ارشيف من : 2005-2008

بينها تقسيم البلاد وحكومة عسكرية: سيناريوهات أميركية جديدة للعراق

بينها تقسيم البلاد وحكومة عسكرية: سيناريوهات أميركية جديدة للعراق

جاء الى بغداد بعد أن كلفه الكونغرس الأميركي بترؤس لجنة أطلق عليها "مجموعة دراسة العراق" لوضع تقرير مفصل عن مجمل الوضع العراقي، وعرض مقترحات وتصورات عملية لكيفية التعاطي معه من قبل واشنطن.‏

وبعد أسابيع جاء وفد أميركي رفيع المستوى برئاسة زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، والأسبوع الماضي جاءت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى بغداد بصورة مفاجئة ضمن جولة شرق أوسطية قادتها إلى أكثر من عاصمة عربية.‏

وحرصت الوفود الثلاثة على الالتقاء والاجتماع بمختلف زعماء القوى السياسية وكبار المسؤولين في الحكومة العراقية وشخصيات أخرى مهمة ضمن المشهد السياسي العام.‏

هذا التوجه الاستثنائي الأميركي على أعلى المستويات نحو العراق والحرص على التعامل مع الحقائق والوقائع من خلال الاطلاع الميداني عن كثب على تفاصيلها وجزئياتها، يعكس قلقا وتوجسا أميركيا حيال ما يمكن ان تؤول اليه الامور في هذا البلد الذي لم تنجح واشنطن حتى الآن في اثبات صحة المنهج الذي اتبعته فيه.‏

وجانب من ذلك القلق والتوجس قد يكون مرتبطا بالوضع السياسي الداخلي للولايات المتحدة، ولا سيما ان انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على الابواب، وعلى الجمهوريين لكي يحتفظوا بالأغلبية ان يثبتوا ان ما فعلته وانتهجته ادارة الرئيس جورج بوش كان ـ وما زال ـ هو الصحيح، وإن شابه بعض القصور والخلل والخطأ، ويبدو ان ذلك صعب الى حد كبير على الجمهوريين في هذه المرحلة. وقد يكون هذا هو ما دفعهم الى تبني مواقف قريبة نوعا ما من مواقف خصومهم الديمقراطيين.‏

بيد ان المشكلة التي تواجه صناع القرار السياسي في واشنطن والمخططين العسكريين والاستراتيجيين من التعقيد والتداخل والتشابك بمكان بحيث يصعب وضع حلول ومعالجات نهائية لها.‏

وتزايد الحديث عن سيناريوهات اميركية جديدة تتمحور في مضامينها حول فكرة تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم كما جاء في تقرير مجموعة جيمس بيكر الذي من المتوقع ان يصدر رسميا بعد ايام قلائل، او البحث في امكانية تشكيل حكومة عسكرية، لا يخرج عن سياق التفكير الأميركي بكل الخيارات، وإن كان بعضها يبدو بعيدا عن الواقع.‏

وجيمس بيكر اقر في تقريره بوجود صعوبات جمة تواجه القوات الاميركية في العراق، ورأى بحسب تسريبات عدد من وسائل الاعلام الاميركية ان الخيار الافضل هو تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم، يتولى كل اقليم فيه مسؤولية حفظ الامن داخل نطاقه، على ان يناط بالحكومة المركزية في بغداد مسؤولية السياسة الخارجية وحراسة الحدود وتوزيع الثروات النفطية. ويعتقد بيكر وأعضاء لجنته انه من الخطأ التفكير حاليا بالانسحاب من العراق لان خطوة من هذا القبيل ستترتب عليها نتائج سلبية على واشنطن اكبر من النتائج السلبية التي يمكن ان تترتب على بقائها هناك.‏

في مقابل ذلك أشارت مصادر صحافية غير مؤكدة الى ان وفد الكونغرس الزائر لبغداد حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من خطورة عدم اتخاذ اجراءات حازمة وحاسمة لمعالجة الوضع المتدهور، ونقلوا له ثلاثة مطالب اميركية هي:‏

اولا: المباشرة بحل الميليشيات ورفع الحماية عن الميليشيات المسلحة ـ وخصوصا الشيعية ـ والتخلي عنها من دون قيد او شرط.‏

ثانيا: زيادة أعداد المتطوعين السنة في الجيش العراقي والشرطة بهدف إيجاد حالة من الموازنة الطائفية في هذه الاجهزة.‏

ثالثا: ايقاف جميع عمليات الاقصاء الوظيفي، ودعوة البرلمان الى التصويت على قرار عاجل يقضي بإلغاء قرار اجتثاث البعث الذي اصدره الحاكم الأميركي السابق بول بريمر.‏

ولكن بعض المقربين من مراكز القرار في بغداد الذين اطلعوا على المطالب الثلاثة اكدوا انه لم تكن هناك شروط بالمعنى الدقيق للكلمة، وان ما اشيع عن النقاط الثلاث اعلاه ليس سوى فبركات اعلامية من قبل جهات تدعو بقوة الى الغاء قانون اجتثاث البعث، والى تحجيم الوجود الشيعي في مختلف مؤسسات ودوائر الدولة.‏

نفس هؤلاء المقربين من مراكز القرار قللوا من اهمية وجدية ما اشار اليه عضو في لجنة شؤون العراق بالخارجية الاميركية من ان زيارة الوزيرة كوندليزا رايس المفاجئة الى العراق كانت تهدف بالدرجة الأساس الى بلورة مشروع أميركي يقضي بإنهاء فترة حكومة نوري المالكي، وتشكيل حكومة جديدة يمكنها أن تنهي حالة التدهور الخطير في الأوضاع الأمنية في العراق.‏

فبرغم ان صناع السياسات الاميركية يتعاطون ويتعاملون مع كل الخيارات والافكار والرؤى والتصورات، الا انه في كل الاحوال يبقى أن الاقدام على اجراء كهذا يمكن ان يفضي الى خلط الاوراق، وبالتالي الى نتائج غير محسوبة على الارض، وهذا ما لا ترغب به واشنطن، التي يسعى رئيسها جورج بوش لجعل العراق منطلقا للنموذج الذي ينادي به لمنطقة الشرق الاوسط.‏

ويبدو ان هناك اطرافا عراقية بعضها في خارج العراق وبعضها من داخله لا يروقها الوضع القائم، ربما لانها تشعر انها مهمشة وبعيدة عن مراكز التأثير والفعل، وتحاول جاهدة لإقناع الولايات المتحدة الاميركية بتبني سيناريو تشكيل حكومة عسكرية بعد حل الحكومة الحالية، وإلغاء الدستور الدائم وكل ما ترتب عليه من معطيات ونتائج، ناهيك عن انها تعمل على الترويج اعلاميا لما تسعى اليه وكأنه بات امرا مفروغا منه، الى حد انها راحت تذكر اسماء ضباط عراقيين كبار مرشحين لتشكيل ما اطلق عليه المجلس العسكري الاعلى لادارة زمام الامور، وليكون نواة لحكومة عسكرية، وهم اللواء محمد عبد الله الشهواني مدير المخابرات الحالي، واللواء الطيار كمال البرزنجي قائد القوة الجوية، والفريق نصير اركان العبادي.‏

وقد يكون رد نوري المالكي على التسريبات الاعلامية حول التهديدات الاميركية والمهلة الزمنية الممنوحة له واضحا وصريحا، عندما قال "نحن لا نخضع لسقوف زمنية، ما يحكمنا هو استحقاقات الواقع الميداني على الأرض". وهذا يمثل رسالة واضحة لمروجي الشائعات وللأميركيين الذين اعتبر نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي أن تدخلهم في صناعة القرار عامل مهم في المشكلة العراقية، وهذا تشخيص دقيق للغاية.‏

الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر 2006‏

2006-10-13