ارشيف من : 2005-2008

في ظل مواجهات تجاوزت الخطوط الحمراء حماس أمام حكومة تكنوقراط أو انتخابات مبكرة

في ظل مواجهات تجاوزت الخطوط الحمراء حماس أمام حكومة تكنوقراط أو انتخابات مبكرة

الشرائح والفئات إذا لم يهرع الجميع الى معالجة أسباب هذه الأحداث، وليس تداعياتها فقط.‏

فعلى الرغم من وقوع مواجهات دموية سابقة، إلا أن هذه الموجة من الاشتباكات والمواجهات تعتبر الأخطر التي يشهدها قطاع غزة بسبب عدد الضحايا.. اثنا عشر قتيلاً وأكثر من مئة وثلاثين جريحا سقطوا في زمن قياسي هو أقل من نصف يوم.‏

هذا أولاً، وثانياً لأن المواجهات في قطاع غزة وجدت انعكاسا لها في الضفة الغربية بسرعة ربما فاجأت الجميع، وكأن الأمر مخطط له، حيث خرج المئات من أعضاء كتائب الأقصى التابعة لفتح وتظاهروا في مسيرات غاضبة واعتدوا على مؤسسات حكومية، على اعتبار ان الحكومة تشكلها حماس، ومن بين المؤسسات مجلس الوزراء ومكاتب لأعضاء في المجلس التشريعي، اضافة الى حرق سيارات ومؤسسات أخرى يعتقد أنها تابعة لحماس في أكثر من مكان في الضفة الغربية، بما في ذلك الخليل التي تعتبر معقل حماس الأساسي في الضفة. وثالثاً فإن هذه الأحداث الدموية أحرقت مراحل كثيرة تجاه وقوع مواجهات أخرى يمكن أن تتجاوز خطوطا ظلت طول الفترة السابقة خطوطاً حمراء، وهو ربما ما عبر عنه استمرار الأحداث في الضفة والقطاع برغم سحب القوة التنفيذية من الشوارع في قطاع غزة وحالة الهدوء النسبي والحذر في ساحات المواجهة، وكذلك تصاعد وتيرة التهديدات التي حملتها بيانات رسمية، وهي المرة الأولى التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وعلى رأس ذلك البيان الذي حمل توقيع كتائب الأقصى ـ فلسطين وهدد بقتل خالد مشعل رئيس المكتب الساسي لحركة حماس وسعيد صيام وزير الداخلية ويوسف الزهار المسؤول البارز في القوة التنفيذية، وهو شقيق الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس.. الى جانب بيانات التهديد التي صدرت عن كل من حركتي حماس وفتح، وحتى التصريحات التي صدرت من الجانبين الرسميين اللذين يمثلان الجهتين وهما الرئاسة والحكومة، والتي حملت نبرة ربما هي الأولى التي تصدر عنهما برغم الدعوات الى احتواء الأزمة، بما في ذلك تسارع وتيرة الحديث عن خيارات أمام الرئيس محمود عباس كبديل للحكومة الحالية، والحديث عن محاسبة وزير الداخلية اذا ثبتت علاقته بالأحداث الأخيرة.‏

كل ذلك يعتبر مؤشرا خطرا الى ان مرحلة أصعب من الحالية قادمة على الفلسطينيين ما لم تُبذل جهود أكبر من ذلك بكثير لحل الخلافات بين الجانبين والخروج من المأزق. وتعتبر هذه الأحداث أخطر من سابقاتها أيضا لأنها جاءت بالتزامن مع ذروة الحديث عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الموعودة وحالة من الاطمئنان من قبل رئيس الوزراء على الأقل متزامنة مع حالة التشكيك التي تقودها شخصيات عدة على الساحة الفلسطينة حول تشكيل هذه الحكومة، وكأن المسألة مسألة وقت فقط، وهو ما يعني ان ناراً تحت الرماد موجودة فعلا على الساحة الفلسطينية، وأن الحديث عن حكومة وحدة اتفق الجميع عليها ام لم يتفقوا، فإنها لن تتمكن من وأد أسباب التوتر والخلاف والاحتقان التي تتراكم يوما بعد يوم بين الجانبين.‏

والقلق الكبير لدى المواطنين الفلسطينيين وبعض المراقبين يكمن في ان الاطراف المتنازعة انغمست في حسابات حزبية وفئوية، وهو ما يعني انها لن ترى المصلحة الوطنية بوضوح، ما يدفعها الى المضي قدما في هذا النفق المظلم.‏

الأخطر من ذلك بعض الأحاديث التي تحدثت عن إمكانية انتقال الصراع او النزاع الى ساحات خارجية كمخيمات لبنان، وهو ما يعني ان الازمة يمكن ان تذهب الى أبعد مما تتخيله الأطراف المتنازعة.‏

هذه المؤشرات تقود الى الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية، فقد اتضح للجميع ان هذه المساعي والاتصالات تجمدت بفعل هذه الأحداث على الرغم من اللقاءات الثنائية التي عقدت بين حماس وفتح في قطاع غزة خلال وعقب هذه الأحداث، والاتصال الذي جرى بين الرئيس ورئيس الوزراء.‏

وعلى العكس من ذلك، فقد أصبح الحديث يتمحور أكثر حول خيارات أخرى باتجاهين:‏

الأول هو ما تبنته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية عقب اجتماع في مدينة رام الله، ويدعو صراحة الى تشكيل حكومة تكنوقراط أو كفاءات فلسطينية مستقلة، في حين تمنح مدة عام وتكون المرجعية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مع فتح الباب أمام إعادة إحياء مؤسسات المنظمة بما يسمح بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيها.‏

أما المحور الثاني فهو الذي يهدد خلال الفترة الأخيرة بخيارات أمام الرئيس محمود عباس بإمكانية حل الحكومة والمجلس التشريعي والذهاب الى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، او اعلان حال الطوارئ او تشكيل حكومة أخرى يترأسها شخص غير هنية، أو اللجوء الى حكومة تكنوقراط وغيرها اذا لم توافق حماس على احترام الاتفاقات التي وقعتها المنظمة، بما في ذلك المبادرة العربية والالتزام بها كقاعدة للحل او التسوية بين الجانبين الصهيوني والفلسطيني، وهما حلان رفضتهما حماس والحكومة في هذه المرحلة وطرحت بديلا عن ذلك الاستمرار في تشكيل حكومة الوحدة او هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، كما عبّر عن ذلك رئيس الوزراء إسماعيل هنية من دون ان يعارض طرحه أحد من حماس..‏

وإذا بقي السجال بين الجانبين على هذا النحو فإن الأمور تتجه نحو الأسوأ، وهذا خيار يأمل الكثير من الفلسطينيين ان لا يقع على الساحة الفلسطينية، في ما الأزمات الحقيقية الكبرى ما زالت مستمرة وتلقي بظلالها على الساحة بشكل كبير، بل وتساهم بشكل أكبر في زيادة الاحتقان وأسباب التوتر بين الأطراف.‏

الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الاول 2006‏

2006-10-06