ارشيف من : 2005-2008

شهر رمضان في معتقلا العدو.. عبادة وصمود في وجه السجان

شهر رمضان في معتقلا العدو.. عبادة وصمود في وجه السجان

والالم على فراق الاحبة والاهل وقرار ادارة السجون الاسرائيلية الغاء الزيارات المقررة في الشهر الفضيل, بل وأقدمت تلك الادارة كما قالت الاسيرة آية محمد عويس من مخيم جنين على اتخاذ المزيد من الاجراءات التعسفية للتضييق على الاسيرات في شهر رمضان المبارك، وزادت بحملات دهم وتفتيش يومية وسياسة عزل ونقل الأسيرات من سجن لآخر.‏

آية، البالغة من العمر 19 عاما والتي تنحدر من مخيم جنين، قالت لـ"الانتقاد" ان وضع الاسيرات في شهر رمضان يزداد صعوبة لان كل اسيرة تتذكر في كل لحظة خاصة على الافطار والسحور ذويها, وتضيف عندما نجتمع على مائدة الافطار نشعر بمرارة السجن وقساوة القيد في غياب اهلنا، ونتذكر لحظات اللقاء والاجتماع على مائدة الافطار والمودة والتراحم ولحظات الايمان والصلاة في المسجد التي حرمنا الاحتلال منها كما اغتصب حريتنا وسنوات عمرنا.‏

اجراءات قاسية‏

وتعيش آية المحكومة عامين مع 8 اسيرات في غرفة واحدة وتقول "إن إدارة السجن منعتنا من الاجتماع مع باقي الاسيرات وتناول الافطار او السحور وحتى الصلاة بشكل جماعي", وتضيف: "كل شيء في السجن يجسد حالة المعاناة والظلم التي تفرض على كل اسيرة, فالطعام المقدم لنا سيئ كما ونوعا، والمعاملة لا تخلو من الاستفزاز والمضايقات التي لا تتوقف من خلال المداهمات والتفتيشات التي ترافقها ممارسات تستهدف اذلال الاسيرات والمس بكرامتهن خاصة من خلال اجبارنا على التفتيش العاري وسياسة العزل التي لم تتوقف في شهر رمضان، فقد دهمت الاقسام مؤخرا وأقدمت على عزل عدد من الاسيرات، وهذا نغص علينا في شهر رمضان كثيرا، وخاصة ان الادارة ما زالت تتوعدنا بالمزيد من البطش".‏

يوم في حياة أسيرة‏

وبرغم معاناتهن تسعى الأسيرات لاضفاء جو خاص في السجن في شهر رمضان المبارك كما تقول آية، فما دمنا نعيش عذاب السجن وظلم الاجراءات القهرية فليس امامنا سوى التحدي وخلق الاجواء التي تخرجنا من ظروف القهر القاسية، فبرغم سوء وجبة السحور التي تتكون من بيضة مع قليل من اللبنة او بعض الحمص مع قطعة جبنة وقليل من الخبز دون خضار او فواكه، فإننا نبدأ اليوم في رمضان بصلاة الفجر بعد السحور، ثم عقد جلسة دينية ودعاء وذكر حتى موعد العدد الذي ترغمنا عليه 4 مرات في اليوم يرافقها استفزازات واجراءات مهينة, وبعد العدد نقوم بترتيب وتنظيف القسم حتى تبدأ فعاليات اليوم بعقد جلسات متنوعة منها مخصصة لدراسة القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف، ولقاءات حول الدين والصوم والاسلام، وجلسات في الوضع السياسي والاعتقالي يتخللها تأدية الصلاة في مواعيدها, ثم جلسات مفتوحة حول الحياة العامة، والوقت الاكبر تمضيه الاسيرات في قراءة القرآن الكريم وحفظه حتى الفطور الذي يتكون من بعض الارز وصنف آخر مع قليل من اللحمة او قطعة دجاج لا تغني ولا تسمن من جوع، وبين المغرب والصلاة تعيش الاسيرات في اجواء دينية كاملة بين القرآن والدعاء والصلاة التي تختتم بصلاة التراويح حتى العدد الاخير، حيث تقطع الادارة الكهرباء او تحجب عنا التلفاز وتتحكم بالمحطات والمواعيد, وفي كثير من الاحيان نجتمع كأسرة واحدة لنتبادل الاحاديث حول الاهل والذكريات وكتابة الرسائل او قراءة رسائل الاهل والدعاء لله ان يفرج كربنا ويجمع شملنا. وتضيف آية ان الاسيرات يتمتعن برغم كل ما يمارس بحقهن بمعنويات عالية مكنتهن من نقل اجواء الحياة في شهر رمضان من منازلهن الى السجن للتغلب على كل ظروف الحياة القاسية، ولكن ذلك كما تقول لا يعوضنا عن معاناتنا وأملنا الكبير في التحرر والعودة لذوينا وشعبنا.‏

شهر رمضان في النقب‏

اما في سجن النقب الصحراوي فإن معاناة المعتقلين اصبحت اكثر صعوبة بعدما اتخذت الادارة سلسلة جديدة من الاجراءات التعسفية كما يقول المعتقل عقل عمر عقل من جنين، القابع رهن الاعتقال الاداري, ففي سجن النقب يقبع 2200 اسير بينهم 500 معتقل اداري، وقد اتخذت الادارة كل السبل لكي تحرم الاسرى من اجواء شهر رمضان، وكانت اولى نتائج هذه الاجراءات اصابة المئات بالتسمم في اليوم الثاني من شهر رمضان، والسبب كما يضيف عقل سياسة الادارة الظالمة, فقد فرضت على الاسرى الحصول على وجبتي الافطار والسحور معاً، ومنعت المعتقلين من تجهيز وجبة السحور في موعدها بذريعة الاجراءات الامنية، ويضيف أصرت على منع الطباخين من الخروج على مرحلتين، وفي اليوم الثاني سلمتنا وجبتي الافطار والسحور معا, وعندما تناولنا السحور وقعت الكارثة، فالوجبة كانت حمصا، وبسبب الوضع في النقب حيث الحر الشديد تلفت الوجبة، ولدى تناولها اصيب المئات بالتسمم ورفضت الادارة علاجهم، والادهى انها ما زالت تصر على ممارسة نفس السياسة التي تعرض حياتنا وصحتنا للخطر.‏

ويعيش المعتقلون في السجن وسط ظروف صعبة كما يقول بسبب وضع الصحراء وظروفها التي تسبب الامراض والمشاكل للمعتقلين بعدما رفضت الادارة توفير ثلاجات في الاقسام على الاقل في شهر رمضان، كما ما زالت تمنع منذ شهر الفعاليات من ادخال شاحنة "كانتين" للمواد التموينية والغذائية الخاصة بشهر رمضان، وهي تماطل لتضييع الوقت وحرماننا من هذه المواد التي نحتاجها بشدة بذريعة وجود قوائم بالافراجات، كما أن الادارة تريد ان ترغمنا على شراء مستلزمات رمضان من "كانتين" السجن التابعة لهم، والتي تبيعنا المواد بأسعار مضاعفة ومرهقة للمعتقلين، ولا يمكن لأسرهم ان توفر النقود المطلوبة خاصة في ظل الظروف الراهنة، ويقول عقل ان الادارة قامت بمنع الزيارات في شهر رمضان وهذا له تأثير كبير على حياة الاسرى.‏

أجواء رمضانية خاصة في السجن‏

وبرغم ما تمارسه الادارة من اجراءات فإن المعتقلين يصرون على تجاوز كل الظروف الصعبة، ونجحوا كما قال عقل في خلق اجواء من الحياة الرمضانية التي تزيد من اللحمة والاخوة والتلاحم، وترفع معنويات الاسرى وتخفف من معاناتهم، فهناك دعوات الافطار الجماعية التي تنظمها التنظيمات الفلسطينية والتي يقوم فيها كل تنظيم باستضافة باقي اسرى الفصائل على مائدة الافطار التي تجهز على حساب التنظيم، وهذه من افضل الصور التي تعزز حالة التلاحم وترفع معنويات الاسرى للتغلب على ظروف السجن والقهر، ويضيف ولكن ما ينغص على الاسرى ان الادارة ما زالت تفرض علينا سياسة العدد المهين والمذلة 3 مرات يوميا، اضافة لعمليات الدهم والتفتيش اليومية والتي يجري خلالها صلبنا تحت اشعة الشمس الحارقة لعدة ساعات، كما اقدمت الادارة على منع الزيارات للمعتقلين بين الاقسام، ومما زاد من اجواء السخط والغضب الغاء كل زيارات الاهل التي كانت مقررة في شهر رمضان، ومنع الاهل من ارسال "الكانتين" والطعام والملابس لنا.‏

صمود وإيمان‏

وإزاء تصاعد اجراءات ادارة السجون بحق كل الاسيرات والاسرى في جميع السجون والمعتقلات، فإن الاسرى يصرون على خلق اجواء خاصة في شهر رمضان تمنح ارواحهم ـ كما يقول ـ الحرية، من خلال التمسك بالايمان والعقيدة الاسلامية السمحة، وتذكر محطات الانتصار التاريخي في شهر رمضان، ومثلما تسعى الادارة للتنغيص علينا ـ يقول عقل ـ فإن الاسرى يوميا يؤكدون للادارة ان قوتهم وعزيمتهم اكبر، فالسجن يمكن ان يقيد حريتنا ويمنعنا بهجة رمضان في منازلنا وبين اهلنا وشعبنا، ولكن لن يمنعنا من جو رمضان الديني ومعانيه العظيمة، وكلما اتخذت الادارة اجراء ظالما يزداد الاسرى اصرارا على التحدي ليكون لرمضان حتى في ظل الاسر اجواؤه الايمانية الخاصة التي تحرر الانسان من قساوة القيد وظلم السجان، وتمنحه الامل بفرج الله القادم رغما عن انف السجن والسجان, فالسجن يمنعنا من الزيارات وافطار جميل مع الاهل ولكنه لن يقيد ارواحنا ودعواتنا لله في كل صلاة ليمن علينا بالفرج والنصر على المحتل وسجونه.‏

الانتقاد/ العدد 1183ـ 6 تشرين الاول 2006‏

2006-10-06