ارشيف من : 2005-2008
ديمقراطية الخيانات والدسائس

أن صنف في فرنسا في عداد "إرهاب الدولة".. ذلك العمل نفذته الأجهزة الأمنية الفرنسية قبل واحد وعشرين عاماً في ميناء "أوكلند" في نيوزيلندا عندما قامت بوضع متفجرات أدت إلى إغراق "رينبو واريور"، وهي سفينة تابعة لمنظمة "السلام الأخضر" "غرينبيس"، كانت بدواعي الدفاع عن البيئة في صدد محاولة لإعاقة تجربة نووية فرنسية في جنوب المحيط الهادئ.
وقد قتل في العملية مصور إسباني، وأدت بوصفها أكبر فضائح الولاية الأولى للرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق فرنسوا ميتران، إلى ضعضعة الحكومة التي كان يرأسها اشتراكي آخر هو لوران فابيوس، وإلى استقالة وزير الدفاع آنذاك شارل هورنو.
لكن تفصيلاً هامشياً جداً من تفاصيل الفضيحة لم يكشف عنه النقاب في ذلك الحين، ليتبين الآن أنه برغم هامشيته قادر على أن يطبع بتأثيراته السلبية أعلى مستويات السياسة الفرنسية ممثلة بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في أيار/ مايو القادم، والتي فتحت معركتها منذ أشهر.
ذلك التفصيل تحديداً هو اسم الشخص العامل في الجهاز الأمني الفرنسي الذي كانت مهمته تنفيذ عملية تفجير السفينة المذكورة.
وقد كان من شأن هوية ذلك الشخص ألا تقدم أو تؤخر لولا أنه جيرار، شقيق سيغولين رويال بالذات، أي أبرز المرشحين الاشتراكيين للترشح لمنصب الرئاسة. مهمتها لم تكن سهلة برغم نتائج استطلاعات الرأي التي بينت في الأيام الأخيرة الماضية أنها المفضلة في نظر 42 في المئة من الاشتراكيين.
يبقى عليها قبل المواجهة النهائية مع نيكولا ساركوزي الذي يبدو أنه الأوفر حظاً بالترشح عن تجمع أحزاب "الاتحاد من أجل الأكثرية الرئاسية"، أن تبعد منافسيها من أساطين الاشتراكيين أمثال لوران فابيوس ودومينيك ستروس وجاك لانغ وبرنار كوشنر الذين لا يقلّون حماسة عنها للفوز بالمنصب الأثير. لكن اسم أخيها الذي لمع بشكل منكر في وسائل الإعلام، مع أنه مجرد منفذ مأمور للجهاز الأمني، جعل مهمة سيغولين محفوفة بمشقة إضافية في معركة يسمح فيها بجميع الضربات داخل الحزب الاشتراكي نفسه، على ما تردده جميع وسائل الإعلام.
الأنكى أن شقيق سيغولين الآخر أنطوان، هو الذي أثار الضجة عندما صرح بأن أخاه جيرار أخبره بأنه منفذ عملية التفجير.
ما الذي دفع أنطوان إلى البوح بالسر وعرقلة مسيرة شقيقته؟
ربما يبوح بذلك يوماً إذا ما دفع مجدداً لإثارة فضيحة جديدة..
كثيرون هم الذين يستفيدون من "قشرة الموز" التي ألقيت في طريق سيغولين، لكن أحداً لم يتساءل في العلن حول هوية الرأس المدبر.
فالجميع ـ بما في ذلك اليمين ـ يصرحون بأن الأمر لم يحدث صدفة، ولكنهم يتخذون هيئة النزاهة والتجرد وينحون باللائمة على إعطاء القضية أكثر مما تستحقه، ويبرئون سيغولين من جريرة أخيها.
لكن الأكيد أن اليمين يفرك يديه فرحاً بما حدث، وأن الفرح أكبر بين صفوف الخصوم الاشتراكيين، منافسين على الترشح أو غير منافسين.
ومن يدري؟
هل يتحمل فرانسوا هولند الأمين العام للحزب الاشتراكي وزوج سيغولين رويال، أن يصبح "رجل فرنسا الأول" بصفته زوج الرئيسة لأول مرة في تاريخ فرنسا بعدما درجت العادة في ظل رئاسة الرجال، على أن يسمع الناس بـ"سيدة فرنسا الأولى"، بصفتها زوجة الرئيس؟
وهل تتحمل الديمقراطية وضعاً يتربع فيه زوج وزوجته أعلى منصبين في فرنسا؟
على أي حال، تبرز من بين تلافيف القضية حقيقة ساطعة: المؤامرات والدسائس والخيانات واستعداد الجمهور الانتخابي العريض لقبول الأراجيف والإيحاءات الأكثر انتهازية والإثارات ذات القيمة الهامشية.. تظل الأكثر ناجعية في تسيير دفة الديمقراطية في الغرب.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الاول 2006