ارشيف من : 2005-2008
رحلة الترميم والبناء انطلقت بهبات من دول عديدة: المدارس تفتح أبوابها لأمل جديد

هل
سيبدأ هذا العام في الموعد المحدد له، أم أن تأخيراً قد يطرأ على هذا الموعد بفعل الورش الضخمة التي تشهدها هذه المدارس في مختلف المحافظات اللبنانية، بدءاً من الجنوب إلى البقاع إلى الشمال مروراً بالضاحية الجنوبية، وبعد أن كانت الآلة العسكرية الإسرائيلية قد حوّلت عددا منها إلى ركام، فيما مدارس أخرى تضررت بشكل كبير، يجري حالياً ترميمها وإصلاحها بأسرع وقت ممكن ليكون الموعد الذي حددته وزارة التربية، هو موعد انطلاق العام الدراسي بلا تأخير.
وفي إطلالة على الواقع التربوي في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي، يتبين أن خسائر هذا القطاع فاقت المتوقع، حيث قدرت خسائره بمئات الملايين من الدولارات، لكون الاضرار طالت بناه التحتية من المبنى الى النواحي التقنية والفنية وأجهزته المختبرية، كل ذلك خسائر قابلة للتعويض ولو أخذت بعض الوقت، لكن الأثر النفسي الذي تركه العدوان في نفوس الطلاب وذويهم، كيف يعالج ومن غداً يجيب التلامذة عن معلمين أو رفاق لهم عادوا إلى هذه المدارس صورا معلقة على لوحات الحائط.
هنا جولة قادت "الانتقاد" إلى المناطق لاستطلاع واقع العام الدراسي وتبيان حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي:
الضاحية الجنوبية
تشهد الضاحية الجنوبية قبيل انطلاق عامها الدراسي ورشة كبيرة لإعادة ترميم مدارسها ومعاهدها التي دمرت كلياً أو جزئياً، حيث بلغ عدد المدارس والمعاهد التي دمرت تدميراً كلياً ستة، موزعة على الشكل التالي: مدرسة "المستقبل"، معهد "الرسول الأعظم للتمريض"، "المهنية اللبنانية للتدريب"، "المهنية العصرية"، "العلوم الإنسانية"، و"ITS".
أما المؤسسات التربوية المتضررة بشكل كبير فعددها سبعة، وهي كالآتي: مهنية "الحسين بن علي" و"اللبنانية للتدريب". والمدارس: "ثانوية الإمام الحسن"، LYCEE DE LA FINESSE" "، حارة حريك الثانية، اميكال مودرن، أشبال الساحل، وأما تلك المتضررة بشكل جزئي فعددها 12 موزعة مناصفة بين مدرسة ومعهد.
وتتولى الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر مكتبها في لبنان ـ استحدث لهذه الغاية ـ أعمال الترميم وإعمار المؤسسات التربوية (الخاصة) بالتعاون مع مؤسسة جهاد البناء التي تولت عملية مسح الأضرار. وقد أنجز القسم الأكبر من عملية الترميم. أما فيما خص تلك المدمرة كلياً فجرى تأمين بدائل لها من خلال استئجار أبنية أخرى مجاورة، إلى حين يتم إعادة إعمارها. فيما تتولى مؤسسة الوليد بن طلال ترميم المدارس الرسمية المتضررة.
وكان مكتب الجمهورية الإسلامية قد عدل عن فكرة استدراج عروض لأعمال الترميم بعدما تبين له أن الأمر قد يتطلب وقتاً إضافيا، لا سيما أن العام الدراسي على الابواب، فجرى الاستعاضة عنها بإعطاء صاحب كل مدرسة أو مهنية التعويضات المطلوبة لإعادة المبنى إلى حالته الأولى مع كل ما يشتمل من تجهيزات تقنية وفنية ومختبرية.
ويقول أسامة ناصر الدين (التعبئة التربوية ـ بيروت ) لـ"الانتقاد" إن "ورش ترميم المدارس والمعاهد في الضاحية الجنوبية مستمرة على قدم وساق، وان الأمور أصبحت في خواتيمها بالنسبة لكثير من المدارس المتضررة، إلا أنه يلفت إلى أن بعض المدارس الخاصة منها والرسمية قد تتأخر عن الموعد المحدد لها نظرا إلى وجود أعمال حفريات وورش بالقرب منها، وهذا ما يؤثر بطبيعة الحال على المناخ التعليمي العام لدى الطلاب، إضافة إلى الذين اضطروا لترك مدارسهم لأسباب تتعلق بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ونزحوا باتجاه المدرسة الرسمية، التي هي بالأساس تشهد مع بداية كل عام دراسي اختناقاً كبيراً".
ويلفت ناصر الدين إلى مشكلة اعترضتهم في "منتصف الطريق"، وتخص بعض المدارس الرسمية ذات المنهاج الفرنسي (في بئر العبد وحارة حريك) والتي من الصعوبة ضم طلابها إلى مدارس الغبيري الرسمية، فهي بغالبيتها إنكليزية، وحتى الساعة لم تبادر وزارة التربية للبحث عن حلول لها. ويستغرب ناصر الدين كيف أن المعنيين في وزارة التربية لم يبادروا بعد إلى اتخاذ إجراءات عملانية لجهة استيعاب المزيد من الطلاب، فقط الايعاز لمدراء المدارس باستيعاب مزيد من الطلاب النازحين إليها من المدارس الخاصة، مع العلم أن الضاحية تحتاج حسب الإحصاءات الأخيرة إلى تسع مدارس (4 ثانويات و5 مدارس).
يبلغ عدد تلاميذ الضاحية نحو 89 ألف طالب موزعين بين 70 ألفا في المدارس الخاصة و19 ألفا في المدارس الرسمية، فيما يصل عدد المدارس الخاصة إلى ما يزيد عن 150 مدرسة، و"الرسمية" 38.
الجنوب
من المؤكد أن حجم الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التربوية على امتداد الجنوب هو كبير جدا إذا ما قورن بالمحافظات الأخرى التي تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقد زاد من حجم معاناة هذا القطاع تباطؤ الحكومة في مد اليد العون، وخصوصاً أن عدد المدارس التي دمرت كلياً أو جزئياً في أقضية: بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا، النبطية وصور، بلغ 176 مدرسة وثانوية، بينها 11 مدرسة دمرت تدميرا كاملاً، وهي كآلاتي: "مبرة النبي إبراهيم" (الخيام)، مدرسة "عيسى بن مريم (الخيام)، مدرسة "الليسه دو لا فنيس (الخيام)، ثانوية الخيام الرسمية، مدرسة كونين الابتدائية (بنت جبيل)، مدرسة الإشراق (بنت جبيل)، ابتدائية باريش الرسمية (صور)، مدرسة الإمام علي (ع) القسم الداخلي (صور)، مدرسة المقاصد (قانا)، مدرسة التربية الحديثة (ميس الجبل)، مدرسة الإمداد لذوي الاحتياجات الخاصة (حاروف). أما البقية والبالغ عددها 105 مدارس فتراوحت الأضرار فيها من 25 إلى 80%.
والمعلوم أن أعمال الترميم وإعمار المدارس في الجنوب تتولاها دولة الإمارات عبر شركات محلية، في الوقت الذي تقوم فيه دولة قطر بإعمار وترميم المدارس المتضررة في كل من بنت جبيل، عيتا الشعب، الخيام، وعيناتا. واللافت أن الفريق الإماراتي الذي استقدم إلى لبنان كادره الفني والإداري للاشراف على تنفيذ مشروع الاعمار اصطدم على ما يقول المتابعون بمعوقات روتينية وإدارية كان من المفترض على الدولة اللبنانية تسهيلها بأسرع وقت ممكن، وقد وضعت هذه التأخيرات في سياق سياسة تحريض الناس على المقاومة وقيادتها، وأن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله تولى التنسيق مع الفريق الاماراتي الذي عمل على تحريك الملف مع مختلف الجهات المعنية بهدف الإسراع في إنجاز الملف.
وقدرت تكاليف الترميم وإعادة الإعمار لـ105 مدارس (في مناطق صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا) بـ330 مليون دولار، وهو رقم وضعته مؤسسة جهاد البناء من خلال مسح ميداني كانت قد أجرته قبل أن يشرع الفريق الإماراتي في عملية الترميم.
وهناك عدد من المهنيات المتضررة (في جباع، وكفرصير، وصير، والنبطية) لا تزال تنتظر قدوم الفريق الالماني الذي وصل إلى مطار بيروت مطلع هذا الأسبوع للبدء بأعمال الصيانة، في وقت لم تبادر وزارة التربية للمساهمة في أعمال الصيانة بالرغم من تكلفتها الضئيلة.
ويتوقع المطلعون على سير الأعمال أن يبدأ العام الدراسي في الجنوب بكثير من التعقيدات والعثرات نظراً لحجم الأضرار الذي لحق بالمدارس هناك، فضلا عن التعاطي الرسمي غير المشجع مع مثل هكذا استحقاق، وخصوصا أن هناك الكثير من المدارس المدمرة لم تجد لها بدائل حتى الساعة.
البقاع
في منطقة البقاع وصل عدد المدارس التي ألحق العدوان الصهيوني فيها أضرارا مباشرة، وبالأخص في مدينة بعلبك حسب إحصاءات "جهاد البناء" إلى عشرين مدرسة، بينها واحدة دمرت كليا، وهي معهد السيد عباس التقني في بعلبك، أما بقية مدارس فأضرارها جزئية من مثل: "الإمام المهدي (عج)"، السيدة زينب(ع)، "الأدباء"، "المطران"، "الراهبات"، "الزهراء"، "الغدير"، "قصر العلوم"، "التكميلية الأولى" و"الثانية" و"الثالثة"، "بعلبك الجديدة"، "ابتدائية البنات"، "متوسطة البنات"، "تل الأبيض" الرسمية، "صبوبا" الرسمية.
ويقول مصدر متابع في "جهاد البناء" ان حجم الخسائر التي لحقت بهذه المدارس ليس كبيرا، باستثناء معهد السيد عباس التقني، إذ تبلغ كلفة ترميمه نحو 450 ألف دولار، في حين أن أعمال الترميم الأخرى لم تتجاوز كلفتها الخمسين ألف دولار. والجدير ذكره هنا أن الجمهورية الإسلامية هي من تولت أعمال الترميم في المدارس الخاصة بعدما استحصلت على مسح كامل من جهاد البناء بحجم الأضرار التي تعرضت لها هذه المدارس، فيما تولت جمعية أميركية ترميم المدارس الرسمية بعد اخذ موافقة الحكومة اللبنانية.
التعبئة التربوية
ويقول مسؤول التعبئة التربوية المركزية في حزب الله يوسف مرعي لـ"الانتقاد" ان "التعبئة" تعاونت مع عدد من المدارس الإسلامية على تأجيل موعد افتتاح العام الدراسي الذي كان مقرراً في الخامس عشر من الشهر الماضي نظراً لدقة المرحلة التي تمر بها المدارس، ان لجهة أعمال الصيانة والترميم أو لجهة التحضيرات المطلوبة لبدء العام الدراسي، خصوصاً انه تناهى إلى مسامعنا بأن وزير التربية خالد قباني ومن يدور في فلك قوى 14 شباط من المؤسسات التربوية قد أبدوا رغبة بأن يبدأ العام الدراسي في موعده السابق، إلا أن الضغوطات التي مورست من قبلنا حتمت على الوزير إعلان موعد آخر لبدء العام الدراسي، وهو 9 تشرين للمدارس الخاصة، و16 تشرين للمدارس الرسمية، ويؤكد مرعي أن وزارة التربية كانت ستقع في خطأ فادح لو اعتبرت أن ما حصل من عدوان همجي على مؤسساتنا التربوية لا يستدعي تأخيرا، وأن هذا من شأنه أن يظهرنا بشكل فاضح أن البلد منقسم على نفسه حتى في الجانب التربوي، وهذا ما يفتح الباب على سؤال واضح وصريح أين هو التضامن والتكافل بين اللبنانيين؟
ويستغرب مرعي كيف أن "وزارة التربية نفضت يدها من مسألة تقديم الكتاب المدرسي لطلاب المدارس الرسمية فيما تولت دولة الإمارات حمل المسؤولية، كذلك الحال بالنسبة للأقساط المدرسية المجانية حيث تخلت بدورها وزارة التربية عن مسؤوليتها لإحدى الدول الخليجية! مع العلم أن العادة جرت أن تقوم الحكومة كما في كل عام (أصبح لها سبع سنوات) وتبادر إلى دفع الأقساط".
ويسجل مرعي في هذا الإطار ملاحظة لافته، وهي "كيف أن الدول التي قررت المساعدة في ترميم المدارس المتضررة تولت بنفسها تقديم الهبات والمساعدات المالية الى الجهات المتضررة دون إمرارها بالقنوات الرسمية، لانه لو حصل ذلك، كان سيقودنا إلى فتح الباب على السمسرات والسرقات والمحسوبيات، والتجارب خير دليل على ذلك".
حسين عواد
الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الاول 2006