ارشيف من : 2005-2008

مع حكومة آبي القومي المتشدد: اليابان تبدأ عهداً جديداً

مع حكومة آبي القومي المتشدد: اليابان تبدأ عهداً جديداً

لجونشيرو كويزومي، وحصل آبي على 339 صوتاً من أصل 475 في مجلس النواب، وعلى 136 صوتاً من أصل 240 في مجلس الشيوخ.‏

يبلغ آبي من العمر 52 عاما، كان ناطقا إعلاميا للحكومة، بيد أنه يترتب عليه بناء شخصيته السياسية لأنه لم يتقلد أبداً وظيفة وزارية: وهي حالة نادرة لرئيس حكومة.‏

حتى عام 2003 عندما اختاره كويزومي سكرتيرا للحزب الليبرالي الديمقراطي، كان شينزو آبي معروفا بوجه خاص في عالم السياسة اليابانية كابن أبيه شنتارو، وهو شخصية من "الوزن الثقيل" في الحزب الحاكم، وزعيم التيار الأكثر يمينية. ويلقب آبي بـ "الأمير" لثرائه.‏

وبصرف النظر عن كتابه "نحو يابان نبيل"، فإن آبي يعتبر قومياً متشدداً، ويمثل رمز الجيل الجديد من رجال السياسة اليابانيين. وهو متأثر بأفكار جده في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ يأمل ببناء جيش أقوى، وبمراجعة الدستور السلمي الذي اعتمدته اليابان عام 1947 عقب هزيمتها في الحرب. كما أنه يطمح للنهوض بيابان "قوية وذات علاقات طبيعية" على الساحة الدولية، وهو نصير لتحالف وثيق مع الولايات المتحدة.‏

آبي هو وريث لإحدى كبريات عائلات اليمين الياباني، فمن جهة أمه، شينزو آبي هو حفيد نوبوسوكي كيشي، المكلف بالصناعة في حكومة الدولة الدمية لماندشوكيو، التي خلقتها اليابان في منشوريا الصينية عام 1932. ثم عمل وزيرا للتجارة والصناعة في حكومة هيديكي توجو الذي أعلن الهجوم على بيرل هاربور.‏

وبرغم اعتقاله كمجرم حرب في اليابان المحتل، فإن كيشي أطلق سراحه عام 1948 من دون محاكمة، بناء على تعليمات من أجهزة الاستخبارات الأميركية، الحريصة على إعادة بناء اليمين الياباني مع بداية الحرب الباردة، وأصبح كيشي رئيسا للحكومة اليابانية ما بين 1957 ـ 1960. ونظرا لارتباطه بوكالة المخابرات المركزية "سي.آي. إيه"، فقد كان مهندس التوقيع على تجديد معاهدة الأمن مع الولايات المتحدة الأميركية التي لاقت معارضة قوية في مرحلة ما بعد الحرب، وظل لاحقا مستشارا سريا للسلطة.‏

في شجرة العائلة الوراثية لآبي، يوجد أيضا يوسوكي ماتشوكا، وزير الخارجية الذي وقع مع هتلر وموسوليني معاهدة قوى المحور (1941) بعد أن قاد بناء السكك الحديد في منشوريا، وقاتل في سبيل التوسع الياباني في آسيا. وقد اعتقل بوصفه مجرم حرب ومات في السجن.‏

ومع آبي يعود إلى السلطة اليابانية تيار تقليدي لليمين الليبرالي الديمقراطي، الحريص على إقامة توازن بين الوفاء للتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية وإرادة الظهور كصوت معبر عن آسيا. ولكن اليوم التعبير عن صوت آسيا لم يعد أحادي القطبية ـ متمحورا على القوة الاقتصادية اليابانية ـ بل أصبح ثنائي القطبية، الأمر الذي يفرض تشاورا مع الصين.‏

ومع انتخاب الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان شينوزو آبي رئيسا جديدا له، يترك جونشيرو كويزومي منصبه قريبا، ويترك لخليفته ميراثا سلبيا على صعيد النمو غير المتكافئ في الداخل، وعلى صعيد العلاقات المتوترة مع جيران اليابان الآسيويين.‏

فبعد خمس سنوات ونصف السنة من بقائه في السلطة، يمنح جونشيرو كويزومي إلى خليفته إرثا يتعلق باليابان الناشئة المتحررة من آثار عقد من الكساد الاقتصادي، والملتصقة جدا بالولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى.‏

ويمارس رجال الأعمال ضغوطاً مكثفة على شينزو آبي لتحسين العلاقات مع الصين، وهي أول شريك تجاري لليابان، والتي تأثرت سلباً في عهد كويزومي.‏

فقد انتهج كويزومي في سياسته الخارجية "التبعية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة" وأهمل جيرانه الآسيويين، وأصر على زيارة معبد ياسوكوني، حيث يرقد شهداء الأمة اليابانية ويكرم بعض مجرمي الحرب، متجاهلا انتقادات الدول الآسيوية التي عانت من النزعة العسكرية اليابانية في الحرب العالمية الثانية.‏

وقد أهانت زيارته الأخيرة للمعبد في 15 آب/ أغسطس يوم هزيمة اليابان، بكين وسيول على حد سواء. وكان معبد ياسوكوني رمز النظام العسكري الياباني، وبات اليوم رمز رافضي الإقرار بجرائم هذا النظام.‏

وبرغم التبادل التجاري المزدهر بين الصين واليابان، حيث بلغت الصادرات اليابانية إلى الصين 13% (من جملة الواردات الصينية) في 2006، بعدما كانت 3% قبل عقد من الزمن، وبلغت أيضا الاستثمارات اليابانية في الصين رقما قياسيا في 2005 هو 6.5 مليار دولار، فإن العلاقات الصينية اليابانية بلغت ذروة التوتر في عهد كويزومي منذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1972. وبرغم هذا التكامل الاقتصادي لا تزال الحرب الصينية اليابانية (1937 ـ 1945) ترخي بثقلها على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.‏

والحق أن تربة الخلافات الصينية اليابانية التاريخية الخصبة تغذي الصراع التنافسي الجغرافي ـ السياسي بين اليابان والصين، وتعزز السباق على بسط النفوذ على مصادر الطاقة، وتنفخ في المآخذ التاريخية.‏

وتسعى الصين إلى دور ريادي في جوارها الآسيوي، فتدور الدول الآسيوية تاليا في فلكها. وتستمد بكين نفوذها من قوتها الاقتصادية، ولا شك في أن اليابان ترفض تحول الصين إلى قطب النفوذ في آسيا.‏

الصين واليابان تتنافسان على النفوذ، ويظن واحدهما الظنون بالآخر. وأولوية بكين هي الحؤول دون انفصال تايوان وإعلانها الاستقلال، أما أولوية طوكيو فهي مواجهة الخطر العسكري الصيني.‏

وفي الوقت الذي دعت فيه بكين الزعيم الجديد آبي إلى تحسين العلاقات بين القوتين الآسيويتين العظميين التي تضررت بسياسة سلفه، فهل يطرح الزعيم الجديد آبي مبادرة سياسية تخفف من حدة التوتر، وتقود إلى تحسين العلاقات الصينية اليابانية، وتعيد إطلاق القمم الثنائية بين البلدين التي توقفت منذ أكثر من عام؟‏

الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الأول 2006‏

2006-10-06