ارشيف من :أخبار لبنانية

الوزير السابق بشارة مرهج لـ"الانتقاد": هناك من لا يزال متردداً في تطبيق مبدأ الشراكة

الوزير السابق بشارة مرهج لـ"الانتقاد": هناك من لا يزال متردداً في تطبيق مبدأ الشراكة

يبدي الوزير والنائب السابق عن بيروت بشارة مرهج استياءه الشديد من المخاض العسير الذي يواكب ولادة الحكومة العتيدة، لكون هذه الولادة المستعصية  تفرضها جملة مقدمات، منها على رأي مرهج "شهوة السلطة التي ما زالت موجودة عند الحكومة السابقة". غير ان ما يخفف من وطأة ذلك آنياً أن "اتفاق الدوحة يفرض على الجميع إن في فريق 14 آذار أو 8 آذار، تطبيق مبدأ المشاركة". معتبراً أن "ليس أمام اللبنانيين من فرصة أخرى".
ولئن بدا مسلّماً برأي الآخرين وهو منهم، بـ"ان تضخيم بعض الحوادث الأمنية في العاصمة غير منسجم مع روح المرحلة"، فأيضا "هناك جرح كبير لدى أهل بيروت يجب معالجته على كل المستويات، لأن تجاهله سيؤدي إلى إخلال كبير في الوضع الأمني ويضعها في المقدمة".
مرهج على قناعة راسخة "بأن بعض الفئات لا تريد من رئيس الجمهورية ان ينجح في مهماته، لأنها لا ترى وجودها السياسي خارج العصبية المذهبية والتوتير الأمني المدروس"، وبالتالي يطالب "بسحب هذا الفتيل بالوسائل الشرعية والسياسية المتاحة".

مع مرور أكثر من عشرة أيام على المشاورات والاتصالات بشأن تشكيلة الحكومة، كيف تقرأ هذا المخاض العسير لتوليدها؟
ـ من الطبيعي بعد التجارب المريرة التي خاضها لبنان، وبعد الفراغ الدستوري الذي حل بالبلاد، أن يأخذ تشكيل الحكومة بعض الوقت، وخصوصاً ان الوفاق الحقيقي لم يتحقق بعد، بل ما زلنا في بداية الطريق، وتشكيل الحكومات يحتاج إلى نوع من الوفاق والتفاهمات المتبادلة. ويبدو أن هناك جهوداً حثيثة في هذا الاتجاه، سواء كانت لبنانية أو عربية، ولكنها تواجه بشهوات كامنة للاستيزار، وخصوصا أن الحكومة السابقة أخذت مجدها في احتقار السلطة وممارسة تفردها من دون أي حسيب او رقيب.. فالعودة إلى المسار الطبيعي تحتاج الى بعض الوقت، ولكن من الأهمية بمكان ان تسهل المعارضة الأمور للإسراع في تشكيل الحكومة".
هل المشكلة عند المعارضة أم عند فريق المولاة؟
ـ ما أقصده ان شهوة السلطة ما زالت موجودة عند الحكومة السابقة، ولكن مفروض من المعارضة ان تسهل إلى أبعد الحدود المسألة حتى تُظهر المسؤوليات جلية أمام الرأي العام، من هو الذي يقف حجرة عثرة ومن هو المتردد في تثبيت مبدأ الشراكة، لأن موضوع الشراكة يحتاج الى جرأة والى شعور عميق بالمسؤولية، وإعادة النظر في كثير من المفاهيم التي سادت في المرحلة السابقة، والتي من خلالها حكمت فيها الحكومة التي طُعنت في شرعيتها ودستوريتها.

من موقعك كمراقب، من هي الجهة المعرقلة لتشكيل الحكومة؟
ـ أنا برأيي العقلية التي تعوّدت الاستئثار واستبعاد الرأي الآخر، وكادت تلغي مبدأ الشراكة في الحياة السياسية، لأن هذه العقلية ما زالت مترددة في تطبيق مبدأ الشراكة.. ولكن اتفاق الدوحة يفرض على الجميع إن في فريق 14 آذار أو 8 آذار تطبيق مبدأ المشاركة. ولأكون أكثر وضوحا فالمسؤولية الأساسية تقع على عاتق فريق 14 آذار.

كيف تقرأ استحضار الملف الأمني اليوم في العاصمة وبطريقة نافرة، هل القصد منه تأخير تشكيل الحكومة؟
ـ برأيي لا شيء يجب أن يقف في طريق تشكيل الحكومة، لكن يجب الاعتراف بأن هناك جرحاً عميقاً لدى أهل بيروت، وهذا الأمر يتطلب معالجة ومبادرة إيجابية على مختلف المستويات الشعبية والروحية والسياسية لاستيعاب كل الآثار السلبية للمرحلة السابقة. واستمرار المشاكل الأمنية في بيروت من أي جهة أتت يعيد التذكير بالأجواء الماضية التي يريد الناس نسيانها وتجاوزها. وهنا المسؤولية الكبرى تقع على الدولة وعلى الجهات الأمنية التي عليها أن تضع حداً فاصلاً بين هاتين المرحلتين، لأن استمرارها يؤثر سلباً في الخطوات المطلوبة من كل القوى السياسية.

ألا ترى أن طرح الموضوع الأمني في العاصمة جاء في توقيت غير بريء، مع العلم ان المعارضة سبق أن تعرضت لكثير من الاعتداءات، وكانت تلملم الوضع لمصلحة السير في تشكيل الحكومة؟!
ـ ان استحضار الوضع الأمني في بيروت ووضعه في وجه المساعي السياسية هو في غير محله، ولكن في المقابل لا يمكن تجاهله.. إذا كان تضخيم بعض الحوادث الأمنية غير منسجم مع روح المرحلة، فأيضا هناك جرح كبير لدى أهل بيروت يجب معالجته على كل المستويات، لأن تجاهل هذا الأمر سيؤدي إلى إخلال كبير في الوضع الأمني، ويضعها في المقدمة.

أنت تعلم ان هناك قرارات اتخذها مجلس الأمن المركزي لوضع حد لكل هذه الاستفزازات، بالتالي لا داعي لأن توضع ذريعة لوقف المسار السياسي العام برمته؟
ـ .. لكن ما أريد أن أقوله ان المعالجة الأمنية لا تكفي، ويفترض أن يكون هناك معالجات على الصعد الأخرى. وهذه ورقة عمل كبيرة، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه مشكلة كبيرة، لأن هناك أحقاداً وحساسيات ومشاعر نفسية كلها تحتاج إلى معالجة، فنحن أبناء وطن واحد، ما يحصل اليوم ان كل شخص يعتبر طائفته وطنه! .. وأنا أعرف ماذا فعل عماد زغلول، ولكن معاقبته تكون على الدولة.

ألا تخشى مع تكرار مثل هذه الحوادث ان يبقى الملف الأمني مطروحاً كأولوية بغية التلهي به على حساب تشكيلة الحكومة؟
ـ هناك بعض الأوساط التي لا ترى وجودها السياسي خارج العصبية المذهبية والتوتير الأمني المدروس، وبالتالي هذا الفتيل يجب سحبه بالوسائل الشرعية والسياسية المتاحة، على اعتبار ان هناك مستفيدين من هذا الوضع المتوتر مذهبياً وأمنياً، لكون هذا يتيح تضخيم الزعامات الطائفية، وبقاء هذا الجو ليس من مصلحة البلد.
العهد الجديد
برأيك ما هي مسؤولية العهد الجديد؟ من أين يجب أن يبدأ؟
ـ أولا يجب أن يبدأ بترسيخ المؤسسات على قواعد دستورية وميثاقية، وبحكومة عمل مشترك إذا تعذر الوفاق الحقيقي في هذه المرحلة.. على أن تبدأ الجهود للمصالحة الحقيقية في البلد، والسهر على مسيرة الوفاق وإصلاح المؤسسات وتحركها في الاتجاه الدستوري والميثاقي.

هل بدأت تشعر ببداية تعثر في انطلاقة العهد؟
ـ نعم، وهناك فئات لا تريد لرئيس الجمهورية أن ينجح في مهماته.

من هي هذه الجهات؟
ـ تلك التي تصعّد في تشكيلة الحكومة، والتي لا تقبل بالاستراتيجية الدفاعية.

.. وهذا يفتح على سؤال: ما هي البنود التي ترونها أساسية والتي يجب ان يتضمنها البيان الوزاري؟

ـ أولا ان يكون البيان الوزاري مشابهاً للبيان الوزاري السابق الذي يكرس حق لبنان بالمقاومة والتحرير. وثانيا معالجة الوضع المالي وضرورة تخفيض الفوائد على الدين العامّ.

توزير جعجع في الحكومة ألا يشي ببذور انفجارها في المرحلة المنظورة؟
ـ يكفيه انه أصبح حرا وقادرا على ممارسة العمل السياسي، وليس ضروريا ان يكون في الحكومة.

في ظل التعقيدات التي تشهدها ولادة الحكومة، هل نحن بحاجة الى "قابلة قطرية" لتوليدها؟
ـ للأسف الشديد جميعنا بحاجة إلى مساعدة واحتضان عربيين، لأن النفوس لم تهدأ والغرائز ما زالت مستنفرة، والأوضاع الشعبية ليست على ما يرام.. وأخطر ما يعيشه البلد ليس الخلاف على المستوى القيادي، إنما القطيعة الشعبية، فهي كادت تصبح واقعاً ملموسا يجب معالجته اليوم قبل الغد، وبالتالي على رئيس الجمهورية أن يولي هذا الأمر الاهتمام بشكل كبير.

برأيكم الى أي حد تعتقد ان اتفاق الدوحة يملك مقومات الصمود، خاصة ان البعض يعتقد ان ما فرضه من معادلات جديدة قابلة للسقوط على غرار الاتفاقات الأخرى في المنطقة؟
ـ اتفاق الدوحة اتفاق سياسي وافق عليه جميع الأطراف اللبنانيين، وأصبح ملزما للجميع، وبالتالي لا يجوز للبنانيين ان يخسروا هذه الفرصة إطلاقاً.. وأوجه كلامي هذا للقيادات السياسية، لأنه إذا حصل شيء ـ لا سمح الله ـ في البلد فلن تتوافر مبادرات أفضل من هذه المبادرات التي يجب أن نطورها بالاتجاه الديمقراطي والدستوري الذي يتلاءم مع المعطيات اللبنانية، وخاصة في ما خص القانون الانتخابي الذي لم أوافق عليه، لأنه سيعيد تكريس المذهبيات.

.. هو أشبه بهدنه؟
ـ لا يجب ان تعتبره هدنة.

..البعض يعتبره هكذا؟
ـ لا.. برأيي هي تسوية سياسية يجب احترامها، والإخلال فيها يسيء إلى سمعة لبنان، ويفوّت فرصة كبير عليه، وسيترك المرارة والخيبة لكل عربي شقيق ساعد لبنان.

كيف قرأت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى لبنان؟ وماذا حملت من دلالات سياسية؟
ـ الأهم في الزيارة ان فرنسا بدأت تخط طريقاً آخر لها في المنطقة بعدما انحرفت قليلا عن الخط الأميركي، لذا جاءت مواقف ساركوزي لافتة من حيث انه توجه إلى اللبنانيين ككل وليس الى فريق، ثم حواره مع مختلف الأطراف المعارضة وتشديده على الاستراتيجية الدفاعية، وهو أمر واضح ما كان المقصود به.. ومن ثم العمل على مقاربة جديدة باتجاه سوريا، ما يعكس تطورا في السياسة الفرنسية بخلاف ما كان متبعاً سابقاً.

سؤال أخير: هل تتوقع ولادة قريبة للحكومة؟
ـ نعم.
حاوره: حسين عواد
الانتقاد/ العدد1271 ـ 10 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-09