ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: معرفة النفس أولاً

نقطة حبر: معرفة النفس أولاً
كتب حسن نعيم
ما لا نعرفه كبشر أكثر بما لا يقاس مما نعرفه. معارفنا قليلة جداً اذا ما حاولنا قياسها بكم المعارف التي ينبغي لنا أن نعرفها بحكم ما أودعه الخالق العليم فينا من قابليات ومواهب غير محدودة.
لقد أثبتت البشرية في مسارها التاريخي الطويل أنها لم تركن لفتوحاتها المعرفية، بل راحت وعبر أبنائها النجباء والمفكرين والمغامرين تخوض محيطات العلم وترتاد مجاهله متسلحةً بالعقل والدأب والنشاط، واستطاعت أن تسجل في هذا المضمار إنجازات مذهلة لم تكن بحسبان أبنائها في العهود الخالية والحبل على الجرّار كما يقولون.
غير أن معرفة الانسان بنفسه ظلّت تراوح مكانها لم تتقدم إذا لم نقل تأخرت عنها في العصور الآفلة. بقي الإنسان عرضة لنزعات الشر وبقي رهيناً لشيطان نفسه كأن ما حققه على الصعيد العلمي جدار يحجبه عن حقيقة نفسه وحقيقة أهدافه من الحياة والوجود.
بات من نافل القول أن التقدم  العلمي والمعرفي الذي حققته البشرية في تجربتها الحياتية لم يحمل الاّ البعد التقني الذي حمل بدوره النزوع نحو المزيد من الراحة والرفاهية، أما ما يتعلق بالجانب الإنساني فظلّ حبيس أفكار بعض المفكرين المتنورين الذين يتهمون بالانتماء الى عالم آخر هو عالم المثل والقيم غير الواقعية.
إن نظرة واحدة الى كم الحروب والدماء التي يسببها ما يسمى بالعالم المتحضر الى أخوانه في الإنسانية في ما يسمى بالدول المتخلفة ـ التي يدعونها تلطفاً دولاً نامية ـ يجعلك تخجل من هذه الإنسانية التي تنتمي إليها وتكفر بهذا العلم وهذه المعرفة التي حققتها البشرية ولا سيما في قرونها الأخيرة, لأن ما سببته من مآس وأحزان يفوق بأضعاف مضاعفة ما لأمته من جراح، وما كفكفته من دموع.
للرئيس السيد محمد خاتمي كلمة يقول فيها: "إن أموال العالم كلها لا تكفي ديةً لطفل"، هذه المقولة سمعتها منه شخصياً في قصر الأونيسكو عندما زار لبنان.
الكلمة الآنفة لم تأت من فراغ، إنها متحدرة من بيئة ومناخ أجرى مصالحة تاريخية عقدها ذات يوم نبي الإسلام بين المعرفة بالنفس والمعرفة بالعالم.
الانتقاد/ العدد1316 ـ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008-11-18