ارشيف من : 2005-2008

تجاذبات أزمة دارفور

تجاذبات أزمة دارفور

في نيويورك، إثر صدور القرار 1714 الذي يرحب بتمديد مهمة القوات الإفريقية في دارفور حتى نهاية السنة الجارية، ويقضي بتمديد بعثة الأمم المتحدة في السودان حتى 30 نيسان/ ابريل المقبل. وكانت الولايات المتحدة الأميركية طالبت أن يرد مجلس الأمن على تحذير السودان لأي دولة تتعهد بإرسال قوات ضمن الأمم المتحدة إلى دارفور، والذي تضمنته رسالة غير موقعة من بعثة السودان في الأمم المتحدة إلى دول عربية وإفريقية وأخرى مثل نيوزيلاندا، حضر عدد كبير منها اجتماعا في 25 من الشهر الماضي بشأن مساهمات محتملة بجنود وأفراد شرطة في قوة للأمم المتحدة في دارفور في المستقبل، ورفض السودان هذه القوة..‏

وكان الاتحاد الإفريقي مدد يوم الأربعاء في 20 أيلول الماضي فترة عمل قواته في منطقة دارفور المضطربة حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، حسبما أعلن رئيس بوركينا فاسو بليز كامباوري بعد قمة لزعماء دول الاتحاد في نيويورك الشهر الماضي.‏

ويذكر أن الأمم المتحدة تحاول حاليا تعزيز القوات التابعة للاتحاد الإفريقي وعددها 7 آلاف جندي، ووعدتها بإرسال أربعة آلاف جندي إضافي، وبأن ترسل مئة فرد لتشغيل أجهزة اتصالات ومعدات أخرى تمهيدا لعملية دولية.‏

واقترح دبلوماسيون، ومنهم ممثل الأمم المتحدة في السودان يان برونك، أن تضغط الدول من أجل قوة للاتحاد الإفريقي معززة وتبقى لفترة طويلة، لكن مجلس الأمن الدولي وكبار مسؤولي الأمم المتحدة رفضوا هذه الخطة.‏

واستنادا إلى الأمم المتحدة أسفرت الحرب الأهلية وتداعياتها الانسانية منذ شباط/ فبراير 2003 عن مقتل 200 ألف شخص على الأقل في دارفور. وفي تقريره الشهري عن إقليم دارفور في غرب السودان، قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إن العنف والاغتصاب وانعدام الأمن في ازدياد، على الرغم من اتفاق السلام المبرم بين الحكومة وجماعة المتمردين، وكتب أن المنطقة أصبحت مرة أخرى على حافة كارثة. وأضاف أنه "إذا لم يتحسن الوضع الأمني، قد يضطر العالم إلى أن يواجه احتمال إجراء خفض جذري لعملية إنسانية تشتد الحاجة إليها".‏

ويجمع المحللون المتابعون لأزمة دارفور أن الرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني سيواجهان طريقاً مسدودا إذا ما استقر قرارهما على خوض حرب ضد القوات الدولية في دارفور، التي نص قرار مجلس الأمن رقم 1706 على نشرها في الإقليم، ذلك أن الدستور الانتقالى لجمهورية السودان الموقع بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية العام الماضي ينظم بشكل دقيق كيفية إعلان الحرب والطوارئ وحتى انعقاد المجلس الوطني أو فضه.‏

وكان مجلس الأمن الدولي أقر بغالبية كبيرة نشر قوات حفظ سلام دولية في إقليم دارفور لتحل محل قوة الاتحاد الافريقي، برغم معارضة حكومة الخرطوم الشديدة، التي اعتبرت إجازة قرار المجلس بمنزلة عمل عدائي غير مبرر، وأن فرض إرسال قوات أممية ربما يصبح إعلان حرب من الطرف الآخر.‏

لا شك أن إعلان الحرب ضد القوات الدولية يعتبر مرحلة متقدمة، وأن رئيس الجمهورية لا يمكنه إعلان الطوارئ في أي جزء من البلاد إلا بموافقة النائب الأول لرئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي تولته الحركة الشعبية بنص الدستور. فإعلان الحرب من اختصاص رئاسة الجمهورية التي تضم الرئيس ونائبيه، لكن الدستور حدد إعلان الحرب بموافقة النائب الأول.‏

وينص القرار 1706 على نشر قوة تابعة للأمم المتحدة قوامها 17300 جنديا، على أساس موافقة الحكومة السودانية، لتحل محل قوة الاتحاد الافريقي التي تعاني من نقص في التمويل والمعدات. ويعتبر الاتحاد الإفريقي قوة حفظ السلام الوحيدة في دارفور، التي قدمت لها مجموعة الثماني بالفعل حتى الآن 460 مليون دولار.  ‏

وبرغم أنها ليست نموذجية، فقد أدت دوراً حيوياً في تعزيز الأمن على أرض الواقع وحماية المدنيين وتهيئة المجال لتفعيل ردود الفعل الإنسانية وإتاحة الفرصة لنجاح المحادثات السياسية. وببساطة فإن رحيل هذه القوات الآن من دون أن تحل محلها قوات أخرى مقبولة من جميع الأطراف هو بمنزلة كتابة شهادة وفاة لآلاف المدنيين في دارفور.‏

ويبدو أن السودان لا يريد إعلان الحرب، أو تكوين مقاومة ضد القوات الدولية في دارفور، ذلك أنه لم يسبق لأي دولة في العالم أن حاربت المجتمع الدولي أو أعلنت أنها ستحاربه. فالحكومة السودانية تريد ان تتفاوض مع  الحكومة الأميركية حول مسألة محددة: إذ إنها تريد أن تعرف هل القوات القادمة إلى دارفور صديقة، أي بمعنى أنها ستأتي للمساعدة في تطبيق اتفاق أبوجا من مراقبة للترتيبات الأمنية في دارفور، والفصل بين القوات، ومساعدة الحكومة في حفظ الأمن والسلام.‏

إن أزمة دارفور مثلها في ذلك مثل أزمات الشرق الأوسط والأزمة النووية الكورية الشمالية، تعكس إخفاق السياسة الخارجية الأميركية  بقيادة كونداليزا رايس بسبب نظرتها الأحادية إلى كل الأزمات التي يعيشها العالم، وبسبب عدم تفريقها بين ما هو إرهاب فعلاً بكل المعايير، وما هو قضية حق يجب أن يعود إلى أصحابه.‏

الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر 2006‏

2006-10-13