ارشيف من : 2005-2008

اقتراح تخصيب اليورانيوم بالتعاون مع فرنسا خطوة إيرانية نحو الفصل بين المخاوف الأوروبية والتخويف الأميركي

اقتراح تخصيب اليورانيوم بالتعاون مع فرنسا  خطوة إيرانية نحو الفصل بين المخاوف الأوروبية والتخويف الأميركي

الإيراني, أطلقت طهران مبادرة جديدة تفتح الباب أمام تطورات ايجابية في نوع من الشراكة مع أطراف أوروربية، مع تأكيد قوة الارتباط مع روسيا والصين.‏

ففي خطوة "غير متوقعة" كما عبّر الناطق باسم الخارجية الفرنسية, اقترحت إيران على لسان مساعد وكالة الطاقة الايرانية للشؤون الدولية محمد سعيدي ان تقوم فرنسا بإنشاء "كنسورسيوم" لإنتاج اليورانيوم المخصب في إيران في تعاون من شأنه ان يزيل الشكوك والمخاوف التي تطرحها مجموعة (5 + 1).‏

والاقتراح الايراني الجديد يمثل حلا اعتبره خافيير سولانا ممثل الاتحاد الأوروبي والمفاوض الحالي في الملف النووي الايرني "مثيرا للاهتمام" ويحتاج الى متابعة للدخول في تفاصيله وجزئياته.‏

والجدير بالذكر أن الخلاف الأساسي قائم بسبب المطالبة الأميركية بوقف فوري لتخصيب اليورانيوم كشرط مسبق لاستمرار المباحثات تحت طائلة التهديد بفرض عقوبات على ايران عبر المنظمة الدولية ومجلس الأمن، وتقف بريطانيا بوضوح وألمانيا بتردد مع أميركا في لهجة التهديد هذه، فيما وجهة النظر الايرانية تقوم على الالتزام بمعاهدة الـ"أن بي تي" وقوانين الانضمام لمنظمة الطاقة الدولية وترفض الشروط المسبقة، وتحيل أي غموض أو نقاط عالقة الى المفاوضات والدبلوماسية، وتساندها في موقفها أكثر دول العالم التي عبرت عن دعمها للحق الإيراني المشروع في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية (دول عدم الانحياز والمؤتمر الاسلامي ومجموعة الثمانية الاقتصادية الإسلامية)، وكذلك الدعم الروسي المتجدد الذي كان آخره زيارة أمين مجلس الأمن القومي الروسي إيغور إيفانوف إلى طهران وتأكيده الطريق الدبلوماسي لحل أي إشكالات تتعلق بالمسألة النووية "للشريك الإيراني".. وعاد إيفانوف ليؤكد التزام روسيا بتعهداتها بإنجاز ما تبقى من مفاعل بوشهر النووي في الموعد المحدد، أي بعد 6 أشهر، ومن دون الالتفات للضغوط الأميركية في هذا المجال.‏

الحركة النشطة لأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني ولقاءاته الاوروبية تلازمت مع رفض إيراني قاطع لفرض شرط وقف التخصيب الذي قال عنه الرئيس أحمدي نجاد إنه ضغط سياسي لحفظ ماء الوجه الاميركي، وأنه وصل الى حد ان بعض الأطراف الأوروبية طلبت خلال المفاوضات من ايران ان توقف التخصيب ولو يوما واحدا وأن تتذرع بمشاكل تقنية لهذا! وسخر أحمدي نجاد من هذا المنطق قائلا: ليس لدينا مشاكل تقنية وكل أعمالنا النووية شفافة وتخضع للمعايير الدولية.. ونحن لن نوقف التخصيب.‏

ويرى البعض ان الاقتراح الإيراني هو خطوة إلى الأمام باتجاه فصل المسارات بين السعي الاميركي للتهويل والتهديد والنظرة الأوروبية الأكثر واقعية، التي تنظر للمصالح المشتركة مع إيران والمنطقة الإسلامية، وتخشى من الانجرار وراء مغامرات غير محسوبة النتائج اقتصاديا وسياسيا وحضاريا.‏

ولعل موقف الرئيس الفرنسي الأخير برفضه مبدأ إرجاع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الامن والرغبة في متابعة الطرق الدبلوماسية لحل الإشكالات العالقة، يمثل هذه الواقعية التي طالما تبنتها روسيا والصين.‏

وبالرجوع للاقتراح الإيراني بالقيام بالتخصيب المشترك مع فرنسا على الأراضي الإيرانية، فإن فرنسا مؤهلة عمليا وعلميا للقيام بهذا الدور عبر شركتيها "يورو ديف" و"اروا". والشركة الاولى تملك معملا للتخصيب في فرنسا، وكانت قد تعاونت مع الشركات الإيرانية سابقا. وتؤمن فرنسا أكثر من 75% من تيارها الكهربائي من خلال الطاقة النووية، وهي بذلك في طليعة الدول المستخدمة لهذه الطاقة في دورة إنتاجها العلمي والاقتصادي.‏

الاقتراح الايراني المفاجئ الذي لم تعلق عليه الإدارة الأميركية حتى كتابة هذه الكلمات, لا بد من انه سيمر بمراحل صعبة قبل أن يرى النور فيما لو جرى التوافق عليه, فالسوق النووية شديدة التعقيد ولن تسمح الشركات الكبرى المحتكرة لتخصيب اليورانيوم بقيام شراكة إيرانية ـ فرنسية بهذه السهولة.‏

الروس مثلا وبرغم امتلاكهم التقنيات العالية والعلاقات الواسعة في هذا المجال، ما زالوا يعانون من الاحتكار الأمريكي والغربي، وسيقوم وفد من منظمة الطاقة الروسية بزيارة رفيعة المستوى الى الولايات المتحدة هذا الاسبوع تهدف الى السماح للروس بالعمل بحرية في السوق الأميركية والعالمية، حيث يواجهون قيودا صارمة تمنع حضورهم النووي، وهم يأملون كما صرح نيقولاي سباسكي أمين مجلس الطاقة الروسي ان يغطوا 25% من حاجة السوق النووية العالمية عبر التوافق مع الاميركيين.‏

وعلى كل الاحوال يبدو المفاوض الايراني مرتاحا هذه الأيام إلى نتائج مباحثاته المكوكية وخاصة الأوروبية، وترى طهران أنها في الطريق الصحيح نحو ممارسة حقها الطبيعي في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية. وبرغم أن الطريق مليء بالألغام، الا ان الايراني قد امتهن فن تفكيكها والالتفاف الماهر عليها، وهو باقتراحه الفرنسي الآن قد فصل بين ما يسمى المخاوف الأوروبية والتخويف الأميركي الذي ـ على الظاهر ـ لن يزول على المدى القريب.‏

الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الاول 2006‏

2006-10-06