بالأوهام وأضغاث الأحلام عندما تتكسر عظامه على صخرة الواقع. وأن ينثر كل ما في جعبته من استراتيجيات حتى ولو كانت كلها من نوع الحماقات.
إذ هل من صفة غير الحماقة يمكن إسباغها على موقف نتنياهو في رهانه على إمكانية قيام روسيا بنهش إيران ؟
وكل ما يقال عن نتنياهو، يقال أيضاً عن كثيرين في طليعتهم أوباما ووزيرته كلينتون في رهانهما على أن تقوم الصين بنهش إيران عبر "وساطة" سعودية.
فقد قال أكثر من واحد من مساعديها أن أهم أهداف زيارة كلينتون للرياض هو إقناع السعودية بالعمل على إقناع الصين بوقف تعاملاتها النفطية مع الجمهورية الإسلامية والاستعاضة عن النفط الذي تستورده من إيران بنفط سعودي... وربما، نظراً للعقيدة الشهيرة التي طالما قضت بوضع النفط العربي في خدمة الأغراض الحضارية الكبرى، بأسعار مخفضة أو حتى بالمجان.
أغلب الظن أن أموراً غير التقعر في العلم الاستراتيجي هي ما يستوحي منه كثيرون، في طليعتهم القادة الأميركيون والصهاينة، مبادراتهم البائسة. فالمسألة مع الصين وروسيا تختلف كثيراً عن التعامل مع الأنظمة المتهالكة التي تتعيش على حفنات من المساعدات الخارجية، أو القادة الذين ينبطحون بكل معنى الانبطاح لقاء مساعتهم على البقاء في الحكم وتوريثه لزوجاتهم وأبنائهم.
وهي تختلف كثيراً عما بات رائجاً في زمن تراجع السياسي لصالح المافيوي والقومسيوني والبهلواني والتلاعبي والآلكابوني. فليس الأمر شبيهاً بدفع خمسة دولارات لامرأة بائسة أو لمتشرد لقاء عملية دليفري لحقيبة لا يعلمان أنها محشوة بالمتفجرات وبأنها ستنفجر به أو بها بمجرد الوصول إلى مكان تسليم البضاعة.
فبغض النظر عن الأخلاق والمباديء، فإن روسيا والصين دولتان كبريان تطمح كل منهما إلى تبوء مواقع أكثر تقدماً على المسرح الدولي. لا بمعنى استجداء هذه المواقع، بل بمعنى استحقاقها من خلال التعامل الواقعي مع المعطيات الدولية عبر توازنات القوى. وهما تعلمان بأن طموحهما مبرر لأنهما تمتلكان ما يكفي ويفيض من إمكانيات، ولأن مقاعد عديدة في مقدم المسرح الدولي قد أصبحت شاغرة، من الناحية التاريخية، وفي طليعتها المقعد الأميركي في ظل الهزائم العسكرية التي تتعرض لها أكبر قوة عسكرية في العالم. وفي ظل الحماقات السياسية التي باتت جل ما تقوم عليه الاستراتيجيات الاستكبارية والمرتبطة.
وكل من روسيا والصين تعرفان جيداً مصلحتهما. وإذا حدث أن تصرفتا بطريقة ديبلوماسية، أو عقدا صفقة في هذا المجال التفصيلي أو ذاك، فإن كل ذلك يظل محصوراً في مجال التكتيك. فروسيا والصين داخلتان معاً في أكثر من حلف عسكري واقتصادي. والتقارب بينهما تحكمه اعتبارات استراتيجية على صلة بمعارضتهما لهيمنة أميركا والغرب عموماً، بما فيه "إسرائيل"، على الشأن العالمي. وعلى صلة أيضاً بتوترات تمس الدولتين عن كثب في كوريا الشمالية، وتايوان والتيبت وجورجيا وأوكرانيا والبلقان وكل مكان.
وكلا الدولتين تربطهما بإيران علاقات تجارية واستثمارات ضخمة. وإذا جاز استبدال استثمار باستثمار أكثر إثارة للعاب، فإن الصين التي تفتح لنفسها أسواقاً وتكرس نفوذاً في بلدان الغرب نفسه، والتي تمتلك أكبر فائض مالي في العالم، لن تنبطح أمام عرض سخي في مجال النفط. وكذا الأمر بالنسبة لروسيا الواثقة إلى أبعد الحدود بقدراتها العسكرية وفي مجال الطاقة.
ثم إن روسيا والصين تتعاملان مع إيران، ويهمهما أن تستمر إيران في التقدم، لاعتبارات تتجاوز التبادلات التجارية، لتصل إلى المستوى الأكثر استراتيجيةً : إيران قوية، بالنسبة لهما، تعني وجوداً أميركياً ضعيفاً في الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى والقفقاس، وصولاً إلى باكستان والهند، بعد أفغانستان. أي في مناطق وثيقة الصلة بالأمن القومي لكل منهما.
وبقدر ما يهمهما استمرار إيران في التقدم والاستقرار، تزعجهما الذراع الأميركية المتمثلة بـ "إسرائيل" النووية التي يعرف الجميع أن الغرب لم يزودها بترسانة نووية ضخمة بهدف قهر العرب، بقدر ما كانت صواريخها ذات "الأنياب" النووية موجهة إلى الاتحاد السوفياتي السابق.
أما السعودية وبلدان الخليج التي يسعى الغربيون والإسرائليون، في ظل عجزهم عن التحرش بإيران، إلى حشرها في صراعات مع إيران، كما سبق وفعلوا مع صدام، فإنها أعقل من أن ترتضي لنفسها مصائر كمصير صدام. خصوصاً وأنهم يعرفون، منذ أبي الطيب المتنبي، أن الأميركيين والإسرائيليين الذين يبدون أنيابهم أو أيديهم للمصافحات في المنتديات الدولية، لا يفعلون ذلك كناية عن الابتسام والاحتضان، بل كبديل مؤقت عن النهش والعض الذي يطمحون إليه... فكم من حرب على العدو سعد غيرت وجهها وصارت حرباً على الصديق سعيد !
هنالك عقد نفسية كثيرة يكتشفها المحللون النفسيون عند معالجة مرضاهم. ويتوسعون ما شاء لهم التوسع في وصف أعراضها وتتبع جذورها وتبيان وظائفها. لكن أحداً منهم لم يكتشف حتى اليوم شيئاً اسمه عقدة "الأنياب"، مع أن نتنياهو قدم خدمة جليلة للتحليل النفسي عندما طالب الروس بفرض عقوبات "ذات أنياب" على إيران. خدمة جليلة لم يتلقفها المحللون النفسيون إما لأنهم ضعفاء أو لأنهم يتضعفون.
على كل حال، وبعيداً عن خوض الغمار في هذا المجال، يمكن الاكتفاء بالقول أن ورود هذه الكلمة على لسانه هو تعبير عن رغبات مجهضة بالنهش والعض ومص الدماء... يسقطها العاجز المسعور الذي تكسرت أنيابه على صخور المقاومة في لبنان وغزة، والممانعة في سوريا وإيران، على الآخر الروسي أملاً بتحققها على يديه.
والمعروف، في المجال نفسه، أن العاجز المحبط يحدث له في كثير من الأحيان أن يتعلق بـ "حبال الهواء"، على ما يقوله المثل الشعبي. أي بالأوهام وأضغاث الأحلام عندما تتكسر عظامه على صخرة الواقع. وأن ينثر كل ما في جعبته من استراتيجيات حتى ولو كانت كلها من نوع الحماقات.
إذ هل من صفة غير الحماقة يمكن إسباغها على موقف نتنياهو في رهانه على إمكانية قيام روسيا بنهش إيران ؟
وكل ما يقال عن نتنياهو، يقال أيضاً عن كثيرين في طليعتهم أوباما ووزيرته كلينتون في رهانهما على أن تقوم الصين بنهش إيران عبر "وساطة" سعودية.
فقد قال أكثر من واحد من مساعديها أن أهم أهداف زيارة كلينتون للرياض هو إقناع السعودية بالعمل على إقناع الصين بوقف تعاملاتها النفطية مع الجمهورية الإسلامية والاستعاضة عن النفط الذي تستورده من إيران بنفط سعودي... وربما، نظراً للعقيدة الشهيرة التي طالما قضت بوضع النفط العربي في خدمة الأغراض الحضارية الكبرى، بأسعار مخفضة أو حتى بالمجان.
أغلب الظن أن أموراً غير التقعر في العلم الاستراتيجي هي ما يستوحي منه كثيرون، في طليعتهم القادة الأميركيون والصهاينة، مبادراتهم البائسة. فالمسألة مع الصين وروسيا تختلف كثيراً عن التعامل مع الأنظمة المتهالكة التي تتعيش على حفنات من المساعدات الخارجية، أو القادة الذين ينبطحون بكل معنى الانبطاح لقاء مساعتهم على البقاء في الحكم وتوريثه لزوجاتهم وأبنائهم.
وهي تختلف كثيراً عما بات رائجاً في زمن تراجع السياسي لصالح المافيوي والقومسيوني والبهلواني والتلاعبي والآلكابوني. فليس الأمر شبيهاً بدفع خمسة دولارات لامرأة بائسة أو لمتشرد لقاء عملية دليفري لحقيبة لا يعلمان أنها محشوة بالمتفجرات وبأنها ستنفجر به أو بها بمجرد الوصول إلى مكان تسليم البضاعة.
فبغض النظر عن الأخلاق والمباديء، فإن روسيا والصين دولتان كبريان تطمح كل منهما إلى تبوء مواقع أكثر تقدماً على المسرح الدولي. لا بمعنى استجداء هذه المواقع، بل بمعنى استحقاقها من خلال التعامل الواقعي مع المعطيات الدولية عبر توازنات القوى. وهما تعلمان بأن طموحهما مبرر لأنهما تمتلكان ما يكفي ويفيض من إمكانيات، ولأن مقاعد عديدة في مقدم المسرح الدولي قد أصبحت شاغرة، من الناحية التاريخية، وفي طليعتها المقعد الأميركي في ظل الهزائم العسكرية التي تتعرض لها أكبر قوة عسكرية في العالم. وفي ظل الحماقات السياسية التي باتت جل ما تقوم عليه الاستراتيجيات الاستكبارية والمرتبطة.
وكل من روسيا والصين تعرفان جيداً مصلحتهما. وإذا حدث أن تصرفتا بطريقة ديبلوماسية، أو عقدا صفقة في هذا المجال التفصيلي أو ذاك، فإن كل ذلك يظل محصوراً في مجال التكتيك. فروسيا والصين داخلتان معاً في أكثر من حلف عسكري واقتصادي. والتقارب بينهما تحكمه اعتبارات استراتيجية على صلة بمعارضتهما لهيمنة أميركا والغرب عموماً، بما فيه "إسرائيل"، على الشأن العالمي. وعلى صلة أيضاً بتوترات تمس الدولتين عن كثب في كوريا الشمالية، وتايوان والتيبت وجورجيا وأوكرانيا والبلقان وكل مكان.
وكلا الدولتين تربطهما بإيران علاقات تجارية واستثمارات ضخمة. وإذا جاز استبدال استثمار باستثمار أكثر إثارة للعاب، فإن الصين التي تفتح لنفسها أسواقاً وتكرس نفوذاً في بلدان الغرب نفسه، والتي تمتلك أكبر فائض مالي في العالم، لن تنبطح أمام عرض سخي في مجال النفط. وكذا الأمر بالنسبة لروسيا الواثقة إلى أبعد الحدود بقدراتها العسكرية وفي مجال الطاقة.
ثم إن روسيا والصين تتعاملان مع إيران، ويهمهما أن تستمر إيران في التقدم، لاعتبارات تتجاوز التبادلات التجارية، لتصل إلى المستوى الأكثر استراتيجيةً : إيران قوية، بالنسبة لهما، تعني وجوداً أميركياً ضعيفاً في الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى والقفقاس، وصولاً إلى باكستان والهند، بعد أفغانستان. أي في مناطق وثيقة الصلة بالأمن القومي لكل منهما.
وبقدر ما يهمهما استمرار إيران في التقدم والاستقرار، تزعجهما الذراع الأميركية المتمثلة بـ "إسرائيل" النووية التي يعرف الجميع أن الغرب لم يزودها بترسانة نووية ضخمة بهدف قهر العرب، بقدر ما كانت صواريخها ذات "الأنياب" النووية موجهة إلى الاتحاد السوفياتي السابق.
أما السعودية وبلدان الخليج التي يسعى الغربيون والإسرائليون، في ظل عجزهم عن التحرش بإيران، إلى حشرها في صراعات مع إيران، كما سبق وفعلوا مع صدام، فإنها أعقل من أن ترتضي لنفسها مصائر كمصير صدام. خصوصاً وأنهم يعرفون، منذ أبي الطيب المتنبي، أن الأميركيين والإسرائيليين الذين يبدون أنيابهم أو أيديهم للمصافحات في المنتديات الدولية، لا يفعلون ذلك كناية عن الابتسام والاحتضان، بل كبديل مؤقت عن النهش والعض الذي يطمحون إليه... فكم من حرب على العدو سعد غيرت وجهها وصارت حرباً على الصديق سعيد !