ارشيف من :آراء وتحليلات

لقاء جنبلاط ـ عون في المختارة: أبعد من المصالحة

لقاء جنبلاط ـ عون في المختارة: أبعد من المصالحة
مصطفى الحاج علي

ليست زيارة عون لوليد جنبلاط في معقله في المختارة حدثاً عابراً، بل هي محطة بالغة الدلالة والأهمية في سياق تبلور الصورة الجديدة للمشهد السياسي الداخلي، التي أخذت تبرز معالمها بشكل أساسي منذ اللحظة السياسية التي اختار فيها جنبلاط التموضع في مكانه الحالي، وهو تموضع يأخذ في الحسبان متطلبات الجغرافية الدرزية، وبالتالي، المصالح الدرزية، على وقع المتغيرات العميقة التي تشهدها المنطقة، ويشهدها لبنان، منذ الحادي عشر من أيار المشهور، هذا الى جانب تجذر الحالة العونية في الواقع المسيحي، التي فرضت نفسها كقيادة رائدة، وتيار كبير ومتقدم على غيره من المنافسين المسيحيين في المقلب السياسي الآخر.
صحيح أن الكيمياء الشخصية بين الزعيمين ليست على درجة عالية من الانسجام، وأن التمايز في السمات الشخصية ليس بالقليل، إلا أن هذا ما كان ليعني ان المصالحة بين الاثنين صعبة، لا سيما إذا ما توافرت لها الظروف السياسية الملائمة، وتكفي الاشارة هنا، الى أن التفاهم الانتخابي عام 2005 بين الاثنين كان في متناول اليد لولا حسابات المحاصصة، وبعض الاعتبارات السياسية آنذاك.
وبدا واضحاً من الحشد الشعبي العوني والجنبلاطي معاً، أن الاثنين حرصا على أن يكون اللقاء أكثر من عادي، وأن يبعث برسائل لمن يهمه الأمر.
في هذا الإطار العام، يمكن التوقف عند الملاحظات والدلالات الرئيسية التالية:
أولاً: يندرج اللقاء في سياق تطور العلاقة بين عون وجنبلاط التي بدأت في القصر الجمهوري، ومرت في الرابية، لتنتهي في المختارة.
هذه المصالحة تحمل في داخلها بذور امكانيات الانفتاح والتطور والترجمة انتخابياً، بلدياً ونيابياً 
ثانياً: مع استكمال جنبلاط للمصالحة مع عون يكون في الحقيقة قد استكمل تصالحه مع الركن الثالث من أركان المعارضة:
فوليد جنبلاط على علاقة جيدة مع الرئيس بري، وعلى علاقة متطورة ومتقدمة مع حزب الله، وهو الآن في طور علاقة تأسيسية مع عون، وبهذا المعنى، يكون جنبلاط قد خطا خطوة اضافية باتجاه المعارضة، واضعاً بذلك معالم تموضعه السياسي الجديد في منطقة هي أكثر من حيادية، وأقل من التحاق كامل بصفوف المعارضة.
ثالثاً: مع استكمال جنبلاط للمصالحة مع عون أيضاً يكون قد استكمل مصالحته مع مجمل مكونات الساحة المسيحية، فالمصالحة بدأت مع البطريرك ومرت بالقوات والكتائب وانتهت مع عون، إلا أن هذا المسار ما بين البداية والنهاية لم يكن مساراً مستقيماً بل متقطعاً، ذلك أن الوصول الى عون كان على حساب مسافة فاصلة بين جنبلاط والقوات وعموم مسيحيي الرابع عشر من آذار.
رابعاً: لقد بدا اللقاء في الشكل مطابقاً لزيارة البطريرك الى الجبل، وهكذا تشبه البداية النهاية، وإن كانت النتيجة تكتب في الأخير للنهاية.
خامساً: لقد حرص جنبلاط على أن لا يضع الزيارة في وجه البطريرك، بل في سياق تكاملي معها، حرصاً منه على ابقاء روابط ايجابية معه، وهذا بدوره لا يضير عون الذي يهمه أيضاً أن لا تظهر زيارته وكأنها في وجه البطريرك.
سادساً: بالنظر الى البيئة الحيوية للوجود الدرزي يكون جنبلاط قد رمم علاقة الجبل مع محيطه المسيحي والشيعي والدرزي، وأما محيطه السني في اقليم الخروب فما زال يتسم بشيء من التوتر على خلفية التوتر الكامن في علاقة جنبلاط مع المستقبل، وعلى خلفية التموضع السياسي الجديد لجنبلاط.
سابعاً: هذا اللقاء يخدم ولا شك زيارة جنبلاط الى سوريا، والتي ما زالت تنتظر ترتيباتها النهائية.
ثامناً: هذا اللقاء كرس أيضاً زعامة عون المسيحية، ولا سيما أن هذا اللقاء أدخل عون بقوة على ملف حساس مسيحياً هو ملف المهجرين، واذا ما نجح الاثنان في معالجة ولو بعض جوانب ما تبقى من هذا الملف، سيزيد هذا من رصيد عون المسيحي لا سيما لجهة تثبيت صدقية نهجه وحساباته.
تاسعاً: ان المغزى العميق لهذا اللقاء هو الذي يقف وراء الانزعاج الكبير لدى مسيحيي الرابع عشر من آذار، ووراء ردود فعلهم التي تمثلت بموقفهم السلبي وغير المحسوب القاضي بمنع عون من وضع اكليل ورد على ضريح داني شمعون.
عاشراً: لا شك، أن كل المعنيين باضعاف عون سيرون من هذا اللقاء علامة اضافية على فشل حساباتهم ورهاناتهم.
حادي عشر: هذه المصالحة تحمل في داخلها بذور امكانيات الانفتاح والتطور والترجمة انتخابياً، بلدياً ونيابياً.
2010-02-24