ارشيف من : 2005-2008

لماذا لا يعيد جنبلاط أجراس الكنائس الى المسيحيين؟! مؤتمر المهجرين فضح السرقات والمصالحات المزيفة

لماذا لا يعيد جنبلاط أجراس الكنائس الى المسيحيين؟! مؤتمر المهجرين فضح السرقات والمصالحات المزيفة

بعبدا، حقق أهدافاً عدة دفعة واحدة كان أبرزها إعادة تسليط الضوء على الهدر والسرقات الطائلة في هذا الملف الذي تولاه الحزب التقدمي الاشتراكي منذ أربعة عشر عاماً عبر وزارة المهجرين، وأكد ضرورة إجراء محاكمة قضائية تفضي إلى اعادة الأموال المنهوبة بمئات ملايين الدولارات. كما فضح هذا المؤتمر المصالحات المزيفة التي رافقت الملف مع تسجيل نسبة عودة لا تتجاوز سبعة عشر في المئة مقابل دفع مبلغ مليار وستمئة مليون دولار ذهب معظمها إلى جيوب "المُهجِّر" وأزلامه. وهو ـ أي المؤتمر ـ أحرج فريق 14 شباط ودفعه إلى محاولة الالتفاف عليه عبر حركة استعراضية لمحاولة إبداء الاهتمام في آخر لحظة بعد تلكؤ ومماطلة استمرت سنوات، والسعي لصرف مبلغ يقارب خمسمئة مليون دولار من قبل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من دون أن يجري الكشف عن كيفية تأمينها، مع تخوف مشروع من إمكانية التلاعب بالمساعدات الآتية لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الصهيوني في الضاحية والجنوب والبقاع.‏

الأوساط المتابعة تلخص الأهداف التي استطاع مؤتمر التيار الوطني الحر تحقيقها بالنقاط التالية:‏

أولاً: تمكن هذا المؤتمر من وضع الإصبع على الجرح من خلال الكشف بالوثائق عن الهدر والسرقة في ملف عودة المهجرين الذي كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري قدر كلفته في العام أربعة وتسعين بأربعمئة وخمسين مليون دولار.. وما جرى هو أنه دُفع حتى الآن مبلغ مليار وستمئة مليون دولار ولم يعد من المهجرين إلى قراهم سوى سبعة عشر في المئة. وأبرز المؤتمر من خلال الوثائق وشهادات المهجرين السرقة المكشوفة التي كانت تحصل، ومن الشهادات تلك التي قدمها مواطن من بلدة المطلة التي هدمت بيوتها جميعاً أثناء حملة التهجير، ولدى معالجة ملفها جرى تسجيل مئتين وأربعين طلب إخلاء دُفعت لأتباع الحزب التقدمي الاشتراكي، وهذا نموذج يشير إلى سرقة بمليارات الليرات في بلدة واحدة، وهو ما تكرر في باقي القرى. والأهم على هذا الصعيد بحسب الأوساط المتابعة أن المؤتمر الذي عقده التيار الوطني الحر طلب من النيابة العامة اعتبار جميع الوثائق والشهادات التي قدمت خلاله بمثابة إخبار ليتحرك القضاء ضد السارقين، كما طالب النائب العماد عون الحكومة بإنشاء محكمة خاصة في هذا الملف، وهو ما سيكون محل متابعة في المرحلة المقبلة، وبذلك يكون التيار الوطني الحر قد حقق هدفاً كبيراً في مرمى فريق 14 شباط وخصوصاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يبدو في وضع حرج على هذا الصعيد، اضافة إلى ملفات أخرى تعهد عون بمتابعتها تطال أطرافاً سياسية أخرى في السلطة، أبرزها ربما تيار "المستقبل".‏

ثانياً: أجبر هذا المؤتمر فريق 14 شباط على المسارعة إلى الاهتمام بملف المهجرين بعد إهمال ومماطلة طويلة، فعُقد اجتماع في السراي الكبير برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بحضور نواب من فريق 14 شباط وجرى الاتفاق على دفع مبلغ يقارب نصف مليار دولار لإتمام ملف العودة من دون أن يكون هناك إفصاح عن كيفية تأمين المبلغ مع العجز الكبير في الخزينة، ومع تخوف من سحبه من المساعدات الآتية لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الصهيوني، حيث كانت برزت دعوات من أقطاب 14 شباط لاقتطاع مبالغ من هذه المساعدات وصرفها على عودة المهجرين. كذلك برز تخوف من صرف المبلغ المرصود على الأزلام والمحاسيب تكراراً للتجارب الفضائحية السابقة، حيث كان يدفع ثلثا التعويضات "للمهجِّر" وثلث "للمهجَّر".‏

ثالثاً: سلط العماد ميشال عون في خطابه أمام المؤتمر الضوء على المصالحات الفوقية والمسرحية التي جرت في ملف المهجرين، مطالباً بتحقيق عودة سياسية للمهجرين الى مناطقهم وإجراء مصالحات حقيقية "يعتذر فيها من ارتكب المجازر الى أهالي الضحايا الذين قتلهم بعد اغتيال والده الذي اعتذر اليه على التسوية التي أجراها مع من يتهمهم بقتله". وفي هذا السياق ترى الأوساط المتابعة أن العماد عون وضع الإصبع على الجرح عندما لفت الى تهديد النائب وليد جنبلاط "بحرب أهلية إذا فاز عون بالانتخابات النيابية في جبل لبنان الجنوبي"، وهو كان بمثابة توعد بحصول تهجير جديد اذا فكر المسيحيون بعودة سياسية الى مناطقهم، وهو بذلك يريد حسب الأوساط المتابعة إبقاء الوضع على ما هو عليه منذ العام اثنين وتسعين حتى الآن ليصادر التمثيل المسيحي في الجبل من خلال إصعاد "ركاب" مسيحيين الى "بوسطته" النيابية لا يمثلون شيئاً في الوسط المسيحي، وقد لا يتمكنون استنادا الى تمثيلهم الحقيقي من الفوز بانتخابات مجالس اختيارية في قراهم. كذلك لفت في خطاب العماد عون دعوته النائب وليد جنبلاط الى إعادة أجراس الكنائس للمسيحيين، لأن هذه الأجراس "الغنائم" الموجودة في أقبية قصر المختارة ليست مدافع وأعتدة عسكرية كي يبقيها بيده! ويطرح المراقبون تساؤلات من مثل: لماذا لا يعيد جنبلاط هذه الأجراس؟ والإجابة لدى النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الذي يقول إن جنبلاط قال عندما سُئل عن الموضوع، بأن هذه الأجراس "غنائم حرب وسيورثها الى أبنائه".‏

رابعاً: ترى مصادر متابعة أن خطاب العماد عون اذا كان موجهاً بالدرجة الأولى الى النائب جنبلاط، فإنه موجه بالدرجة الثانية الى رأس الكنيسة المارونية البطرك نصر الله بطرس صفير الذي صعد الى الجبل في العام ألفين وأعلن إتمام المصالحة مع النائب وليد جنبلاط في وقت لم تتحقق الى حينه عودة سبعة عشر في المئة من المهجرين، فضلاً عن عدم تحقيق العودة السياسية بأي شكل من الأشكال، وهو مأخذ على الكنيسة المارونية والقوى السياسية المسيحية التي تدور في فلكها والمتحالفة حالياً مع جنبلاط، من دون أن يؤمن هذا الحلف استعادة الحد الأدنى من حقوق المسيحيين في جبل لبنان الجنوبي.‏

يدرك جنبلاط أن ما ذهب اليه العماد عون في مؤتمر "عودة الحق" هو ضربة معلم أصابته مع حلفائه في الصميم، ويدرك العماد عون أيضاً أن عودة المهجرين تحتاج الى نفس طويل، لأنها حرب أخرى بأدوات سلمية!‏

من يقرأ التوصيات النهائية للمؤتمر سيفهم حكماً أن الأمر ليس عابراً، إنه بداية معركة، لأن عودة المهجرين بالنسبة الى التيار "هي التزام وواجب جعلناه في أعناقنا بفعل روح المسؤولية وبحكم الوكالة التي مُنحناها من 80% وأكثر من ناخبي الجبل المهجرين"، حسب ما جاء في هذه التوصيات.‏

ما يريده التيار "هو عودة حرّة حقيقية بالحق والكرامة، وليس عودة الى سجن أو إمارة أو إقطاعية".‏

هلال السلمان‏

الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الأول 2006‏

2006-10-06