ارشيف من : 2005-2008
العام الدراسي بين الوزير والمدارس والأهل والتلاميذ: انطلاقة تربوية واثقة من بين أنقاض المدارس المدمرة

يتضرر؟ ومَن مِن الطلاب لم تتحول عطلته الصيفية إلى تجربة صعبة؟
وإذا كان هناك بعض المعلمين والطلاب لم يتأثروا بالعدوان لأن الصواريخ التي ألقتها طائرات العدو أصابت مدرسة أخرى، فإن أحداً لا يمكنه أن يدعي أن العام الدراسي الجديد هو حكر على من كان صيفه آمناً.
هنا جولة بين الوزارة التي تسابق الزمن للوصول الى تاريخ التاسع من تشرين الاول/ أكتوبر وقد انطلق العام الدراسي على خير ما يرام، والتلاميذ العائدين الى المدارس وفي جعبتهم حكايا الصيف وأوجاعه، والأهل الذين يقفون على أبواب المدارس وفي جعبتهم حكاية واحدة اسمها الأقساط والكتب..
انها حكاية لا تنتهي، اسمها موسم العودة الى المدارس..
"عجَبَك!!.."، تهمس مديرة إحدى المدارس الخاصة لصحافي في مكتب وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني، ".. الوزير مصر على تأخير افتتاح العام الدراسي حتى التاسع من شهر تشرين الأول".
ـ الصحافي: "وما الضير في ذلك، أسبوعا تأخير لن يقدما أو يؤخرا!".
ـ المديرة بصوت أعلى: "أسبوعان!! نحن بمنطقة الـ... اعتدنا بدء العام الدراسي أوائل أيلول.. بعدين بكرا بتلحقنا عطل الأعياد وبيكون العام الدراسي طار...".
لسبب أو لآخر تتناسى هذه المديرة المفترض أنها مربية قديرة أن أشرس عدوان في تاريخ لبنان وقع صيف العام 2006، وبالتالي فإن الحرص الزائد على ألا يطير العام الدراسي 2007 سبقه طيران حقيقي للعطلة الصيفية المخصصة لراحة التلامذة تمهيداً لبدء عام دراسي جديد.. طيران ترافق مع تحليق على علو مرتفع جداً لاستعداد الطلاب وأولياء أمورهم نفسياً ومالياً لاستقبال موسم دراسي سبقه بأسابيع بدء أعمال إزالة ركام منازلهم ومصادر رزقهم.
وربما وعلى قاعدة "يا رب نفسي" أغفلت صاحبة المؤسسة التعليمية أن قسماً كبيراً من القطاع التعليمي في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع والجنوب أصيب بأضرار جسيمة جراء تدمير عدد من المدارس كلياً أو جزئياً، والأخطر استشهاد وإصابة عدد ليس بقليل من أفراد الهيئات التعليمية في تلك المناطق بفعل وحشية العدوان.. زملاء لهذه المديرة ربما لا يستأهلون في نظرها تضامناً بتأخير افتتاح العام الدراسي أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير!
يلفتك فور دخولك إلى مكتب وزير التربية الدكتور خالد قباني المؤقت في مبنى قصر الأونيسكو وجود كتاب من العيار "السميك" على طاولة مكتبه يحمل بالإنكليزية عنوان "التخطيط التربوي أثناء الحالات الطارئة وإعادة الإعمار"، ويشعرك استقبال الوزير لك في وقت مستقطع من سلسلة اجتماعات بدأت في مكتبه فور انتهاء الأعمال الحربية في الرابع عشر من شهر آب/ أغسطس، بأن وزير التربية يجري امتحاناً عملياً في مضمون هذا الكتاب السميك، لكن المشكلة في أن أكثر من طرف سيشارك في وضع العلامة النهائية لأداء الوزير: أصحاب المؤسسات التعليمية، الأساتذة، أولياء الأمور، الطلاب وغيرهم.
تسأله: "لماذا اخترتم التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر موعداً لبدء الدراسة"؟
فيجيب: "أخذنا بعين الاعتبار مصلحة الجميع، لم نبقِ الموعد على ما كان عليه في السنوات السابقة (23 أيلول)، فنكون قد ظلمنا الطلاب المتضررين من الحرب وأصحاب المدارس المتضررة، سواء بفعل القصف أو بفعل استقبال النازحين، ولم نؤخر الموعد لما بعد منتصف تشرين الأول فنكون قد ظلمنا العام الدراسي ومنهاج الدراسة الذي يعني عدم تدريسه بالكامل تدنياً لمستوى التعليم في لبنان، وهذا ما نحرص على عدم حصوله. بمعنى آخر وازنّا بين مصلحة الطلاب وأصحاب المدارس وبين جودة التعليم، فلجأنا إلى أوسط الأمور وهو خيرها، لذلك جعلنا من يوم الاثنين في التاسع من تشرين الأول/ أغسطس يوماً للتضامن بين جميع المدارس في لبنان من خلال تنظيم احتفال أمام قصر الأونيسكو للصلاة على أرواح الأساتذة والطلاب الذين قضوا في العدوان، وأيضاً من خلال وقوف جميع طلاب لبنان في باحات مدارسهم دقيقة صمت في وقت واحد لتأكيد أن الجسم التعليمي في لبنان متضامن بعضه مع بعض".
ـ ولكن كيف ستلزمون المدارس في لبنان بهذا القرار؟
يجيب: "المدارس الرسمية في جميع المناطق اللبنانية ملتزمة بقرار التضامن، وبالتالي هي لن تفتح أبوابها أمام الطلاب قبل التاسع من تشرين الأول. أما المدارس الخاصة فهي متروكة لضميرها الوطني، نحن كوزارة لا نحبذ اللجوء إلى الفوقية في التعاطي مع المؤسسات التعليمية. تاريخ التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر هو يوم للتضامن، ولتختر كل مدرسة التاريخ الذي يناسبها لبدء التدريس، سواء قبل هذا التاريخ أو بعده، نحن لن نحاسب أحداً.. ولكن الرأي العام في لبنان وقبله ربّ العالمين هما من سيحاسبان المدرسة التي تخالف الحس الوطني الجامع المتمثل في التضامن مع سائر القطاع التعليمي في هذا اليوم".
التلاميذ: حرارة الصيف ونار امتحانات الدورة الثانية قد يحرقان العام الدراسي
لا تتوقف ركبتا أحمد توبة طالب الثانوية العامة عن الاهتزاز أثناء جلوسه على طاولة المراجعة لامتحانات الدورة الثانية في فرع الاقتصاد والاجتماع. فنصف العلامة التي حرمته النجاح في الدورة الأولى جعلت فرائصه ترتعد لمجرد التفكير بأن رفاقه سيكونون على مقاعد الجامعة في الوقت الذي يجلس هو أمام دروس الدورة الثانية التي لم يسمح له العدوان الإسرائيلي بالتجهز لخوض غمارها.
في الثاني والعشرين من أيلول كتب "توبة" الى وزير التربية رسالة جاء فيها:
"بلغنا قراركم الحكيم يا معالي الوزير تأجيل امتحانات الدورة الثانية لشهادة البكالوريا حتى اليوم الأخير من شهر تشرين الأول، أي بعد نحو ثلاثة أسابيع على بدء التدريس في المدارس ونحو أسبوعين على بدء الجامعة، ولكن معاليكم يعلم بأننا نحن معشر الطلاب في لبنان قد خسرنا أقارب لنا استشهدوا بفعل العدوان، ومعظمنا كان متطوعاً في عمليات إغاثة النازحين ومن ثم العائدين، وها نحن نصوم شهر رمضان المبارك الذي وإن زيد على جوعه وعطشه القلق مما ينتظرنا من أسئلة في امتحانات الدورة الثانية، يجعلنا بحق غير مستعدين لاستقبال العام الدراسي الجديد برحابة صدر، وكلنا أمل في أن تصدروا قراراً بتخفيض معدل الدورة الأولى علامة على الأكثر رأفة بمن هم بمثل حالتي، ولتجر امتحانات الدورة الثانية للباقين حتى لا تضيع الفرصة عليهم".
ربيع الموسوي صديق توبة الذي وفّق في النجاح من الدورة الأولى، يقرأ مضمون هذه الرسالة قبل إرسالها، فيبادر صديقه بالقول: "أصلاً كلنا بالهوا سوا، أنت مهموم بامتحانات الدورة الثانية وأنا مغموم بامتحانات الدخول إلى الجامعة. ومعلومك أن المحروم من فيتامين الواسطة في الجامعة اللبنانية لا خيار أمامه سوى التفوق في امتحانات الدخول، فهلا أخبرتني كيف سأتفوق وأحجز مقعدي في كلية إدارة الأعمال وقد كنا معا أثناء الصيف! وإياك أن تقول لي إن هناك جامعات خاصة، فالجلطة التي لم تصل إلى دماغ أبي أثناء الحرب لا أريدها أن تصله بعد الحرب على يدي عندما أخبره بقيمة القسط السنوي في أصغر جامعة خاصة.. همنا كبير يا صاحبي، أدرس وبيسّرها المولى"..
أولياء الأمور: ضربتان على الرأس تؤلمان
يصفق أبو عادل يونس يداً بيد، فضربُ الأخماس بالأسداس هذا العام لم يجدِ نفعاً.. فعادل نجح في "البروفيه" الصيف الفائت ويتوقع من والده العثور على ثانوية محترمة لبدء مرحلة جديدة من مراحل المسير باتجاه المستقبل، وأخته رجاء التلميذة في الصف السابع ترجو البقاء مع زميلاتها في مدرستها الخاصة صاحبة القسط المرقوم.. أما المسكينة أمل ابنة الأعوام الثلاثة، فلن يكون لها أمل هذا العام باللهو واللعب مع أترابها في الحضانة الأولى (pre – school) تمهيداً لدخولها المدرسة العام ما بعد المقبل والبدء بتعلم أبجدية أصبحت تقاس هذه الأيام بالعملة الصعبة.
فمحل الألبسة الذي كانت تعتاش منه العائلة حوله العدوان إلى مكب للخرق المحترقة والممزقة، وتعويضات الحكومة رهن بالكيديات السياسية التي لا تنتهي، والمال الأبيض المتروك لليوم الأسود دخل مرحلة الخطر من اللون الأحمر بعدما نهش منه الاستغلاليون أثناء الحرب ما نهشوه ثمناً "لسترة" النازحين الذين اضطروا في بعض المناطق لشراء المساعدات الغذائية، وإلا فليموتوا من الجوع!!
"وبعد كل هذا يأتي العام الدراسي"، يحدث أبو عادل نفسه، "لنفرض يا جماعة أن التزاحم على حجز مقعد في المدرسة الرسمية والاستفادة من الهبات الخارجية الممنوحة للتعليم الرسمي هذا العام كان هو الحل، فماذا عن تأمين الملحقات الدراسية من نقل وقرطاسية وملابس ولائحة يطول شرحها، وهي ملحقات تفوق كلفتها في كثير من الأحيان كلفة الرسوم المدرسية وكتب المنهاج الرسمي".
ثم يضرب أبو عادل يده على فخذه جازما: "رح أعمل يللي بدّن ياه الأولاد.. والمسلّم الله".
الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الأول 2006