ارشيف من :آراء وتحليلات

الغموض، والارتباك، والتوتر، سمة المرحلة ما ينعكس انتظاراً وجموداً في لبنان

الغموض، والارتباك، والتوتر، سمة المرحلة ما ينعكس انتظاراً وجموداً في لبنان
مصطفى الحاج علي
إن مقاربة بانورامية للأوضاع في المنطقة تظهر لنا مشهداً فيه قدر كبير من التوتر الكامن والظاهر، كما فيه قدر كبير من التشويش والارتباك، الذي يجعل من الصعب حسم وجهة الأمور على نحوٍ واضح، مبقياً عليها في دائرة الاحتمالات المتقاربة في امكانيات تحققها.
لا يزال ـ في هذا الإطار ـ التجاذب الغربي ـ الإيراني عموماً، والتجاذب الاسرائيلي ـ الايراني، يمثلان صدارة الاهتمامات الدولية والاقليمية وحتى المحلية، بحيث يبدو كل شيء يتوقف على الوجهة التي سيؤول اليها هذا التجاذب في النهاية.
لقد اختارت واشنطن حتى الآن المقاربة المزدوجة للملف النووي الايراني، والمقصود بذلك المقاربة الديبلوماسية من خلال التفاوض المباشر، والمقاربة المتشددة المتمثلة بالسعي لفرض عقوبات تراوحت أوصافها بين المؤلمة والقاسية والشديدة والمشلة، وإن كانت الأخيرة هي الوصف الأحب الى قلب الكيان الاسرائيلي، ولقد كانت واشنطن، كما الكيان الاسرائيلي، واضحين في تحديد عنوان العقوبات داخل ايران، هذا العنوان هو الحرس الثوري بوصفه عصب النظام، وبالتالي المستهدف هو النظام الايراني، ولذر الرماد في العيون، عمدت واشنطن الى الترويج بأنها لا تريد استهداف الشعب الايراني، وانما مؤسسات النظام، والذي مؤداه الأخير الدخول مجدداً على اللعب على المشكل الداخلي، وعلى وضع الناس في مواجهة النظام. لا يخفى على أحد، ان المستهدف أولاً وأخيراً هو النظام الاسلامي في ايران، وكل العناوين الأخرى هي مجرد تمويهات على هذا الهدف، وفي الحد الأدنى، فإن المطلوب من عقوبات تشل النظام تخيير القيادة الايرانية بين خيارين لا ثالث لهما: إما التنازل والاستجابة لشروط الغرب مقابل رفع اليد عن النظام، وإما رفع الضغوط على النظام الى الدرجة التي تهدد بسقوطه من خلال ايجاد المناخات الملائمة المعززة لعوامل عدم الاستقرار، هذه المقاربة الاميركية ـ الأوروبية ـ الإسرائيلية والمدعومة من أنظمة عربية معروفة تصطدم حتى الآن بجملة حسابات معقدة، أبرزها:
أولاً: إن موسكو ترفض عقوبات كتلك التي تريد واشنطن، وإن كانت لم تمانع في اعتماد عقوبات دون ذلك.
ثانياً: ان الصين ما زالت تمانع اعتماد خيار العقوبات مجدداً، ومصرة على أن الفرصة الديبلوماسية ما زالت متاحة.
ثالثاً: ان عملية إمرار العقوبات في مجلس الأمن ما زالت تصطدم بالممانعة الروسية والرفض الصيني، اضافة الى الممانعة التركية وغيرها من البلدان، ما يجعل مصيرها غير مضمون على الأقل بالصيغة والمستوى الذي تريده واشنطن.
رابعاً: لقد نجحت طهران في توجيه جملة رسائل الى الغرب تقابل تماماً رسائله، وتعاكسها في الوجهة، راسمة بذلك توازنا ردعيا دقيقا:
أ ـ عدم التخلي عن الخيار الديبلوماسي وفق شروط واضحة لا توصل الى التنازل عن حقها المكتسب.
ب ـ الاستعداد للذهاب في المواجهة الى النهاية من خلال التلويح باقفال الخليج الفارسي.
ج ـ التلويح بأنها ـ أي طهران ـ لن تقف مكتوفة الأيدي، وسترد على العقوبات بالطريقة التي تراها مناسبة، وعلى نحوٍ شامل واستراتيجي.
الخلاصة الأكيدة لمجمل هذا الكباش تقود الى تصور الاحتمالات التالية:
أولاً: تسريع عمليات التفاوض وصولاً الى تسوية مقبولة من كل الأطراف، وهذا الاحتمال ما زال يعمل عليه عبر أكثر من طرف دولي واقليمي.
ثانياً: الاستمرار في وضعية دقيقة من التوازن، بما يحفظ الأمور عند استاتيكو معين.
ثالثاً: ان تقف عقوبات الغرب عند حدود العقوبات الأحادية والخاصة دون وصولها الى عقوبات دولية شاملة.
رابعاً: المغامرة بعمل عسكري محدود لتحريك الأمور.
في مطلق الأحوال، من الواضح، ان المنطقة وعلى خلفية التجاذب الإيراني ـ الاميركي ستبقى محكومة لمستوى من التوتر المرحلي أو المقيم الذي سيسحب نفسه على كل المنطقة بما فيها لبنان، كما أن ذهاب الأمور نحو المراوحة في دائرة استاتيكو معين، أو ذهابها نحو الانفجار الذي يراد منه صياغة توازنات جديدة، سيفرض حالة انتظار قسرية على كل الأطراف المنفعلة في المنطقة عموماً ولبنان تحديداً.
بالنسبة لأفغانستان تحاول واشنطن محاكاة النموذج العراقي الى حدّ ما، وذلك من خلال استراتيجيها المتعددة الجوانب والمكوّنات من العناصر الرئيسية التالية:
1 ـ الدخول على خط القبائل التي تشكل الخزان البشري والنطاق الجغرافي الحيوي لحركة طالبان لاستنساخ ظاهرة الصحوات العراقية.
2 ـ الضغط عسكرياً وأمنياً على حركة طالبان لدفعها الى التفاوض، وانطلاقاً من التمييز بينهم وبين تنظيم القاعدة.
إلا أن هذه الاستراتيجية ما زالت تصطدم مع الواقع القوي على الأرض، لا سيما بالتالي:
أولاً: ان طالبان لا تريد شريكاً في السلطة، وإذا كان لديها الاستعداد للتفاوض، فعلى خلفية ان السلطة يجب أن تكون بيدها، وهذا ما لا يمكن لواشنطن أن تقبله لاعتبارات كثيرة، أبرزها أنها لا يمكن لها اقناع باقي القوى الافغانية والمكوّنات السياسية والاجتماعية والدينية والأثنية الأفغانية بهذا الخيار، الأمر الذي سيعني استئنافاً للحرب الأهلية مجدداً.
ثانياً: ان طالبان ترى أنها هي الممسكة بزمام الأمور على الأرض، وهي تخوض مواجهة استراتيجية واحدة في باكستان وأفغانستان معاً، وهي بالتالي ليست مضغوطة، بل العكس هو الصحيح.
ثالثاً: ان التمايز بينها وبين طالباً هو تمايز تكتيكي وليس استراتيجي، وهو خلاف على الأولويات، وليس على الاستراتيجية.
رابعاً: ان واشنطن ما زالت عاجزة عن حشد كل العناصر الدولية والاقليمية اللازمة لنجاح مساعيها في افغانستان.
طبعاً، ان نجاح واشنطن في افغانستان، سيفيدها ولا شك، في تعزيز أوراق قوتها في مواجهة طهران، والعكس هو الصحيح، وهذه النقطة الأساس في تشابك مجريات الأمور اميركياً في افغانستان مع مجريات الأمور مع ايران، وأما بالنسبة الى سوريا، فلقد كانت وزيرة الخارجية الاميركية صريحة في دعوتها دمشق للابتعاد عن ايران، ما يؤكد بالتالي ان مجمل عمليات الانفتاح الغربية ومن مثل أنظمة اميركيا في المنطقة، إنما تندرج في هذا السياق، أي في سياق توفير البدائل والاغراءات الممكنة لدمشق للابتعاد عن ايران، وهذه المحاولات أقل ما يقال فيها انها تفتقد الى الذكاء والمنطق، ذلك أنه ومع فرض وجود استعداد لدى دمشق للابتعاد عن ايران، فإن ما يقدم لها من أثمان لا يوازي القيمة الاستراتيجية لعلاقة سوريا بايران، ويكفي النظر هنا الى مضمون ومحتوى ورمزية الزيارة الأخيرة للرئيس الايراني أحمدي نجاد الى دمشق.
من جهة الكيان الاسرائيلي يعاني من أزمات كبيرة على أكثر من صعيد:
أولاً: أزمة الصورة التي أصيبت بجروح عميقة كان آخرها ما ترتب عليه انفضاح دور الموساد في عملية اغتيال المبحوح.
ثانياً: الارتباك الذي تعاني منه حكومة نتنياهو جراء تركيبتها المتنافرة.
ثالثاً: الأزمة الصامتة بين نتنياهو وأوباما على خلفية مواقفه السلبية من المسعى الاميركي لتحريك التسوية.
رابعاً: الأزمة الوجودية المترتبة على تحول الكيان الاسرائيلي الى دولة عادية في المنطقة، جراء نجاح دول المواجهة، وحركات المقاومة، في رسم حدود لقدرته على استخدام قواه العسكرية تحديداً.
أما باقي عناصر الصورة في المنطقة، فلا تقل ارباكاً: فالنظام المصري بات يعاني من اختناق شديد وأزمة شرعية ومشروعية، وهو يجد نفسه محاصراً بأزمات اقتصادية وسياسية، مفتقداً للوزن الاستراتيجي المتناسب مع موقع مصر ودورها المفترض، ومن جهته يعاني النظام السعودي وضعاً استراتيجياً بالغ الحراجة في محيطه الاقليمي وعلى المستوى الداخلي.
كل هذه المكونات للمشهد الدولي ـ الاقليمي تشكل الإطار العام الذي يتحرك فيه الوضع اللبناني بكل مفرداته، والذي سمته الأساسية المراوحة، وتضييع الوقت، وانعدام الانتاجية، لمقتضيات لعبة الانتظار الصعب الذي لن يفيد أحدا في النهاية، ولن يكون إلا على حساب هموم الناس.
2010-02-27