ارشيف من : 2005-2008
التجربة الكورية في طهران:ترقب ومتابعة وتأكيد على سلمية البرنامج

السياسي الإيراني كما عبر عنه المحلل السياسي قوام الدين مهدوي في قراءة شاركته فيها أيضا مجلة "تايم" الأميركية التي أشارت بوضوح أكثر إلى أن تهديدات الرئيس الأميركي بوش وتصنيفه لكوريا الشمالية في محور الشر قد شكلت المقدمة ووفرت الشروط المناسبة لهذه التجربة التي سارعت اميركا وحلفاؤها الى إدانتها والتهديد بعقوبات هي في الأصل قائمة منذ عدة عقود، ويصعب تصور عقوبات أكبر حالياً.
بعد 2059 تجربة نووية للدول النووية السبع الكبرى (اميركا وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا بشكل رسمي والهند والباكستان بقوة الامر الواقع إضافة الى الكيان الصهيوني المنكر لامتلاكه أكثر من 200 رأس نووي) وبعد استخدام وحيد للقنبلة النووية من قبل أميركا عام 1945 على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، جاء دور كوريا الشمالية لتطلق مفاجأتها النووية سراً وبدون علم المخابرات الغربية التي تحاصر البلد، ولتعلم واشنطن بها قبل 20 دقيقة فقط، وبواسطة الديبلوماسية الصينية التي أبلغتها بيونغ يانغ بالتجربة قبل ساعتين من إجرائها في 9 تشرين الاول/ أكتوبر الجاري.
إيران ـ برأي الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته كوفي عنان ـ تراقب بدقة "رد فعلنا" على التجربة الكورية كي تتخذ الخطوة القادمة في مسار المسألة النووية الايرانية مع الغرب, ويجمع الكثير من المحللين الغربيين والإيرانيين أيضا على ان هذه التجربة قد أعطت لطهران هامشا كبيرا للمناورة، وخففت عنها ضغوطا ولو لفترة قصيرة.
الدكتور هرميداس باوند الأستاذ الجامعي والمحلل الاستراتيجي قال إن فشل اميركا في مواجهة التحدي الكوري سيجعل الموقف الايراني أقوى وأصلب، مضيفا ان على الغرب ان يقبل حقيقة ان كوريا الشمالية قد اصبحت قوة نووية، ولا مجال للرجوع للوراء ولا تأثير للعقوبات.
طهران تجنبت رد الفعل المباشر على التجربة الكورية مكررة موقفها المبدئي الرافض لأسلحة الدمار الشامل، وقالت على لسان الناطق باسم الحكومة غلام حسين الهام إن التخلص من الأسلحة النووية ينبغي أن يبدأ من ترسانات القوى الكبرى نفسها، وإن الآخرين وخاصة الدول الاسلامية ستدعم هذا التوجه نحو عالم خال من الخطر النووي.
ويؤكد الجميع في طهران على عدم جدوى المقارنة بين إيران وكوريا في المجال النووي، حيث ان هناك فروقات جوهرية، أهمها أن إيران ترفض انتاج السلاح النووي، وتسعى لإثبات حقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية والعلمية، وأنها ملتزمة بمعاهدة الـ"إن بي تي"، وكل نشاطها النووي يخضع لمراقبة وضوابط منظمة الطاقة الدولية، بينما كوريا قد انسحبت من المعاهدة منذ 3 سنوات بعد سياسة الضغط التي مارستها ادارة بوش عليها بعد جهود مارستها الادارة الاميركية السابقة لحل الأزمة عبر الطرق الديبلوماسية، وكللتها وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت بزيارة لكوريا عام 98 وباتفاقات تهدئة وتخفيف للحصار التاريخي.
وأيضا فإن الموقع الاستراتيجي والجيوبوليتيكي يختلف كثيرا بين شبه القارة الكورية المنزوية وبين إيران التي تقع على مفترق أهم الأزمات والثروات والمعابر في العالم. وكذلك فإن الحق الإيراني بالطاقة السلمية تدعمه أكثر من 118 دولة، بينما تتعرض كوريا للضغوط من أقرب الجيران (اليابان والصين والعدو اللدود الكوري الجنوبي) وغيرها من الاختلافات بين الملفين المتشابهين بالصفة النووية وبالعداء الأميركي.
اذاً فجرت كوريا الشمالية مفاجأتها النووية الاولى وسط معلومات استخبارية كورية جنوبية عن تجربة ثانية قريبة, ووسط استنكار الغرب وإنذار بتغير موازين القوى في شرقي آسيا حيث الصين تراجع حساباتها، وقد تعود لتجاربها النووية المتوقفة منذ العام 1996، واليابان الخائفة وكذلك كوريا الجنوبية التي خاضت بدفع أميركي في أوائل الخمسينات حربا ضارية مع جارتها الشمالية على حدودهما التي تعتبر حاليا أكثر الحدور تسليحا في العالم.
ايران تراقب ما يجري ولكنها لا تنتظر كي تؤكد ثوابتها: لا تعليق لتخصيب اليورانيوم "فقد جربناه منذ سنتين ولم يُجد نفعا مع الغربيين"، كما أكد قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي. وتنصح الغرب أن لا يفكر في ممارسة عقوبات يعود أكثر ضررها عليه وعلى اقتصاده وشركاته وعلاقاته السياسية بالمسلمين والعالم الثالث.
"لا تراهنوا على مجلس الأمن في مواجهة إيران" هكذا يقول الدكتور حسن روحاني للغربيين، والرجل كان أمينا لمجلس الامن القومي، ويشغل حاليا منصب ممثل القائد في المجلس، وقد فاوض الغربييين لسنوات بصفة مسؤول عن الملف النووي. يضيف روحاني: "كنا قد وصلنا مع الغربيين ومع الرئيس الفرنسي بالذات الى معادلة مقبولة (ايران تقوم بالتخصيب وفي المقابل تزيل كل المخاوف الغربية حول سلمية برنامجها النووي) ولكن الضغط الأميركي على الأوروبيين منعهم من المتابعة".
الايرانيون ومعهم الصين وروسيا ودول عدم الانحياز وبعض الدول الاوروبية ما زالوا يؤكدون على المفاوضات الديبلوماسية كحل وحيد للأزمة. كوريا تمد يد المفاوضات الى الغرب للتفاوض وكسر الحصار الذي يكاد ينهكها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، فيما تمسك بيدها الأخرى السلاح النووي كضمانة لرفع العقوبات، والذي يجمع بين الحالتين هو نتيجة السياسة الأميركية للمحافظين الجدد الذين ارتفعت اصوات اميركية تحاسبهم على ابواب الانتخابات: سياساتكم هي التي أوصلتنا الى هذه الأوضاع الخطيرة!
كفوا عن هذه الحماقات!
الانتقاد/ العدد 1184 ـ 12 تشرين الاول/اكتوبر 2006