ارشيف من :آراء وتحليلات
فاصلة: الإعلام المقاوم ينتصر... مرة أخرى

كتبت ليلى نقولا الرحباني
في زمن العولمة والحدود الاقتصادية والسياسية والثقافية المفتوحة، يحاول كل طرف صناعة الرأي العام وكسب تأييده من خلال الاعلام بشتى وسائله القديمة والحديثة، لذا تشكل صناعة الاعلام في عصرنا الحديث عاملاً رئيسياً في الصراع العالمي الراهن، وأسساً من احد ابرز وجوهه، لا بل أهمها على الاطلاق، فيتسابق المتحاربون الى كسب الرأي العام والتأثير عليه، واقناعه بصوابية خياراتهم وقراراتهم، ودعوتهم لتأييده.
ان قراءة تاريخية للتطورات على الصعيد العالمي والمحلي، تفيد أن كل عصر من العصور خضع لسيادة أنماط فكرية وأسس من الدعاية السياسية والاعلامية، تعكس التجربة والواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السائد، وان جدلية أساسية تسود بين التطورات الاجتماعية والثقافية في بلد من البلدان، وبين التطورات الاقتصادية والدعائية والاعلامية، اذ ان اي تطور في مجال من المجالات يجب ان يواكبه تطور مواز في المجالات الاخرى، والا فقد التطور معناه وقيمته، او بمستوى أدنى لم يحقق التغيير المرجو منه.
وفي نفس الاطار، استطاع الاعلام المقاوم في لبنان، ان يواكب التغييرات والتطورات في البنية اللبنانية، فلقد نجح الاعلام الحربي خلال حرب تموز في قهر العدو الاسرائيلي اعلامياً وساهم في التأثير في الرأي العام اللبناني والاسرائيلي والعربي على حد سواء. بل ان حجم مساهمته الفعلية في الحرب الدائرة رحاها على الارض في المعركة، دفع الاسرائيليين الى قصف المنشآت الاعلامية المقاومة بهدف اسكات الصوت الصارخ، الذي يصدق الناس القول، يكشف الحقائق التي حاول العدو تشويهها، يسجل الانتصارات التي لا تقل اهمية عن انتصار المقاومين في الميدان على الآلة العسكرية الاسرائيلية.
ومع انتهاء الحرب، وعودة المقاومين الى قواعدهم، واكب الاعلام اللبناني التبدلات الحاصلة، فاستمر في نمط آخر من المقاومة، ولم ينس ان يواكب التطور التقني والحضاري، بالاضافة الى مواكبة التطورات الجذرية في مفاهيم الثقافة السياسية السائدة في لبنان، فوزع الجهد الابداعي بين الانتاج والاخراج والتطور ودعم المقاومة....
ان يحصد الاعلام اللبناني جوائز عدة في مهرجانات عالمية، هو أمر مميز ومدعاة للفخر، لكن ان يحصد الاعلام المقاوم بالذات، فهو أمر يجدر التوقف عنده كظاهرة.
لقد نجح الاعلام المقاوم في مهرجان القاهرة بحصد جوائز ذهبية وفضية، وان ينافس اعتى الامبراطوريات الاعلامية، فحقق نصراً اعلامياً يضاف اليه انتصار في كسر الاسوار النفسية والاحقاد الطائفية التي زُرعت في وجه المقاومة في الاونة الاخيرة في بعض الدول العربية، ونجح في كسر الصورة النمطية التي حاول البعض اسباغها عليه، فسار في مسار التطور والحداثة وأبدع فيها بدون أن يفقد طابعه المقاوم.
انه انجاز متعدد الوجوه حققه الاعلام المقاوم في القاهرة، فالنصر الذي حققه ليس مجرد حصد جوائز فحسب، بل هو انتصار مواز للانتصار في المعارك الحربية، انه ابراز للوجه الحضاري والحداثي للمقاومة، وهو ما يحاول كثر في لبنان وخارجه نفيه عنها.
في زمن العولمة والاتصالات السريعة وصناعة الرأي العام على يد الشركات الكبرى المتعدية الحدود وعلى يد العدو الأميركي ـ الصهيوني، يترابط العمل المقاوم بالمقاومة الإعلامية أكثر من أي وقتٍ مضى. اليوم، أصبح المقاتل إعلامياً، والإعلامي مقاوماً، بقدر ما تمددت رقعة الميدان وساحة المعركة من الأرض إلى الفضائيات إلى الفضاء الافتراضي على الإنترنت.
والمثال السابق عن دور كاميرا الفيديو في المجموعة المقاتلة لا يجوز أن يؤخذ بحرفيته. فالعدو يهاجمنا على عدة صعد، وليس فقط عسكرياً، ولذلك يجب أن نقاوم على عدة صعد، وليس فقط عسكرياً.
... المعركة بيننا وبين العدو تدور على كسب العقول والقلوب، كما تدور على كسب الأرض والنفط والأسواق. وهذا يعني أننا نستطيع جميعاً أن نشترك بالمقاومة والجهاد حتى عندما يكون التطوع بالعراق وفلسطين غير متاحين.
الانتقاد/ العدد1316 ـ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008