ارشيف من :آراء وتحليلات

الحراك النووي الأميركي: البواعث والأهداف والأخطار

الحراك النووي الأميركي: البواعث والأهداف والأخطار
مصطفى الحاج علي
يمكن اعتبار شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل شهرين نوويين بامتياز، حيث شهدت باريس مؤتمرها الخاص للطاقة النووية لأهداف سلمية، كما وقعت كل من الولايات المتحدة وروسيا معاهدة ستارت 2 للحد من الأسلحة الاستراتيجية بما فيها تخفيض عدد الرؤوس النووية بحدود الثلث من مخزون كل منهما، لتعلن على الأثر واشنطن سياستها النووية الجديدة التي شخصت من خلالها كوريا الشمالية وايران كهدفين مستثنين من سياسة عدم المبادأة او الرد بسلاح نووي عليهما، وصولاً الى عقد واشنطن أيضاً قمة نووية عالمية شملت 47 دولة، وهي القمة الأولى بعد 65 عاماً التي يترأس فيها رئيس اميركي عدداً من الدول بهذا الحجم، وأخيراً، وربما ليس آخراً هناك المؤتمر الذي سينعقد في طهران في السابع عشر والثامن عشر من هذا الشهر تحت عنوان الدعوة لنزع الأسلحة النووية.
هذا الحراك النووي الدولي، وان كان لبعضه مسارات خاصة، وسياقات خاصة أيضاً، يتصل بعضها بترتيب العلاقات الدولية، إلا أنها مجتمعة لها تقاطعاتها الكبيرة التي تشمل ما بات يعتبر تهديداً عالمياً تشكله على نحو رئيس ما تسميه الولايات المتحدة بالمنظمات الارهابية، وتريد بها تحديداً تنظيم القاعدة وما يشاكله في نظرها.
يمكن ادراج السياسة النووية الأوبامية تحت لائحة واسعة من الدوافع والأهداف، أبرزها:
أولاً: لقد سبق لأوباما أن قدم وعوداً انتخابية بأنه سيعمل لتخفيض مستوى التهديد النووي، ومن أجل عالم خالٍ من هكذا تهديدات، وبالتالي، فإن ما يقوم به أوباما هو بمثابة تحقيق لوعد انتخابي، وإثبات لمصداقية ما، لا سيما بعد انجازه الأول داخلياً، والمتمثل بإقرار القانون الجديد للرعاية الصحية.
وأهمية هذه الأمور تكمن في أنها تأتي في عام انتخابي بامتياز، حيث ستجري انتخابات الكونغرس في تشرين المقبل.
ثانياً: يحتاج أوباما أيضاً الى اثبات يقدمه للناخب الاميركي لجهة الحفاظ على قدرة الولايات على التأثير في محيطها العالمي.
ثالثاً: الاستفادة من المسألة النووية لعقد صفقات ما خصوصاً مع سوريا، تدفعها الى الانسياق أكثر مع المتطلبات الاميركية خصوصاً في ما يتعلق بمواجهة الملف النووي الايراني.
رابعاً: ابقاء الملف النووي الايراني حاضراً على الطاولة لتكثيف الضغوط على ايران.
خامساً: ايجاد وضعية ردع نووي ازاء ايران وكوريا الشمالية. في الحالة الايرانية لردع ايران من الذهاب بعيداً في مشروعها النووي، الأمر الذي يستلزم نوعاً من الإقرار الضمني بالواقع النووي الايراني؟ والعمل بالتالي على محاصرته بقيود وتحديات وأخطار كبيرة.
وفي الحالة الكورية فهي تعني جملة أبعاد أبرزها: منع كوريا الشمالية من استخدام أو بيع سلاح نووي، كما أن ابقاء السيف النووي فوق كوريا الشمالية المقصود منه الضغط على الصين بطريقة غير مباشرة، كما المقصود منه طمأنة اليابان بأنها ستبقى مشمولة بالحماية النووية الاميركية.
سادساً: احداث تحويل في وجهة التهديد النووي، فبعد أن كانت السياسات النووية مكرسة في سياق الحرب الباردة في وجه الاتحاد السوفياتي السابق، وفي وجه الصين، فهي اليوم تصطنع أعداء وهميين من دول (ايران وكوريا الشمالية نموذجاً) وتنظيمات (القاعدة مثلاً) كتهديد نووي محتمل لتبرير السياسات النووية، والاحتفاظ بحق استخدام هذا السلاح، ومن الواضح، أن التركيز اليوم يتمثل في تصنيع خطر نووي اسلامي انسجاماً مع التوجه الاميركي الخاص بالبحث عن عدو جديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فكان هذا العدو هو الاسلام الذي سبق وأعلن بوش عليه حرباً صليبية جديدة، وطبيعي أن يخضع العالم الاسلامي للتهديد النووي ـ الاميركي انطلاقاً بما يمثله من وزن كبير في حسابات المصالح الاميركية على الصعيد النفطي والجيوبوليتيكي معاً، وانسجاماً مع متطلبات توفير الحماية الأمنية القصوى للكيان الاسرائيلي الذي نجحت دول المواجهة والممانعة وحركات المقاومة في العالمين العربي والاسلامي في اعادة محاصرته بأسئلة الوجود الأولي، وتضعه في مسار انحداري تاريخي له وللمشروع الاستعماري الاميركي ـ الصهيوني الجديد للمنطقة.
سابعاً: العمل على وضع خريطة أمنية خلال أربع سنوات لأماكن انتشار المواد النووية في العالم بغية وضعها تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة من قبل الغرب عموماً، والولايات المتحدة تحديداً.
ثامناً: العمل تحت ذريعة ضرورة منع وصول أو تسرب المعلومات والتقنيات والمواد الضرورية لصنع سلاح نووي الى ايدي الدول او المنظمات المناوئة لاميركا، لوضع آليات تسمح لواشنطن مباشرة، أو من خلال وكالة الطاقة الدولية، بوضع كل الدول التي تملك مقومات الدولة النووية أو بعض امكاناتها، تحت المراقبة والضبط والمتابعة والتحكم بها أمنياً وبوسائل مختلفة.
تاسعاً: لا يمكن اغفال الدوافع الاقتصادية التي تقف اليوم وراء هذا الاهتمام الكبير بضبط الملف الأمني دولياً، حيث هناك سوق استراتيجية مقدرة بـ 750 مفاعلا نوويا في العقدين المقبلين، كلفة الواحد منها حوالى الـ خمسة مليارات دولار، وهذه السوق لا يمكن اطلاقها بدون توفير وتأمين عمليات استخدام اليورانيوم المخصب في المفاعلات، اضافة الى حصر واحتكار الانتاج في ايدي دول محدودة.
كل ما تقدم يؤكد، ان فورة الاهتمامات النووية التي شهدناها مؤخراً تتجاوز بكثير الدوافع الظرفية والآنية للولايات المتحدة، الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، لتلامس التحديات الكبيرة التي تواجهها اليوم، ولترسم إطاراً نووياً جديداً، لواقع دولي واقليمي جديد أيضاً، وهو واقع ما زال يصر على ابقاء الكيان الاسرائيلي خارج حساباته المطلقة حتى اشعارٍ آخر، وان كان المسار الاستراتيجي النووي الجديد سيفضي الى احد احتمالين: اما ضبط الانفلاش النووي على نحو صارم من خلال بلورة تفاهمات واتفاقيات جديدة تشمل الكيان الاسرائيلي هذه المرة، وإما تطلق تنافساً نووياً خارج القدرة على الضبط، وفي كلتا الحالتين، فإن السلم العالمي هو بيت القصيد، ومصيره سيبقى في الكيفية التي ستتصرف بها الطغمة المالية والعسكرية والاقتصادية للمشروع الغربي ـ الاميركي الصهيوني تحديداً.
2010-04-13