ارشيف من :أخبار عالمية
قيرغيزستان: توالي سقوط الثورات الملونة ...وآخرها "ثورة الزنبق" الموالية لاميركا

صوفيا ـ "الانتقاد.نت"
هب الشعب في قيرغيزستان في انتفاضة ضد جشع الحكام ونهب الثروات الوطنية وضد الفساد وانتهاك حقوق الانسان.
في هذا البلد الصغير، والذي مازال غير معروف من العالم، كان حتى الأمس القريب جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق، وكان يسمى قيرغيزيا أما اليوم فقيرغيزستان... شرارة الاحتجاجات تحولت إلى صدامات دامية بين السلطة وجماهير المعارضة.وسائل الاعلام الدولية سارعت إلى نقل ما يحدث هناك وبثت صوراً ومعلومات تشير الى بداية حرب أهلية حقيقية. وتوالت الاحداث في هذا البلد وكانت على الشكل الأتي:
ـ السابع من نيسان/ابريل تحولت التظاهرات الاحتجاجية للمعارضة الى أعمال شغب ونهب عامة ، ما دفع رئيس رئيس جمهورية "ثورة الزنبق" قرمانبيك باقييف إلى مغادرة العاصمة بيشكيك. المعارضة شكلت حكومة مؤقتة، واعلنت السلطة الجديدة حل البرلمان، وتولي مهام رئيس البلاد ومهام ومجلس الوزراء معا، لكن باقييف ظل يعتبر نفسه رأس الدولة وإن اعلن استعداده لإجراء محادثات مع الحكومة الجديدة المؤقتة برئاسة زعيمة المعارضة روزا اوتونباييفا. واجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وونظيره الاميركي باراك اوباما محادثات مع اوتونباييفا، معترفين واقعيا بشرعية حكومتها.
التاسع من نيسان/ابريل، اعادت الحكومة النظام الى البلاد، واعلنت المعارضة اصرارها على محاكمة من اسمتهم المسؤولين عن اراقة الدماء، ودعت اوتونباييفا على باقييف ان يغادر البلاد بسلام، لكن الأخير أصر على البقاء في جلال اباد حيث بدأ تجميع انصاره.
تواصلت ردود فعل موسكو وقالت السكرتيرة الصحفية للرئيس الروسي ناتاليا تيماكوفا في تصريح لها "إن الرئيس يعتبر أنه في مثل هذا الوضع لا يسمح بوقوع ضحايا، معرباً عن أمله بأن يعود الوضع إلى طبيعته وأكد أن ما يجري هو شأن داخلي لقيرغيزستان، كما اعرب عن قلقه إزاء اتخاذ الاحتجاجات طابع الغضب الشديد ضد السلطة القائمة والادارة"، وفي الوقت نفسه أكد أن قيرغيزيا شريك استراتيجي لبلاده، وأنه سيتابع باهتمام خاص تطور الوضع.
بعد تشكيل "الحكومة الموقتة أعلنت اوتونباييفا أن فريقها عازم في غضون نصف عام إجراء تعديلات دستورية تتحول بموجبها قيرغيزستان الى جمهورية برلمانية.
فشل الثورات الملونة!
إن العودة إلى الماضي والتحليل المتأني للاحداث التي سبقت الصدامات المأساوية الاخيرة في بيشكيك والدول المجاورة، يمكن تسجيل فشل جديد للثورات الملونة: "البرتقالية" في اوكرانيا، و"الوردية " في جورجيا، وكلتا الثورتين تحولتا الى ما يشبه الكارثة. عام 2005، حصلت "ثورة الزنبق" في قيرغيزستان، في سيناريو مشابه استولت على السلطة باسم الاصلاحات الديمقراطية، التي كان يفترض ان تخرج البلاد من الجمود السياسي الاقتصادي. وكانت احداث ذلك العام تمثل انتفاضة عشائر الجنوب ضد عشائر الشمال التي كان يرتبط بها أكاييف ـ الرئيس الاسبق عسكر اكاييفيتش أكايف وهو آخر رئيس سوفياتي لقيرغزستان، وشغل منصب الرئاسة منذ العام 1990 حتى قيام "ثورة الزنبق" ضده ـ حالياً تبدو الصورة كانعكاسٍ في مرآة، حيث الشمال يتجه ضد الجنوب الذي ينتمي إليه باقييف. ولكن هذا التصوير البسيط للأمور ـ بالرغم من كل مزاياه ـ لا يعبر تماما عن الواقع، فباقييف اصبح رئيسا بوصفه عضوا في الكتلة القوية المعادية لأكايف، وهي التي جاءت به الى السلطة. وبدون ان يكون قائد المعارضة المعترف به من الجميع، شغل منصب رئاسة الجمهورية، بوصفه الممثل الاكثر نفوذا للجهة المنتصرة إذ كان يشغل منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة في عهد أكايف) وبوصفه "رجل الجنوب"، وكان يلح أن يزاح عن مركز الرئاسة "رجل الشمال" الذي لم يبارح المنصب الأعلى في الدولة منذ اكثر من عشر سنوات.
الكتلة الداعمة لباقييف انهارت خلال فترة وجيزة نتيجة طموحاته الشخصية لفرض سيطرة أحادية على الوضع في البلاد، وبات واضحاً منذ الاشهر الأولى انتصار "ثورة الزنبق" ان الازدهار السهل ليس في الحقيقة سوى امتياز لمجموعة من السياسيين والانتهازيين الذين استطاعوا الوصول الى المواقع الرئيسية لادارة اقتصاد البلاد وشرعوا في الاستحواز على الثروة الوطنية. هذا السلوك اثار دعاة الديمقرطية خلف المحيط الطامحين بدورهم للحصول على مواقع استراتيجية في الاقليم. وقد لاحظ عدد من المراقبين ان الأحداث في قيرغيزستان تذكر مرة أخرى بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية ترتبط بشدة بموضوعة حقوق الانسان، مما يساعد على استثارة انفجارات اجتماعية في مختلف انحاء الكوكب. فالمعلق السياسي في "الغارديان" البريطانية جوزف هاف ـ هينون قد توصل الى استنتاج رأى فيه "إن شعب القرغيزي الذي يقع على مفترق الطرق لمجهودات الولايات المتحدة لاجل "دمقرطة" افغانستان المجاروة، ينتفض ويسقط الحكومة التي كانت تراهن بشدة على المساعدات الاميركية والعقود الاقتصادية الخارجية والتي تحولت بجوهرها الى حكومة معادية للديمقراطية. وفي الوقت نفسه يبقى لغز عدم المبالاة الذي ابدته واشنطن حيال التوتر المتنامي في قيرغيزستان محيراً نظرا الى دور قيرغيزستان كعقدة مواصلات في تزويد الجيوش الاميركية في افغانستان حيث تدور حرب دامية يبدو أنها لن تنتهي في وقت قريب.
روسيا هبة الله والتاريخ.
لقد أصاب الرئيس الأسبق عسكر أكاييف في وصفه العلاقة بين موسكو وبيشكك ورفع شعاراً خلال الفترة التي كان فيها الروس وكذلك شعوب المنطقة بعد السوفياتية، يعانون صعوبات استثنائية لتكوين مجتمع جديد ومفاده "ان روسيا هي عطية لنا من الله والتاريخ".
ويؤكد أكايف إنه في "الواقع لا يوجد بديل لقيرغيزستان، فهذا هو الطريق الوحيد للتطور والنجاح ، وما جرى هو احتجاج من قبل الشعب على التقارب مع اميركا..." ، ويعرب عن اعتقاده بأن انتفاضة نيسان/ابريل لا يعود الفضل فيها لقادة المعارضة، إذ أن باقييف لم يقم فقط بخنق وسائل الاعلام العامة، إنما قام بنجاح بتنظيف المدى السياسي.
أما لماذا تداعى صبر الشعب في قرغيزستان، فالسبب واضح، فطوال هذه السنوات كان باقييف ومجموعته منشغلين بتدعيم نفوذهم وخصخصة وتقاسم الملكية في الجمهورية، حيث وصل الاقتصاد الى الكارثة... وكل ذلك كان يمكن أن يحدث في سنة 2009، ولكن روسيا انقذت الوضع حينذاك، وقدمت مساعدة سخية ابلغت نصف مليار دولار اضافة الى قرض بلا فائدة بقيمة 300 مليون دولار وشطب دين بقيمة 200 مليون دولار".
وخلال العام الماضي شهدت قرغيزستان انتخابات رئاسية، وحسب تقدير العديد من المراقبين في مختلف المؤسسات الدولية، إن المساعدة الروسية هي التي ساعدت باقييف على الفوز، وحسب رأي أكايف فإن قسما من المبالغ المذكورة اعلاه قام باقييف باستخدامها مباشرة في حملته الانتخابية، وقسم صغير نسبيا جرى حقنه في شرايين اقتصاد البلاد!.
ويشير اكاييف إلى أن الذين كانوا يديرون الاقتصاد هم مجموعة من السفلة الدوليين امثال يفغينيي غوريفيتش المطلوب للقضاء الايطالي ومثل هؤلاء أوصلوا الشعب الى البؤس، ولم يعد بمقدوره احتمال زيادة الضرائب والرسوم التي تضاعفت نحو ثلاث أو أربع مرات، وهو ما دفع الشعب للانتفاضة بعدما أصبح معظم قادة المعارضة ثيد الاعتقال.
وبرغم هذا الوضع داخلياً إلا أن وسائل الاعلام الاجنبية وخلال متابعتها للاحداث الاخيرة تحدثت عن ترجيح فرضية تنظيم الانقلاب في قيرغيزستان بدعم من روسيا وقد قالت "الغارديان" البريطانية، إن لروسيا مصلحة في استعادة نفوذها في هذه البلاد، وليس في أن تزاحم مصالح الصين او الولايات المتحدة الاميركية السيطرة على الاحتياطات وممرات الترانزيت للطاقة الستراتيجية".وقد يشارك عدد غير قليل من ممثلي المعارضة في نمط هذا التفكير ، لكن ما يوحدهم في نهاية المطاف، يدفعهم كي يتطلعوا من جديد نحو روسيا.
مسار تطور العلاقات والعمليات السياسية في قيرغيزستان قد تكشف عنه الانتخابات المقبلة والتي يتوقع يتم خلالها التغلب على الانقسام العشائري في البلاد وتضح البلاد على سكة السير نحو معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعية المتردي منذ سنوات.