ارشيف من : 2005-2008
بين بقاء القوات الأميركية و"التدخل الخارجي" في العراق.. زوبعة جلال الطالباني

اطراف عديدة، بعضها عراقي، وبعضها عربي، وبعضها الاخر اقليمي.
الرئيس الطالباني دعا في تصريحاته الى وجود عسكري اميركي دائم في العراق، وحدده بقاعدتين جويتين اميركيتين، وعشرة الاف جندي لمنع ما وصفه بالتدخلات الاجنبية في العراق، في اشارة الى كل من سوريا وتركيا وايران، وكذلك فإنه اطلق تهديدات واضحة وصريحة لدمشق وانقرة وطهران قائلاً "اننا نطلب منهم وقف التدخل في شؤوننا الداخلية واحترام سيادة واستقلال العراق، وإلا فإننا سنضطر الى أن نقول شيئا"، وان "الشعب العراقي سيرد بنفس الطريقة.. سندعم المعارضة في دول اخرى.. وسنحاول اثارة متاعب لهم مثلما يفعلون معنا".
واذا كان الشق الاول من التصريحات قد ولد ردود فعل قوية لدى جهات سياسية ودينية وفي بعض فئات الشارع العراقي، فإن الشق الثاني من التصريحات أفرز ردود فعل تفاوتت في حدتها وطريقة التعبير عنها في العواصم الثلاث وربما في عواصم اخرى.
وفي كلتا الحالتين وجد الرئيس الطالباني نفسه في موقف محرج وصعب حاول معالجته واحتواءه عبر تصريحات لاحقة ادلى بها لوسائل اعلام عراقية.
وقد تكون اكثر ردود الافعال وضوحا وصراحة تلك التي انطلقت من التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، وهيئة علماء المسلمين بزعامة حارث الضاري، فالتيار الصدري اعتبر تصريحات الطالباني بأنها لا تعبر عن رأي الشعب العراقي في واحدة من اكثر القضايا حساسية وخطورة، وان قرار بقاء اية قوات اجنبية على الاراضي العراقية ليس بيد رئيس الجمهورية، وانما يعود الى مجلس النواب (البرلمان)، اذ قال النائب عن الكتلة الصدرية في البرلمان بهاء الاعرجي "نحن في البرلمان نمثل ارادة الشعب التي تعارض وجود قوات الاحتلال، سواء على المستوى البعيد ام القريب، وهذه التصريحات لا تلزم الحكومة لا من بعيد ولا من قريب لانها مخالفة للدستور".
أما هيئة علماء المسلمين فقد اصدرت بيانا استنكرت فيه تصريحات الطالباني ورأت في طلبه "تجاهلا للمشاعر الغاضبة للشعب العراقي بسبب الوجود الأميركي الذي عمل في أبنائهم قتلاً واعتقالاً وتعذيباً، وألحق الخراب والدمار بمدنهم وممتلكاتهم. وإن من يرى ـ بحسب بيان الهيئة ـ في نفسه رئيساً لدولة لا ينبغي به أن يتجاوز ذلك ليصرح بما يريده هو بمعزل عن إرادة الشعب".
ويبدو أن النقطة التي اثارت حفيظة هيئة علماء المسلمين في تصريحات الرئيس العراقي هي قوله "ان العرب السنة يؤيدون وجوداً عسكرياً أميركياً طويل الأمد في العراق، وإنهم في بعض الأماكن يرغبون في بقاء الأميركيين لانهم يعتقدون حالياً بأن الخطر الرئيسي يأتي من إيران على وجه التحديد".
أضف الى ذلك فإن متخصصين في النظم الدستورية ذهبوا الى انه وفقا للدستور العراقي الدائم وتحديدا ما يتعلق منه بصلاحيات واختصاصات رئيس الجمهورية، لا يحق للرئيس جلال الطالباني ان يطلب ما طلبه. لان هناك البرلمان وهناك رئيس الحكومة الذي يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة تفوق بكثير صلاحيات رئيس الدولة.
وحتى لا نذهب بعيدا جدا فإن التحليل الاقرب الى الواقع هو ان الطالباني أراد ان يوجه رسائل سياسية الى اكثر من طرف، بعضها فيه نوع من المجاملة اذا افترضنا ان واحدة منها موجهة الى واشنطن، واخرى تنطوي على تهديد واضح الى اطراف مجاورة، ناهيك عن انه معروف عن الرئيس جلال الطالباني انه يأخذ بنظر الاعتبار المكان الموجود فيه حينما يطلق اية تصريحات او يتبنى موقفا ما، وطبيعي انه لو كان في طهران او انقرة او دمشق او باريس او بكين وليس في واشنطن لما اطلق مثل تلك التصريحات الاستفزازية، التي وصفها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان بأنها "قبيحة"، معربا عن امله بأن يكون ما قاله الطالباني زلة لسان سيصححها لاحقا، في حين اكد وزير العدل التركي جميل تشيتشيك بأنه لم يتفاجأ بتصريحات الطالباني فهو حسب قوله "عودنا على مثل هذه التصريحات من وقت لآخر".
واللافت أن تصريحات الرئيس العراقي الذي يتزعم احد الفصيلين الكرديين الرئيسيين وهو الاتحاد الوطني الكردستاني تزامنت مع قضيتين، الاولى ورود تقارير في وسائل اعلام مختلفة من بينها صحف اسرائيلية عن وجود عسكري واستخباراتي اسرائيلي في شمال العراق، والثانية حصول تجاذبات وسجالات حادة نوعا ما بين مسؤولين كبار في الحكومة المركزية ببغداد، ومسؤولين كبار في حكومة اقليم كردستان حول صلاحيات واختصاصات حكومة الاقليم، خصوصا ما يتعلق منها باستثمار الموارد الطبيعية في الاقليم.
مراقبون سياسيون يستبعدون وجود علاقة او اوجه ترابط مباشرة بين تصريحات الرئيس الطالباني والقضيتين الانفتي الذكر، لكن البعض يرى انهما قد يساهمان مع التصريحات الاستفزازية في خلق مناخ سلبي ضد الاكراد، وربما يدفع ذلك بعض حلفائهم الى توجيه انتقادات علنية لهم بعد ان التزموا الصمت حتى الآن.
وما يزيد من فرص وإمكانيات خلق مثل ذلك المناخ السلبي هو مشروع الدستور الدائم لاقليم كردستان الذي اعلن عنه الاسبوع الماضي، والذي يشير في الفقرة الأولى من مادته الثانية الى ان اقليم كردستان يتكون من "محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلعفر وتلكيف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقة وأسكي كلك من محافظة نينوى وقضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى وقضاء بدرة وناحية جصان من محافظة واسط بحدودها الإدارية قبل عام 1968".
وهذا يعني سعي الاكراد الى ضم مناطق واسعة معروف عنها هويتها العربية او تداخل العناصر العربية والتركمانية والاشورية والكردية فيها الى اقليم كردستان، مثل قضاء بدرة وجصان التابع لمحافظة واسط ـ الكوت، وأقضية شيخان وتلعفر وسنجار التابعة لمحافظة الموصل ـ نينوى، وقضاء مندلي التابع لمحافظة بعقوبة ـ ديالى، وبالطبع فإن ذلك لا يثير استياء وتوجس وخوف اطراف عراقية فحسب، بل اطراف خارجية لا سيما تركيا وايران وغيرهما.
وفيما بعد فإن اوساطا سياسية اعتبرت ما جاء في رسالة بعث بها سكرتير الحزب الاشتراكي الكردستاني محمد الحاج محمود، المشارك في البرلمان والحكومة في اقليم كردستان، الى الرئيس الاميركي جورج بوش بأنه شيء خطير ويعكس في جانب منه حقيقة المخططات الكردية، برغم ان التأثير الواقعي لمحمود وحزبه ليس كبيرا، وخاطب محمود في رسالته الرئيس بوش قائلا "لقد أكدتم موقفكم الرافض لتقسيم العراق بحجة أن جميع العراقيين لا يريدون لبلدهم التقسيم، ولكن الحقيقة غير ذلك، فنحن الكرد العراقيين نجد ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، ونعتقد أن هذا التقسيم هو الحل الأمثل ليعيش العراقيون جنبا إلى جنب فيما بينهم بسلام واستقرار".
ومع ان الاثارات والتهديدات الكردية قد لا تجد الارضية المناسبة لتترجم على ارض الواقع، الا انها لا بد ان تربك الاوضاع وتوجد حالة من عدم الثقة والتوجس، بل تزيدها على افتراض انها موجودة وقائمة، ليفضي ذلك الى مزيد من التعقيد والتشابك، وربما التأزم في صورة المشهد العراقي العام.
الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الأول 2006