ارشيف من :آراء وتحليلات

قمة سرت: العجز العربي في أعلى مراحله

قمة سرت: العجز العربي في أعلى مراحله

مصطفى الحاج علي


لم تنعقد قمة سرت العربية في ظروف عادية، وإنما في واقع صلب من التحديات الخطيرة المكدسة التي يبقى أبرزها:
ـ التهويد المتغول للقدس، والذي يهدد في طريقه المسجد الأقصى بفعل عمليات الهدم والحفر التي تتم من حوله وتحته، ولدرجة اقتضت أن تسمى القمة باسم قمة القدس.
ـ الاحتلال الاميركي للعراق، وحرب التكفير التي تمارسها فئات أقل ما يقال فيها إنها مضللة، ولا تستهدف الا انتاج الصراعات المذهبية وتعميمها في المنطقة.
ـ الأزمة الخطيرة التي يمر بها اليمن، والذي ما زال يعيش تحت وطأة حروبه الداخلية، من دون ان يتلمس مخرجاً ملائماً لها حتى اليوم.
ـ المنعطف الخطير الذي يمر به السودان، والعديد من الدول الافريقية العربية.
ـ التهديد الاسرائيلي المستمر للبنان وسوريا وحماس باستئناف الحرب المدمرة عليها.
ـ الانقسامات والاختلافات العربية ـ العربية التي ما زالت معالجتها تفتقد للصدقية والمراجعة المطلوبة.
ـ أخيراً وليس آخراً، الواقع الجيوبوليتيكي والاستراتيجي للعالم العربي اليوم في الحسابات الاقليمية والدولية، وهو واقع هامشي لا يكاد يشكل وزناً ما في هذه الحسابات.
هذا الى جانب واقع التخلف المدقع على كل الصعد، ما يجعل المجتمعات العربية ترزح تحت عبء تحديات ومشاكل متنوعة ليس أقلها الفقر، والبطالة، والنسبة الكبيرة من الجهل، والاقتصاد الى مقومات الديموقراطية ولوازم الحياة الضرورية من طبابة ومسكن.. الخ..
كل هذه التحديات لم تكن كافية للنظام الرسمي ليعقد قمة تليق بها لا سيما بالنسبة للأخطار والتحديات السياسية المباشرة والمتمثلة على تحدّ مركزي بما يحدث الآن للقضية الفلسطينية.
وقد تراوحت المواقف العربية بين خيارين لا ثالث لهما:
خيار التشبث بركوب مركب التسوية المذل بالرغم من ادراك أهله ان لا طائل وراءه، وهذا ما انعكس بالتمسك بالمبادرة العربية ورفض أي شكل من أشكال رمي القفاز في وجه الكيان الاسرائيلي، وفي استمرار الرهان المقاس على الادارة الاميركية استناداً الى الأزمة الأخيرة التي تمر بها علاقات الكيان الاسرائيلي بواشنطن، وهي أزمة يدرك أهلها أنها لن تكون إلا على حساب أصحاب هذا الخيار، وعلى حساب القدس والقضية الفلسطينية، لأنه اذا كان من خلافٍ بين الاثنين فهو خلاف في التكتيك وليس حول الاستراتيجيا.
والخيار الآخر، هو الخيار الداعي الى اعادة النظر في مجمل الواقع الرسمي التسووي وخياراته المجدبة، والتأكيد على ضرورة العودة الى خيار الممانعة والمقاومة، ولا سيما أن هذا الخيار أثبت أنه أقل كلفة من جهة، وأنه قادر على تحقيق الانجازات من جهة أخرى.
في الخلاصة يبدو النظام الرسمي العربي منشطراً على نفسه الى نظامين، لكل منهما حساباته ومصالحه وارتباطاته.الأول، هو النظام الرسمي التسووي، والثاني، هو النظام الرسمي المقاوم والممانع.
وفي الحقيقة لم يكن أحد يتوقع أن تخرج هذه القمة بنتائج يعوّل عليها، وبالتالي أن تكسر  مسار الانحدار المسف الذي يكرج فيه النظام الرسمي العربي عموماً.
النظام العربي الرسمي التسووي، وهو الغالب عدداً، وصل تطبيعه مع الكيان الاسرائيلي الى درجة بات من الصعب عكسها، فالنظامان المصري والاردني هما في حالة اتفاق هي أشبه بسلاسل تقيد ايديهما وارجلهما الى رقابهما، ويكفي النظر اليوم الى الوظيفة الوحيدة لهما في المنطقة، وهي وظيفة أمنية همها التصدي لحالات المقاومة ومحاصرتها.
ـ السلطة الفلسطينية في غزة باتت جزءاً عضوياً من النظام الرسمي العربي التسووي، والتي تمارس دوراً أمنياً قمعياً اليوم في الضفة لمنع أي انتفاضة للشعب الفلسطيني هناك، والأخطر هنا، أن هذا الدور الأمني يحدث برعاية اميركية، ويمر عبر قنوات الموساد الاسرائيلي.
ـ يشهد المغرب خطوات تطبيع متسارعة ـ والمغرب هو الذي يرأس لجنة القدس ـ تمثلت مؤخراً بعقد سلسلة من المؤتمرات والندوات تناولت موضوع الهجرات اليهودية، والمحرقة الاسرائيلية.
ـ الأمر عينه، يحدث في الخليج، وإن بصورة أكثر حذراً، كما نشهد ذلك في المصافحات المدروسة، والدعوات المتساهلة كما شهدنا في مهرجان الجنادرية في السعودية، حيث وجهت دعوات لمناصري التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، هذا الى جانب الزيارات التي تتم الى المناطق الفلسطينية باجازات اسرائيلية، وفتح القنصليات التجارية والثقافية وسواها.
من الواضح، ان النظام الرسمي العربي التسووي يسير في مسار استراتيجي باتجاه التطبيع التدريجي مع الكيان الاسرائيلي، وهو مسار يتضمن بيعاً ضمنياً للقضية الفلسطينية، واستعداداً للإمضاء على أي تسوية تزيح عبء هذه القضية عن هؤلاء.
هذا المسار يدركه نتنياهو بدقة، ولذا لا يظهر أي قلق من جهة العرب على ما يقوم به من تهديد متغول ومتسارع للقدس، ومن استيطان متوحش في الضفة وغور الأردن وحتى في الجولان المحتل، والمفارقة هنا، أن يحسب نتنياهو حساباً لواشنطن وأوروبا، أي لحلفائه، أكثر مما يحسب حسابا لأهل القضية نفسها.
من هنا، كان حقاً أن توصف قمة سرت بقمة الخزي والعجز واليأس والاحباط، اذ لا مجال لهؤلاء لأن يعودوا من غيهم الى رشدهم، وكان طبيعياً أيضاً أن تبرز دمشق كنجمة عربية وحيدة في الفضاء الرسمي العربي المكفهر، وأن يبدو أردوغان أكثر عروبة من كل الزعماء العرب.

2010-04-03