ارشيف من :آراء وتحليلات

المشهد الداخلي بين طاولة الحوار والانكشاف الأمني

المشهد الداخلي بين طاولة الحوار والانكشاف الأمني
كتب مصطفى الحاج علي
الوضع الداخلي على حاله من المراوحة، لا سيما بعد انفضاض طاولة الحوار إلى لا شيء، كما توقع كثيرون، فالتجاذب تجاوز مفردة الاستراتيجية، أو على الأقل، لم يقف عندها فحسب، بل انضم اليها عنوان ليس بقليل الأهمية سياسياً هو عنوان التوسعة، أم البقاء عند ما هو قائم: الموالاة ترفض التوسعة لاعتبارات عدة، وما لا تقوله منها أكثر بكثير مما تقوله، فرفضها يضرب في إدراكها بأن القبول هو إمضاء منها لحقيقة التغيير الذي جرى في المعادلة السياسية الداخلية، وفي توازنات القوة التي تحكمها.
هذا الإمضاء هو بمثابة إقرار منها بالهزيمة، في حين تريد تأجيل هذا الإقرار إلى ما بعد الانتخابات النيابية، عسى أن تحمل هذه الانتخابات نتائج مغايرة، تعيد اليها توازنها، وفرض معادلة أكثر ايجاباً لمصلحتها.
الدافع الآخر للرفض يتمثل بوعي هذا الفريق أن القبول أيضاً هو إقرار منها بلا شرعية تمثيل من هو موجود الآن، أو على الأقل، أنه لم يعد الجهة الممثلة الوحيدة، وأما الدافع الأخير، فيتمثل بإدراك هذا الفريق أن القبول سيعني إدخال مشاركين وازنين اضافيين من شأن مشاركتهم تصحيح الخلل في العنوان الوطني لطاولة الحوار، في حين يصر هؤلاء على الطابع المبتور الذي يتغذى على فلسفة الإقصاء والاستئثار.
من جهتها، تدرك المعارضة أن لها كل الحق في تصحيح الطابع الوطني للمشاركة أولاً، لأنها صاحبة حق فعلي، حيث لا يجوز اقصاء قوى وشخصيات ممثلة وفاعلة ولها حيثيتها السياسية والوطنية عن المشاركة في حوار يتناول أهم وأخطر مسألة وطنية، وثانياً، ان التوسعة هي جزء لا يتجزأ من روح اتفاق الدوحة الذي أكد على المشاركة والتوافق العام، وثالثاً، أن الظروف العامة والخاصة التي فرضت صيغة المشاركة في طاولة الحوار الأولى هي غيرها التي حتمت انعقاد طاولة الحوار الوطني رقم (2).
وفي مطلق الأحوال، فإن عدم حسم هذه المسألة، اضافة  إلى الأسلوب الذي تتم فيه مناقشة الأوراق المقدمة من قبل فريق الموالاة، أو على الأقل بعضه، والتي تتسم بالغوغائية، وبالتوظيف الانتخابي، ما يؤدي إلى اسقاط عنوان الاستراتيجية الدفاعية من مرتبته الوطنية الجامعة والعامة، إلى مرتبة العناوين السياسية التي لا غرض منها سوى النيل من الآخرين لإضعافهم انتخابياً، ما يدل على المستوى الرخيص سياسياً الذي بلغه هؤلاء، ويعكس، في الآن نفسه، مدى استشعارهم لضعفهم الانتخابي، ما يجعلهم في حاجة ماسة إلى أي ورقة يلتقطونها لتوظيفها لمصلحتهم الشخصية.
الأمر عينه، ينطبق على طريقة مقاربة هؤلاء لما كشفته التحقيقات السورية مع الشبكة التي نفذت التفجير الأخير في دمشق، والذي أودى بحياة 17 مدنياً، فالمعلومات التي أعلنت هي من الخطورة بمكان كبير، ما يستدعي عدم التعاطي معها بمواقف سياسية جاهزة، بل بمواقف ترتقي إلى مستوى العلاقة بين بلدين، لكل منهما أجهزته الأمنية والقضائية، وبينهما الكثير من الاتفاقات التي تنظم علاقاتهما بعضهما ببعض، والأمر المنطقي، اخراج موضوع جنائي وقضائي من إطار المساجلة السياسية إلى إطاره التحقيقي والجنائي، وبالتالي انتظار ما تقوله التحقيقات، وما يقوله القضاء الذي تبقى له الكلمة الفصل.
ثم، إذا كان من رسالة سياسية تحملها التحقيقات، فهي رسالة تخص الدولتين في ما يعني تقاسم الخطر المشترك، وضرورة التعاون لمواجهته والتصدي اليه.
من هنا، فأية مواقف منددة، أو متهمة، لن تكون أكثر من محاولة للتغطية على المجرمين الفعليين، واعطائهم فرصة للاختفاء وراء هكذا مواقف.
وحسناً فعلت الأجهزة الأمنية اللبنانية اذ سارعت إلى توقيف من يجب ايقافه، لأن القاعدة الأمنية في هكذا حالات، أن تعتبر ما أعلن بمثابة إخبار، وأن المتهمين هم بمثابة متهمين حتى يثبت العكس.
وفي مطلق الأحوال، لقد بدا واضحاً مما أعلن، ومما سبق وكشف في لبنان أيضاً، أن البعض من دول المنطقة لا يتورع عن تحويل الخلاف السياسي وترجمته إلى صراعات أمنية بمعزل عن كلفتها البشرية، والرسالة السورية في هذا الاتجاه كانت واضحة لمن يعنيه الأمر، كما كانت في مؤداها النهائي واضحة في مخاطبة من يجب مخاطبته لجهة تأكيد أن سوريا اليوم هي ضحية أساسية من ضحايا الإرهاب، في مقابل الصورة الاميركية التي جرى إلصاقها بها وبكل دول وقوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، إلى صورة الدولة الصانعة والمصدرة للإرهاب.
ان المقتضى الموضوعي يتطلب النظر إلى المعلومات بدرجة عالية من الجدية والمسؤولية، لأن من شأن ذلك، وضع التحقيقات في الكثير من المسائل الأساسية، والملفات الحساسة، على السكة الصحيحة، بدلاً من ابقائها على سكة التوظيف السياسي. ان الاتهامات القانونية والأمنية لا يرد عليها باتهامات سياسية، وانما بمزيد من التحقيق والبحث، والخروج من شرنقة التسييس إلى دائرة الوصول إلى الحقيقة العارية كما هي التي تبقى مصلحة الجميع، والتي وحدها تنصب ميزان العدالة.
الانتقاد/ العدد 1314 ـ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008-11-11