ارشيف من : 2005-2008
ستّ مسائل جديدة في تقريره الثالث: برامرتز يقضي على رواية الجاد الله

سيرج برامرتز، بحلّة جديدة على صعيد التحقيق والغاية منه، ألا وهي كشف القتلة الحقيقيين.
واللافت للنظر، بحسب أوساط متابعة لسير التحقيقات على خطّيها اللبناني والدولي، أنّ تقرير برامرتز قضى نهائياً على الرواية الشهيرة التي ساقتها جريدة "السياسة" الكويتية ورئيس تحريرها احمد الجاد الله، بعد وقت قليل من وقوع الجريمة، وقبل بدء التحقيقات الفعلية، والتي تناسقت وتناسبت وتناسلت في مراحل أخرى، مع ما قدّمه كلّ من نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، والشاهدين السوريين "الأميرال" محمد زهير الصدّيق، و"المخبر" هسام هسام، ورئيس اللجنة السابق الألماني ديتليف ميليس في تقاريرهم، من أنّ المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد عقد سلسلة اجتماعات مع الرئيس السوري بشار الأسد والقياديين الأمنيين والعسكريين آصف شوكت وبهجت سليمان اتفقوا خلالها على القيام بالإجراءات اللازمة للتخلّص من الحريري، ثمّ عقد اللواء السيّد والضباط الثلاثة الآخرون اللواء علي الحاج، والعميدان ريمون عازار، ومصطفى حمدان، سلسلة لقاءات في إحدى الشقق في شارع معوّض في محلّة الشيّاح في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، ونقلهم "السائق الأمين" الصدّيق إلى مسرح الجريمة لمعاينتها قبل الشروع في التنفيذ.
وترى هذه الأوساط في حديث مع "الانتقاد"، أنّ هذا التقرير وضع اللبنة الرئيسية لمعرفة قتلة الرئيس الحريري "فعلاً لا بالسياسة، ولا بالغرائز"، وذلك للمرّة الأولى منذ وقوع الجريمة ظهر يوم الإثنين في 14 شباط/ فبراير 2005، ويصفه بـ"الأمل الجدّي لكشف القتلة بعيداً عن الحسابات الضيّقة لهذا أو ذاك".
أما أبرز المسائل الجديدة التي حملها التقرير الثالث فهي برأي الأوساط نفسها، على الشكل التالي:
أولاً: لقد حسم التقرير موضوع كيفية حصول التفجير من فوق الأرض بواسطة عملية انتحارية بخلاف ما شاع في السابق، وما حاول بعض الأشخاص والنواب الترويج له من أنّ التفجير وقع من تحت الأرض، حتّى أنّ عضو "كتلة المستقبل" النائب محمّد قباني، امتشق خرائط لنفق كانت إدارة فندق "السان جورج" تنوي إقامته بين المبنيين التابعين لها، والمتقابلين حيث وقعت الجريمة، وقال إنه استخدم في التفجير، فجاء برامرتز ووضع حداً لهذا الجدل حول هذه النقطة المثيرة للاهتمام.
ثانياً: لم يتوقّف القاضي البلجيكي، عند احتمال واحد وجّه فيه تهمة القيام بالجريمة إلى طرف معيّن، مثلما فعل سلفه الألماني ميليس بمساعدة من رئيس فريق المحققين لديه الألماني غيرهارد ليمان صاحب التاريخ الأمني السيئ، بل وسّع برامرتز من هذه الاحتمالات متبّعاً أسلوبين، الأول عمودي، رصد فيه محاولات سابقة لقتل الرئيس الحريري في بداية شهر شباط/ فبراير من العام 2005، قد تساعده لكشف خيوط الجريمة، والثاني أفقي، ومآله التحقيق في الجرائم الأخرى التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال مروان حمادة في تشرين الأول/ اكتوبر 2004، مروراً باغتيال الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، وانتهاءً باغتيال النائب جبران تويني، عشية تقديم ميليس تقريره الثاني للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، على الرغم من أنّ هذه الجرائم هي أقل أهمية من جريمة اغتيال الحريري، وقد رصد برامرتز ملايين المكالمات الهاتفية لعدد كبير من الأشخاص داخلياً وخارجياً، والأمل يحدوه بالعثور على خيوط ما لأيّ جريمة من تلك الجرائم لعلّها تعطيه إشارات معيّنة ترشده إلى قتلة الحريري، وتكون مرتبطة بها على غير صعيد.
ثالثاً: تحدّث برامرتز وبصراحة، عن الدوافع المتعدّدة الكامنة وراء إمكانية حدوث جريمة الاغتيال، فأشار إلى أسباب اقتصادية وسياسية، ووجود علاقات شخصية وعلاقات مع دول أخرى في الشرق الأوسط، قد تكون لها علاقة ما، وبمعنى آخر فإنّ برامرتز خرج بخلاصة مفادها أنّ هناك أكثر من جهة قد تكون شاركت بطريقة ما، في الجريمة بعدما اتفقت مصالحها على ضرورة الإجهاز على الرئيس الحريري.
رابعاً: قرّر برامرتز إجراء إعادة تقويم شاملة لمصداقية شهود لجنة التحقيق في عهد رئيسها السابق ميليس ومواطنه ليمان أو "الشرطي ريتشارد بوتشر"، وهذا التطوّر الإيجابي لمصلحة التحقيق، ينسف كلّ ما أتى به ميليس من تقارير سابقة، كما أنّه يدحض مصداقية هؤلاء الشهود، ولا سيّما من سمّي يوماً بـ"الشاهد المقنّع" الصدّيق، والذي اضطرّ المحقّق روبير خلال مواجهته باللواء السيّد، على سبيل المثال، أن يسحبه إلى غرفة الكواليس والإرشادات، بسبب ضعف حجّته واهتزازه في إعطاء موعد واحد ودقيق للاجتماعات التي زعم حصولها بين السيّد والقيادة السورية، وبين السيّد والضبّاط الثلاثة الآخرين في شقة معوّض.
خامساً: طلب برامرتز في تقريره إعادة النظر في مذكّرة التفاهم الموقّعة بين الدولة اللبنانية ممثّلة بوزارة العدل في عهد وزيرها القاضي خالد قباني، ولجنة التحقيق في عهد ميليس بتاريخ 13 حزيران/ يونيو 2005، وخصوصاً لجهة تحديد الامتيازات والحصانات التي تتمتّع بها اللجنة رئيساً وأعضاءً وفريق عمل. ولا بدّ من الإشارة الى أنّ هذه المذكّرة كانت موضع طلب نقض وإبطال من وكيل اللواء السيّد المحامي أكرم عازوري أمام مجلس شورى الدولة لأنّها تصب في مصلحة اللجنة، وتحجم دور القضاء اللبناني الذي يفترض التمسّك به والحفاظ على هيبته، والغريب أنّ الطرف الموقّع هو وزارة العدل الجهة المسؤولة والمعنية بشؤون القضاء والقضاة!.
سادساً: أكّد التقرير للمرّة الأولى، وهو ما كان ميليس يتهرّب منه، بأنّ القضاء اللبناني هو صاحب الحقّ الأوّل والأخير والحصري في البتّ في طلبات تخلية سبيل أيّ موقوف في جريمة الاغتيال، وخصوصاً الضبّاط الأربعة الذين دخلوا عامهم الثاني في السجن، من دون مواجهتهم بأيّ من الشاهدين الفارين من وجه العدالة الصدّيق وهسام، وبأيّ أدلة تبرز تورّطهم في هذه الجريمة التي أحدثت انقلاباً في تاريخ لبنان.
وإزاء هذا الاعتراف الدولي من لجنة موثوق بها، فإنّه بات على المحقّق العدلي القاضي الياس عيد أنْ يتحرّك ليستكمل التحقيق مع الضبّاط الأربعة بناءً لما ينصّ عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية، والنظر في طلبات تخلية سبيلهم إيجاباً، في ظلّ عدم توافر البراهين الدامغة للتشبّث بهذا التوقيف الاحتياطي والاعتباطي.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الأول 2006