ارشيف من :آراء وتحليلات
"مالوين"... هل تفتح الغرب على حروبه المنسية ؟

عقيل الشيخ حسين
بعد تورطها في حربي العراق وأفغانستان، هل تتورط بريطانيا في حرب ثالثة، بعيداً عن المنطقة، مع الأرجنتين ؟ وإذا حدث ذلك، هل تقتصر الحرب على هذين البلدين، في ظل انخراط كل منهما في تحالفات إقليمية ودولية ؟ خصوصاً وأن قمة إقليمية تجمع بلدان أميركا اللاتينية أعلنت تأييدها للآرجنتين، وأن الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، ذهب إلى أبعد من ذلك عندما وجه كلامه إلى ملكة بريطانيا ليذكرها بزوال عصر الإمبراطوريات وليطلب إليها إعادة جزر ما لوين إلى الأرجنتين.
هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها في ضوء التطور الذي نجم عن شروع شركات بريطانية في التنقيب على النفط في محيط جزر المالوين، والذي ردت عليه الأرجنتين بإجراءات تطال حركة مرور السفن في المنطقة، وسط الحديث عن وصول قوات بحرية بريطانية إليها.
المشكلة المتفجرة هي إذن حول مالوين. وهي مجموعة جزر يطلق عليها الإسبان اسم ماليناس والبريطانيون اسم فوكلاند. أما كلمة مالوين فهي تسميتها الفرنسية. ومجرد الخلاف في التسميات يعكس تاريخاً طويلاً من الخلافات الاستعمارية على الجزر بين اسبانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وصولاً إلى ألمانيا التي هاجمتها في العام 1914، دون أن تفلح في انتزاعها من يد البريطانيين.
نقطة البدء غير المحسومة تعود إلى الخلاف حول الجهة التي اكتشفت تلك الجزر واستعمرتها في القرن الخامس عشر. هنالك ادعاءات بريطانية وإسبانية وفرنسية بهذا الخصوص. والمتحقق أن هذه الجهات تقاسمت أو تداولت الهيمنة على هذه الجزر التي كانت خاضعة للإسبان حين تفجر الثورة الاستقلالية في الأرجنتين في العام 1810. وفي العام 1816، رحل الإسبان عن الأرجنتين، وعن الجزر، وأرسلت الأرجنتين قوة عسكرية وضعت يدها عليها، على سبيل الوراثة عن المستعمر الإسباني.
يومها لم تبدر أية ردود فعل سلبية عن البريطانيين الذين وقعوا معاهدات صداقة واتفاقيات تجارية مع الأرجنتين. لكنهم تراجعوا عن ذلك في العام 1829، عندما أعلنوا حقهم في السيادة على تلك الجزر. وحدث بعد ذلك، أن قامت السلطات الأرجنتينية بمنع أنشطة الصيد البري والبحري في الجزر وما حولها، وهو الحظر الذي خرقته سفن أميركية لم يلبث الأرجنتينيون أن قاموا باحتجازها، ما دفع الأميركيين إلى احتلال الجزر وأسر أو طرد سكانها الأرجنتينيين.
يومها، كانت الولايات المتحدة ما تزال قوة ثانوية بالقياس إلى القوة البريطانية العظمى، لذا أرسل البريطانيون سفنهم إلى الجزر واستولوا عليها بالتفاهم مع الأميركيين، وأسكنوا فيها مهاجرين بريطانيين.
ومنذ ذلك الحين، يطالب الأرجنتينيون باستعادة تلك الجزر الغنية بالثروات الحيوانية البرية والبحرية، والتي تتمتع بموقع ذي أهمية استراتيجية وسياحية في أسفل جنوب القارة الأميركية، غير بعيد عن القطب الجنوبي والحدود الفاصلة بين المحيطين الأطلسي والباسيفيكي. وقد صدرت عشرات القرارات عن الأمم المتحدة وكلها تركز على مطالبة الطرفين، البريطاني والأرجنتيني، بحل المشكلة عن طريق التفاوض.
والجدير بالذكر، أن الجزر المذكورة هي بمساحة 40 كم مربع يسكنها ألفا نسمة نصفهم مواطنون بريطانيون والنصف الآخر جنود بريطانيون، وأنها تقع على بعد 300 كم من الشواطيء الأرجنتينية، و 12 ألف كم من الشواطيء البريطانية.
ومع فشل الحلول الدبلوماسية، قام الأرجنتينيون باحتلال الجزر عام 1982، فأرسلت حكومة مارغريت تاتشر بإرسال قوات استرجعتها بعد حرب دامت ثلاثة أشهر وأسفرت عن مقتل المئات من الجنود، إضافة إلى غرق قطع بحرية بريطانية بصواريخ أرجنتينية من صنع فرنسي.
ويأتي تجدد النزاع الحالي في ظل الحديث عن وجود مخزون نفطي كبير في محيط جزر المالوين. وهنالك بالطبع إمكانيات لحل المشكلة عن طريق مفاوضات لا بد وأن يحكمها تقاسم الثروة النفطية بين البلدين.
وهنالك أيضاً احتمال انسداد أفق التفاوض، كما في العام 1982. يومها كانت كل من بريطانيا العمالية والأرجنتين الخاضعة لحكم الجنرالات المدعومين أميركياً تعانيان من أزمات داخلية جعلت كلاً من الطرفين يتوسم المخرج منها عن طريق الحرب.
ويومها فضلت الولايات المتحدة دعم حليفها البريطاني لاعتبارات تتعلق بأمن أوروبا والخطر السوفياتي، كما تتعلق بعجز الأرجنتين عن إعاقة الوجود الأميركي في القسم الجنوبي من القارة.
أما اليوم، فإن المشكلة تبدو أكثر تعقيداً. فبريطانيا الجريحة في حربي العراق وأفغانستان، والمأزومة اقتصادياً تحتاج إلى نفط مالوين كما تحتاج إلى ترميم صورتها العسكرية كقوة كبرى. أما الأرجنتين، فإن انضمامها ـ وإن كان معتدلاً ـ إلى المعسكر اليساري في أميركا اللاتينية، قد يغري الأميركيين الذين لا يقل وضعهم سوأً عن وضع البريطانيين بالقيام بمغامرة تغذيها آمال ليس أقلها تعديل سير التطورات لمصلحتهم في أميركا اللاتينية.
تحكيم لغة التفاوض لا بد وأن يفضي إلى حصول الأرجنتين على حصة محترمة من النفوذ في مالوين. ذلك لا يعجب البريطانيين بالطبع. لكن تحكيم لغة القوة ضد بلد كاثوليكي، لاتيني، من قبل الانجلوسكسون، ليس بسهولة إعلان الحرب الغربية الجامعة على العالم الإسلامي. مثل هذا الخيار القابل لأن يفرض نفسه في النهاية، من شأنه أن يعيد العالم الغربي إلى أجواء الحروب الغربية التي شكلت مجمل التاريخ الغربي الحديث.
بعد تورطها في حربي العراق وأفغانستان، هل تتورط بريطانيا في حرب ثالثة، بعيداً عن المنطقة، مع الأرجنتين ؟ وإذا حدث ذلك، هل تقتصر الحرب على هذين البلدين، في ظل انخراط كل منهما في تحالفات إقليمية ودولية ؟ خصوصاً وأن قمة إقليمية تجمع بلدان أميركا اللاتينية أعلنت تأييدها للآرجنتين، وأن الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، ذهب إلى أبعد من ذلك عندما وجه كلامه إلى ملكة بريطانيا ليذكرها بزوال عصر الإمبراطوريات وليطلب إليها إعادة جزر ما لوين إلى الأرجنتين.
هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها في ضوء التطور الذي نجم عن شروع شركات بريطانية في التنقيب على النفط في محيط جزر المالوين، والذي ردت عليه الأرجنتين بإجراءات تطال حركة مرور السفن في المنطقة، وسط الحديث عن وصول قوات بحرية بريطانية إليها.
المشكلة المتفجرة هي إذن حول مالوين. وهي مجموعة جزر يطلق عليها الإسبان اسم ماليناس والبريطانيون اسم فوكلاند. أما كلمة مالوين فهي تسميتها الفرنسية. ومجرد الخلاف في التسميات يعكس تاريخاً طويلاً من الخلافات الاستعمارية على الجزر بين اسبانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وصولاً إلى ألمانيا التي هاجمتها في العام 1914، دون أن تفلح في انتزاعها من يد البريطانيين.
نقطة البدء غير المحسومة تعود إلى الخلاف حول الجهة التي اكتشفت تلك الجزر واستعمرتها في القرن الخامس عشر. هنالك ادعاءات بريطانية وإسبانية وفرنسية بهذا الخصوص. والمتحقق أن هذه الجهات تقاسمت أو تداولت الهيمنة على هذه الجزر التي كانت خاضعة للإسبان حين تفجر الثورة الاستقلالية في الأرجنتين في العام 1810. وفي العام 1816، رحل الإسبان عن الأرجنتين، وعن الجزر، وأرسلت الأرجنتين قوة عسكرية وضعت يدها عليها، على سبيل الوراثة عن المستعمر الإسباني.
يومها لم تبدر أية ردود فعل سلبية عن البريطانيين الذين وقعوا معاهدات صداقة واتفاقيات تجارية مع الأرجنتين. لكنهم تراجعوا عن ذلك في العام 1829، عندما أعلنوا حقهم في السيادة على تلك الجزر. وحدث بعد ذلك، أن قامت السلطات الأرجنتينية بمنع أنشطة الصيد البري والبحري في الجزر وما حولها، وهو الحظر الذي خرقته سفن أميركية لم يلبث الأرجنتينيون أن قاموا باحتجازها، ما دفع الأميركيين إلى احتلال الجزر وأسر أو طرد سكانها الأرجنتينيين.
يومها، كانت الولايات المتحدة ما تزال قوة ثانوية بالقياس إلى القوة البريطانية العظمى، لذا أرسل البريطانيون سفنهم إلى الجزر واستولوا عليها بالتفاهم مع الأميركيين، وأسكنوا فيها مهاجرين بريطانيين.

والجدير بالذكر، أن الجزر المذكورة هي بمساحة 40 كم مربع يسكنها ألفا نسمة نصفهم مواطنون بريطانيون والنصف الآخر جنود بريطانيون، وأنها تقع على بعد 300 كم من الشواطيء الأرجنتينية، و 12 ألف كم من الشواطيء البريطانية.
ومع فشل الحلول الدبلوماسية، قام الأرجنتينيون باحتلال الجزر عام 1982، فأرسلت حكومة مارغريت تاتشر بإرسال قوات استرجعتها بعد حرب دامت ثلاثة أشهر وأسفرت عن مقتل المئات من الجنود، إضافة إلى غرق قطع بحرية بريطانية بصواريخ أرجنتينية من صنع فرنسي.
ويأتي تجدد النزاع الحالي في ظل الحديث عن وجود مخزون نفطي كبير في محيط جزر المالوين. وهنالك بالطبع إمكانيات لحل المشكلة عن طريق مفاوضات لا بد وأن يحكمها تقاسم الثروة النفطية بين البلدين.
وهنالك أيضاً احتمال انسداد أفق التفاوض، كما في العام 1982. يومها كانت كل من بريطانيا العمالية والأرجنتين الخاضعة لحكم الجنرالات المدعومين أميركياً تعانيان من أزمات داخلية جعلت كلاً من الطرفين يتوسم المخرج منها عن طريق الحرب.
ويومها فضلت الولايات المتحدة دعم حليفها البريطاني لاعتبارات تتعلق بأمن أوروبا والخطر السوفياتي، كما تتعلق بعجز الأرجنتين عن إعاقة الوجود الأميركي في القسم الجنوبي من القارة.
أما اليوم، فإن المشكلة تبدو أكثر تعقيداً. فبريطانيا الجريحة في حربي العراق وأفغانستان، والمأزومة اقتصادياً تحتاج إلى نفط مالوين كما تحتاج إلى ترميم صورتها العسكرية كقوة كبرى. أما الأرجنتين، فإن انضمامها ـ وإن كان معتدلاً ـ إلى المعسكر اليساري في أميركا اللاتينية، قد يغري الأميركيين الذين لا يقل وضعهم سوأً عن وضع البريطانيين بالقيام بمغامرة تغذيها آمال ليس أقلها تعديل سير التطورات لمصلحتهم في أميركا اللاتينية.
تحكيم لغة التفاوض لا بد وأن يفضي إلى حصول الأرجنتين على حصة محترمة من النفوذ في مالوين. ذلك لا يعجب البريطانيين بالطبع. لكن تحكيم لغة القوة ضد بلد كاثوليكي، لاتيني، من قبل الانجلوسكسون، ليس بسهولة إعلان الحرب الغربية الجامعة على العالم الإسلامي. مثل هذا الخيار القابل لأن يفرض نفسه في النهاية، من شأنه أن يعيد العالم الغربي إلى أجواء الحروب الغربية التي شكلت مجمل التاريخ الغربي الحديث.