ارشيف من :آراء وتحليلات
مؤتمر حوار الأديان في نيويورك وأفخاخ التطبيع مع الإسرائيلي

كتب مصطفى الحاج علي
إنه مؤتمر لحوار الأديان، الدعوة موجهة من الأمم المتحدة، يفترض العنوان والجهة الداعية أن تكون هوية المدعوين دينية، أو من المهتمين بالشؤون الدينية وبالعلاقات بين الأديان، من مثقفين ومفكرين ومنظرين.. لا أحد يناقش في أهمية حوار من هذا النوع، لا سيما إذا كان الهدف صنع عبارات تقارب وتعارف تؤسس لأواصر من التواصل والتفاعل، وصولاً إلى إنتاج مركب حضاري وإنساني يتجاوز المختلف من دون أن يلغيه، على أن ينتظم على قاعدة القبول بالآخر المختلف. والحوار يأخذ أهميته أيضاً في كونه يشكل النقيض لمقولة صراع الأديان والثقافات والحضارات لهيتنغتون، والتي اعتبرت التأسيس النظري لحروب المحافظين الجدد الاستباقية وسواها، والتي نقلت خطوط المواجهة من حدودها السابقة المرسومة في مرحلة الحرب الباردة إلى حدود أكثر خطورة، حيث تقسيم العالم لا يخضع لمعايير جيوبولتيكية ومصالحية فحسب، وإنما لاعتبارات أيديولوجية، وكل ذلك تحت إلحاح البحث عن عدو بديل للعدو الأحمر، وتحت إلحاح القناعة بأن آخر المعارضة الأيديولوجية القصوى ستكون مع الشرق عموماً، ومع الإسلام تحديداً، حتى اذا ما هزمت هذه صيغت نهاية للتاريخ بحسب فوكوياما، لا يكتب فيها النصر السياسي فحسب، وإنما النصر الأيديولوجي الحاسم لليبرالية الرأسمالية بصيغتها الأميركية.
يفترض عنوان حوار الأديان في بعدٍ منه على الأقل، أن هناك مراجعة نظرية لكل هذه المقاربة لمصلحة العودة مجدداً إلى مقاربة تنطلق من الاعتراف بالآخر، وبالإقرار بأن اخضاع العلاقة معه لمنطق القوة الصرفة باء بفشل ذريع، وأن لا سبيل إلا سبيل الحوار. هذا الإقرار ما كان ليكون لولا انهزام المشروع الاميركي في تعبيره البوشي والمحافظ، وبالتالي لولا انهزام الحامل النظري لهذا المشروع. وهنا قد يكون أحد مكامن التغيير المطلوب، وهو تغيير يخدم في أحد وجوهه سياسة تحسين صورة واشنطن تحديداً، وإن كان هذا التحسين دونه تجربة اختبارية ليست بالسهلة ستنطلق عملياً مع استلام أوباما سدة الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة.
وبالعودة الآن إلى المؤتمر الحالي والى الشخصيات المدعوة، فهل هناك ما يؤكد الأبعاد الوظيفية التي يفترضها العنوان، أم أن العنوان ليس أكثر من ....... تمويه لأغراض أخرى؟
الشخصيات المدعوة خليط من رجال دين عموماً وسياسيين بل وزعماء دول. واللافت هنا ليس حضور حاخامات يهود، وإن كان مطلوباً إجراء فحص دقيق لأسماء هؤلاء لمعرفة ما اذا كانوا حاخامات دينيين فعلاً أو حاخامات صهاينة، بمعنى أنهم يشكلون الوظيفة الدينية للكيان الصهيوني أو التعبير الديني ـ الأيديولوجي لهذا الكيان! واللافت أيضاً حضور زعماء سياسيين من الكيان الإسرائيلي كرئيس هذا الكيان ووزيرة خارجيته! اضافة إلى زعماء عرب كبار لهم رمزيتهم الدينية نظراً لطبيعة النظام الذي يرأسونه، ولهم رمزيتهم السياسية أيضاً، كخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله.
إن الخلط بين السياسي والديني هنا يدعو إلى الحذر الشديد، لأن لا معنى لذلك إلا أن المراد هو تجيير الديني لخدمة السياسي، بمعنى تحويل الديني إلى مجرد وسيلة تمويه لتمرير السياسي في طياته.
هل هو تطبيع موارب؟ لا نجانب الصواب إذا قلنا نعم، وهذا ما كان على الزعماء العرب الالتفات اليه ببصيرة نافذة.
وما يزيد من خطورة هذا التقدير هو أن مؤتمرات كهذه التي سرعان ما يجري إكسابها طابع المؤسسات الدائمة والمستمرة، تشكل في مجملها جزءاً من استراتيجية شاملة تستهدف برمتها شرعنة وجود الكيان الإسرائيلي، وتطبيع علاقاته مع محيطه العربي الرسمي. وفي هذا الإطار اللائحة كبيرة، لكن يبقى أخطرها وأبرزها: مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط؟ والسعي الحثيث والصامت الذي يجري لتوسيع عمل الناتو ليشمل المنطقة، بعد ضم كل من حلفاء أميركا اليه، وفي طليعتهم الكيان الإسرائيلي. إنه أطر ناظمة للعلاقات من مدخل الثقافي بين عرب التسوية والكيان الإسرائيلي.. فلمصلحة من هذا البيع المجاني لكيان ما زال يرسل رسائل الحرب، ورفض مبادرات التسوية حتى هذه اللحظة؟! ويكفي هنا التوقف عند رسالة أولمرت الأخيرة إلى قطاع غزة، حيث أعلن بوضوح ان المواجهة مع هذا القطاع هي مسألة وقت! وكذلك التوقف عند رسالة بنيامين نتنياهو إلى السلطة الفلسطينية، التي جاءت حاسمة في تأكيدها أن أوان التسوية مع الفلسطينيين لم يحن بعد. بكلمة أخرى ما زال الكيان الإسرائيلي يضع الصراع مع الفلسطيني بين استحالتين: استحالة الحل واستحالة توقف الحرب.. فهل كيان كهذا يصلح أن يكون شريكاً في حوار ديني، فضلاً عن حوار سياسي، وبالتالي يُعمل على تقديم هدايا مجانية له؟!
لا أحد يستطيع أن يرفض حواراً جدياً وحقيقياً بين الأديان، بل هو أمر مطلوب. والمرفوض حتماً هو تحويل العنوان الديني إلى فخ سياسي، كما هو حادث حالياً.
الانتقاد/ العدد 1315 ـ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
إنه مؤتمر لحوار الأديان، الدعوة موجهة من الأمم المتحدة، يفترض العنوان والجهة الداعية أن تكون هوية المدعوين دينية، أو من المهتمين بالشؤون الدينية وبالعلاقات بين الأديان، من مثقفين ومفكرين ومنظرين.. لا أحد يناقش في أهمية حوار من هذا النوع، لا سيما إذا كان الهدف صنع عبارات تقارب وتعارف تؤسس لأواصر من التواصل والتفاعل، وصولاً إلى إنتاج مركب حضاري وإنساني يتجاوز المختلف من دون أن يلغيه، على أن ينتظم على قاعدة القبول بالآخر المختلف. والحوار يأخذ أهميته أيضاً في كونه يشكل النقيض لمقولة صراع الأديان والثقافات والحضارات لهيتنغتون، والتي اعتبرت التأسيس النظري لحروب المحافظين الجدد الاستباقية وسواها، والتي نقلت خطوط المواجهة من حدودها السابقة المرسومة في مرحلة الحرب الباردة إلى حدود أكثر خطورة، حيث تقسيم العالم لا يخضع لمعايير جيوبولتيكية ومصالحية فحسب، وإنما لاعتبارات أيديولوجية، وكل ذلك تحت إلحاح البحث عن عدو بديل للعدو الأحمر، وتحت إلحاح القناعة بأن آخر المعارضة الأيديولوجية القصوى ستكون مع الشرق عموماً، ومع الإسلام تحديداً، حتى اذا ما هزمت هذه صيغت نهاية للتاريخ بحسب فوكوياما، لا يكتب فيها النصر السياسي فحسب، وإنما النصر الأيديولوجي الحاسم لليبرالية الرأسمالية بصيغتها الأميركية.
يفترض عنوان حوار الأديان في بعدٍ منه على الأقل، أن هناك مراجعة نظرية لكل هذه المقاربة لمصلحة العودة مجدداً إلى مقاربة تنطلق من الاعتراف بالآخر، وبالإقرار بأن اخضاع العلاقة معه لمنطق القوة الصرفة باء بفشل ذريع، وأن لا سبيل إلا سبيل الحوار. هذا الإقرار ما كان ليكون لولا انهزام المشروع الاميركي في تعبيره البوشي والمحافظ، وبالتالي لولا انهزام الحامل النظري لهذا المشروع. وهنا قد يكون أحد مكامن التغيير المطلوب، وهو تغيير يخدم في أحد وجوهه سياسة تحسين صورة واشنطن تحديداً، وإن كان هذا التحسين دونه تجربة اختبارية ليست بالسهلة ستنطلق عملياً مع استلام أوباما سدة الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة.
وبالعودة الآن إلى المؤتمر الحالي والى الشخصيات المدعوة، فهل هناك ما يؤكد الأبعاد الوظيفية التي يفترضها العنوان، أم أن العنوان ليس أكثر من ....... تمويه لأغراض أخرى؟
الشخصيات المدعوة خليط من رجال دين عموماً وسياسيين بل وزعماء دول. واللافت هنا ليس حضور حاخامات يهود، وإن كان مطلوباً إجراء فحص دقيق لأسماء هؤلاء لمعرفة ما اذا كانوا حاخامات دينيين فعلاً أو حاخامات صهاينة، بمعنى أنهم يشكلون الوظيفة الدينية للكيان الصهيوني أو التعبير الديني ـ الأيديولوجي لهذا الكيان! واللافت أيضاً حضور زعماء سياسيين من الكيان الإسرائيلي كرئيس هذا الكيان ووزيرة خارجيته! اضافة إلى زعماء عرب كبار لهم رمزيتهم الدينية نظراً لطبيعة النظام الذي يرأسونه، ولهم رمزيتهم السياسية أيضاً، كخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله.
إن الخلط بين السياسي والديني هنا يدعو إلى الحذر الشديد، لأن لا معنى لذلك إلا أن المراد هو تجيير الديني لخدمة السياسي، بمعنى تحويل الديني إلى مجرد وسيلة تمويه لتمرير السياسي في طياته.
هل هو تطبيع موارب؟ لا نجانب الصواب إذا قلنا نعم، وهذا ما كان على الزعماء العرب الالتفات اليه ببصيرة نافذة.
وما يزيد من خطورة هذا التقدير هو أن مؤتمرات كهذه التي سرعان ما يجري إكسابها طابع المؤسسات الدائمة والمستمرة، تشكل في مجملها جزءاً من استراتيجية شاملة تستهدف برمتها شرعنة وجود الكيان الإسرائيلي، وتطبيع علاقاته مع محيطه العربي الرسمي. وفي هذا الإطار اللائحة كبيرة، لكن يبقى أخطرها وأبرزها: مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط؟ والسعي الحثيث والصامت الذي يجري لتوسيع عمل الناتو ليشمل المنطقة، بعد ضم كل من حلفاء أميركا اليه، وفي طليعتهم الكيان الإسرائيلي. إنه أطر ناظمة للعلاقات من مدخل الثقافي بين عرب التسوية والكيان الإسرائيلي.. فلمصلحة من هذا البيع المجاني لكيان ما زال يرسل رسائل الحرب، ورفض مبادرات التسوية حتى هذه اللحظة؟! ويكفي هنا التوقف عند رسالة أولمرت الأخيرة إلى قطاع غزة، حيث أعلن بوضوح ان المواجهة مع هذا القطاع هي مسألة وقت! وكذلك التوقف عند رسالة بنيامين نتنياهو إلى السلطة الفلسطينية، التي جاءت حاسمة في تأكيدها أن أوان التسوية مع الفلسطينيين لم يحن بعد. بكلمة أخرى ما زال الكيان الإسرائيلي يضع الصراع مع الفلسطيني بين استحالتين: استحالة الحل واستحالة توقف الحرب.. فهل كيان كهذا يصلح أن يكون شريكاً في حوار ديني، فضلاً عن حوار سياسي، وبالتالي يُعمل على تقديم هدايا مجانية له؟!
لا أحد يستطيع أن يرفض حواراً جدياً وحقيقياً بين الأديان، بل هو أمر مطلوب. والمرفوض حتماً هو تحويل العنوان الديني إلى فخ سياسي، كما هو حادث حالياً.
الانتقاد/ العدد 1315 ـ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008