ارشيف من :آراء وتحليلات
استراتيجية الشعب المقاوم: مع التاريخ او عكسه؟

كتبت ليلى نقولا الرحباني
في ظل الحديث السائد في لبنان عن الحوار، وما يمكن ان ينتجه من توافق وطني جامع حول استراتيجية دفاعية تقود الدولة اللبنانية في المراحل المقبلة، وتؤسس لما يسمى باستراتيجية جيل التحرر بعد التحرير والانتصار، طرح العماد ميشال عون تصوره للاستراتيجية الدفاعية التي أطلق عليها عنوان: الشعب المقاوم.
وقد ووجهت هذه الاستراتيجية وعنوانها بأقسى الانتقادات، تماماً كما حصل لوثيقة التفاهم سابقاً.. بل ان احد الموالين ذهب الى حد اعتبار ان هذه الاستراتيجية تهدف الى تسليح الشعب اللبناني برمته وتحويله الى ميليشيات كما أيام الحرب.
بالتأكيد لا يمكن لأي عاقل ان يتصور ان المقصود باستراتيجية "الشعب المقاوم"، ان يحمل جميع اللبنانيين السلاح ويتحولوا الى ميليشيات. لكن من أين انطلقت هذه الاستراتيجية؟ وهل هي نظرية كارثية وخيالية غير قابلة للتطبيق كما يقول البعض؟ ام انها من صلب الواقع اللبناني الثقافي والتاريخي؟
بتحليل علمي للمجتمع اللبناني، يمكن القول ان الفئات المقاومة فيه هي أكثرية حقيقية، وإن الفئات الأخرى لا تعدو كونها أقلية هامشية لا تؤثر ولا يُحسب لها حساب في دراسة النوع. ولقد بيّن الانتصار الذي حققه اللبنانيون في حرب تموز صدقية هذا التحليل، وأن الثقافة السياسية للشعب اللبناني هي ثقافة مشاركة فاعلة، وأن الفئات الهامشية والخاضعة لا تعدو كونها أقلية في مجتمع تسوده ثقافة التحدي والعنفوان والصبر لتحقيق الانتصارات. ويمكن ادراج الاكثرية المقاومة المنتصرة في تموز ضمن فئتين كبيرتين:
الفئة الأولى: مجتمع المقاومة:
ان دراسة معمقة لهذا المجتمع تفيد ان المقاومة لديه ليست مقاومة حزب أو فصيل سياسي، بل هي مقاومة شعب برمّته، شعب قرّر التماشي مع سلوك قادته في القرار ومقاتليه في الميدان، أي مواصلة القتال حتى النصر أو الشهادة من دون أن يكون في صفوفه من يرضى بأن يبقى حتى يقبل التوقيع على الاستسلام. إنّهم مجتمع يرى المعركة معركة "مصير"، معركة صراع الحقّ ضد الباطل.
لقد أثبتت حرب تموز أنّ المقاومة عند هؤلاء ليست فعلاً عابراً أو عرضياً، بل تحوّلت إلى فعل إيمان وأسلوب حياة يومي، بحيث يعيشون على تطويرها وتربية أطفالهم على مبادئها، كما يعلمونهم مبادئ الدين. وبينت التجارب أن المقاومة ليست جزءاً لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع اليومية فحسب، بل هي حياته اليومية بكل تفاصيلها ومصيره الكامل من المهد إلى اللحد. فقد تماهت المقاومة معهم، بحيث بات يصعب فك الارتباط بينهما. عاشوها كما الماء والهواء، فهي علة وجودهم وحياتهم.
أمّا الفئة الثانية فهي فئة مقاومة أيضاً، لكنها من خارج مجتمع المقاومة:
بداية نلفت إلى أن هذه الفئة ليست بقليلة في المجتمع اللبناني، وينتمي إليها مواطنون من كل الطوائف، وقد مارست هذه أنواعا شتى من المقاومة في تاريخ لبنان، وأجمعت جميعها على تسمية عملها بـ"المقاومة"، وإطلاق صفة "الشهداء" على من يسقط لها من الضحايا. وتنقسم هذه الفئة الى مجموعات متباينة، منها من مارس الأعمال العسكرية، ومنها من لم يؤمن بالسلاح يوماً، بل مارس أنواعاً أخرى من المقاومة، سواء الاعلامية او الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية إلخ..
آمن هؤلاء بالمقاومة خياراً حاسماً لدحر المحتل عن أرضهم، برغم أنهم اعتمدوا أشكالاً مختلفة من المقاومة، وبرغم اختلافهم أيضاً حول تحديد "العدو" المستهدف بالمقاومة والتحرير. ويختلف مفهوم المقاومة عندهم عن مفهوم "الجهاد" لدى حزب الله، وتختلف لديهم المعايير التي ينظرون إليها للفعل المقاوم، برغم أنهم يؤمنون بحق الشعوب في مقاومة المحتل ودحر الاحتلال والدفاع عن الأرض.
وفي تحليل لسلوك الغالبية العظمى من الشعب اللبناني خلال حرب تموز، نستطيع القول ان الشعب اللبناني الذي ناصر المقاومة العسكرية لحزب الله وساهم في انجاز التحرير، اعتبر أنّ المقاومة هي "شعب وثقافة" قبل أن تكون عسكراً، وآمن بأن الحرب واستعمال القوة المسلحة للدفاع عن الوطن ليسا شأناً يخص العسكر فقط، بل على الجميع أن يشاركوا في الحرب ضد العدو لمحاولة كسبها، وهذا ما قاموا به فانتصروا.
اذاً، يبدو مما تقدم ان اللبنانيين بمختلف فئاتهم الحزبية والسياسية يوحدهم التغني بتاريخهم المقاوم، برغم اختلافهم على هدف المقاومة وتحديد الشهداء. وهذا يشير الى ان استراتيجية "الشعب المقاوم" أتت لتلامس واقع اللبنانيين ومصدر فخرهم واعتزازهم، وتستفيد من انتصارهم في حرب تموز، ولم تأتِ لتبتدع أمراً يجافي الحقائق التاريخية.. فلماذا اذاً يرجمها الموالون؟
الانتقاد/ العدد 1314 ـ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
في ظل الحديث السائد في لبنان عن الحوار، وما يمكن ان ينتجه من توافق وطني جامع حول استراتيجية دفاعية تقود الدولة اللبنانية في المراحل المقبلة، وتؤسس لما يسمى باستراتيجية جيل التحرر بعد التحرير والانتصار، طرح العماد ميشال عون تصوره للاستراتيجية الدفاعية التي أطلق عليها عنوان: الشعب المقاوم.
وقد ووجهت هذه الاستراتيجية وعنوانها بأقسى الانتقادات، تماماً كما حصل لوثيقة التفاهم سابقاً.. بل ان احد الموالين ذهب الى حد اعتبار ان هذه الاستراتيجية تهدف الى تسليح الشعب اللبناني برمته وتحويله الى ميليشيات كما أيام الحرب.
بالتأكيد لا يمكن لأي عاقل ان يتصور ان المقصود باستراتيجية "الشعب المقاوم"، ان يحمل جميع اللبنانيين السلاح ويتحولوا الى ميليشيات. لكن من أين انطلقت هذه الاستراتيجية؟ وهل هي نظرية كارثية وخيالية غير قابلة للتطبيق كما يقول البعض؟ ام انها من صلب الواقع اللبناني الثقافي والتاريخي؟
بتحليل علمي للمجتمع اللبناني، يمكن القول ان الفئات المقاومة فيه هي أكثرية حقيقية، وإن الفئات الأخرى لا تعدو كونها أقلية هامشية لا تؤثر ولا يُحسب لها حساب في دراسة النوع. ولقد بيّن الانتصار الذي حققه اللبنانيون في حرب تموز صدقية هذا التحليل، وأن الثقافة السياسية للشعب اللبناني هي ثقافة مشاركة فاعلة، وأن الفئات الهامشية والخاضعة لا تعدو كونها أقلية في مجتمع تسوده ثقافة التحدي والعنفوان والصبر لتحقيق الانتصارات. ويمكن ادراج الاكثرية المقاومة المنتصرة في تموز ضمن فئتين كبيرتين:
الفئة الأولى: مجتمع المقاومة:
ان دراسة معمقة لهذا المجتمع تفيد ان المقاومة لديه ليست مقاومة حزب أو فصيل سياسي، بل هي مقاومة شعب برمّته، شعب قرّر التماشي مع سلوك قادته في القرار ومقاتليه في الميدان، أي مواصلة القتال حتى النصر أو الشهادة من دون أن يكون في صفوفه من يرضى بأن يبقى حتى يقبل التوقيع على الاستسلام. إنّهم مجتمع يرى المعركة معركة "مصير"، معركة صراع الحقّ ضد الباطل.
لقد أثبتت حرب تموز أنّ المقاومة عند هؤلاء ليست فعلاً عابراً أو عرضياً، بل تحوّلت إلى فعل إيمان وأسلوب حياة يومي، بحيث يعيشون على تطويرها وتربية أطفالهم على مبادئها، كما يعلمونهم مبادئ الدين. وبينت التجارب أن المقاومة ليست جزءاً لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع اليومية فحسب، بل هي حياته اليومية بكل تفاصيلها ومصيره الكامل من المهد إلى اللحد. فقد تماهت المقاومة معهم، بحيث بات يصعب فك الارتباط بينهما. عاشوها كما الماء والهواء، فهي علة وجودهم وحياتهم.
أمّا الفئة الثانية فهي فئة مقاومة أيضاً، لكنها من خارج مجتمع المقاومة:
بداية نلفت إلى أن هذه الفئة ليست بقليلة في المجتمع اللبناني، وينتمي إليها مواطنون من كل الطوائف، وقد مارست هذه أنواعا شتى من المقاومة في تاريخ لبنان، وأجمعت جميعها على تسمية عملها بـ"المقاومة"، وإطلاق صفة "الشهداء" على من يسقط لها من الضحايا. وتنقسم هذه الفئة الى مجموعات متباينة، منها من مارس الأعمال العسكرية، ومنها من لم يؤمن بالسلاح يوماً، بل مارس أنواعاً أخرى من المقاومة، سواء الاعلامية او الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية إلخ..
آمن هؤلاء بالمقاومة خياراً حاسماً لدحر المحتل عن أرضهم، برغم أنهم اعتمدوا أشكالاً مختلفة من المقاومة، وبرغم اختلافهم أيضاً حول تحديد "العدو" المستهدف بالمقاومة والتحرير. ويختلف مفهوم المقاومة عندهم عن مفهوم "الجهاد" لدى حزب الله، وتختلف لديهم المعايير التي ينظرون إليها للفعل المقاوم، برغم أنهم يؤمنون بحق الشعوب في مقاومة المحتل ودحر الاحتلال والدفاع عن الأرض.
وفي تحليل لسلوك الغالبية العظمى من الشعب اللبناني خلال حرب تموز، نستطيع القول ان الشعب اللبناني الذي ناصر المقاومة العسكرية لحزب الله وساهم في انجاز التحرير، اعتبر أنّ المقاومة هي "شعب وثقافة" قبل أن تكون عسكراً، وآمن بأن الحرب واستعمال القوة المسلحة للدفاع عن الوطن ليسا شأناً يخص العسكر فقط، بل على الجميع أن يشاركوا في الحرب ضد العدو لمحاولة كسبها، وهذا ما قاموا به فانتصروا.
اذاً، يبدو مما تقدم ان اللبنانيين بمختلف فئاتهم الحزبية والسياسية يوحدهم التغني بتاريخهم المقاوم، برغم اختلافهم على هدف المقاومة وتحديد الشهداء. وهذا يشير الى ان استراتيجية "الشعب المقاوم" أتت لتلامس واقع اللبنانيين ومصدر فخرهم واعتزازهم، وتستفيد من انتصارهم في حرب تموز، ولم تأتِ لتبتدع أمراً يجافي الحقائق التاريخية.. فلماذا اذاً يرجمها الموالون؟
الانتقاد/ العدد 1314 ـ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008