ارشيف من : 2005-2008
إبداعات الإجرام الإسرائيلي تتواصل:الجيش الإسرائيلي معك.. سنقصف بيتك بعد قليل

لم يكن يخطر ببال الفلسطينيين في قطاع غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها الامنية سوف تطور أساليبها القمعية والعنصرية إلى حد الاتصال بشكل مباشر بالمواطنين وإبلاغهم بإخلاء منازلهم على وجه السرعة لأنها ستقوم بقصفها وتدميرها بالطائرات الحربية المقاتلة، ولم يكن يتوقع المواطنون أن الذين يتصلون على هواتفهم النقالة من رقم مجهول هم ضباط مخابرات إسرائيليون يبلغونهم بضرورة إخلاء منازلهم.
أبو العبد المملوك من سكان مدينة غزة كان أول ضحايا هذه السياسة الجديدة، فبعد منتصف ليل 23/7 كان أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية يتحدث معه بلغة عربية ركيكة "نحن من جيش الدفاع الإسرائيلي.. أخلِ منزلك على وجه السرعة، سنقوم بتدميره خلال نصف ساعة"!!
أبو العبد المملوك قال: "كنت داخل منزلي في حي الشجاعية، وفجأة رن هاتفي المحمول، وكان المتصل يتحدث من رقم خاص فأجبت، فطلب مني إخلاء المنزل لأنه سيقصف خلال نصف ساعة، اعتقدت في البداية ان المتصل يمزح، لكني علمت أن الأمر تكرر مع غيري فأسرعت إلى إخلاء المنزل" الذي دمر بشكل كامل، ليتحول هو وأسرته المكونة من 15 شخصا إلى مشردين جدد،
لكن المملوك بدا متحدياً لقوات الاحتلال وهو يقول لا مشكلة في هدم المنزل "فالحجر يمكن اعادة بناؤه، والحمد لله أنني وأسرتي سالمون، وسنعيد بناء البيت".
قصف دموي
ما حدث مع المواطن المملوك جرى مع المواطن مصطفى شعت من مدينة خان يونس، ولكن بطريقة أكثر دموية حيث فقد والده وشقيقه الأكبر في عملية قصف مماثلة استهدفت منزلهم في بلدة بني سهيلا شرقي المدينة، يروي شعت قصته: "كنت عند أحد الأصدقاء وإذا بجرس الهاتف يرن من رقم مجهول وأحد الأشخاص يتحدث معي بلكنة عربية ضعيفة يأمرني فيها بإخلاء منزلي خلال نصف ساعة.. في بداية الأمر اعتقدت انه أحد الأصدقاء يمازحني، ولكنني بعد دقائق لاحظت طائرات حربية من نوع أف 16 تحوم بشكل كثيف في مدينة خان يونس فانتبهت إلى الأمر، واتصلت على البيت وطلبت منهم إخلاء المنزل، ولكن الاحتلال قام بقصف المنزل بعد 20 دقيقة، كانت كفيلة باستشهاد والدي وشقيقي الأكبر اللذين كانا يشرفان على عملية إخلاء النساء والأطفال.
هذه القصة المأساوية لا تختلف كثيراً عن عملية قصف بنفس الطريقة العنصرية، حيث أبلغ المواطن حاتم أبو جرادات بضرورة إخلاء منزله الواقع في منطقة البرازيل في مدينة رفح، لأنه سوف يقصف بعد نصف ساعة من قبل الطائرات الحربية، وبالفعل تم قصف المنزل المكون من طابقين وتدميره بالكامل؛ ولكن طائرات الاحتلال عاودت قصف المنزل بعد أقل من عشر دقائق، ما أدى إلى استشهاد الطفلة مرام حماد (14 عاما) وإصابة 14 مواطنا آخرين معظمهم من الأطفال.
قصة صمود أسطوري..
في إحدى الليالي الفلسطينية في مدينة خان يونس وكالمعتاد رن جرس الهاتف لبيت الشهيد نضال سلامة، مسؤول الجناح المسلح للجبهة الشعبية الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي في منتصف عام 2003 بحجة قتله جندياً إسرائيلياً، ليبلغهم المتصل بضرورة إخلاء المنزل تمهيداً لقصفة بعد نصف ساعة.
سكان المنزل لم يصدقوا الاتصال وتجمع الأب والأبناء والاحفاد وقرروا عدم مغادرة المنزل ولو أدى الأمر إلى قتلهم جميعاً، انتشر الخبر في كل أرجاء الحي... وعلى أثرها تجمع العشرات من المواطنين والأصدقاء لإقناع سكان المنزل بضرورة مغادرته لكنهم رفضوا بقوة وأصروا على البقاء، ما دفع المواطنين إلى التجمهر والاحتشاد في محيط المنزل والتضامن معهم ولو كلفهم حياتهم أيضا.
الطفل محمد أسامة سلامة (12 عاما) قال لـ"لانتقاد" وهو يجلس في إحدى الشقق السكنية بمنزل جده الحاج محمد سلامه المكون من ثلاثة طوابق، بكل عزيمة وإرادة قوية "لو هدم الاحتلال بيتنا فلن يؤثر ذلك على صمودنا وعزيمتنا وإصرارنا في مواجهة الاحتلال لأننا نؤمن أن المستقبل لنا".
أما جد صاحب المنزل الحاج محمد سلامة في السبعينات من العمر فيقول "لقد أخذنا قراراً جماعياً في البيت بأننا لن نخلي المنزل بالرغم من وجود ما يزيد عن 40 شخصا معظمهم أطفال ونساء وفتيان، وقررنا مواجهة المصير بكل إيمان وإرادة، لأننا نفضل أن نموت وأن يدمر البيت على رؤوسنا بدلا من معاناة التشرد التي عانيناها على مدار سنين طويلة".
ولا ينكر الحاج سلامة أن وقفة جماهير خانيونس بجانب أسرته حيث توجه المئات منهم إلى المنزل واعتلوا سطح المنزل وأحاطوه بسلسلة بشرية لحمايته من القصف والتدمير، كان لها كبير الأثر في البقاء على قرارهم المصيري وتعزيز صمودهم، مؤكدا أن هذا الموقف موقف وطني شجاع يؤكد أن شعبنا لن يقبل الهزيمة والانكسار ويصر على نيل حقوقه المشروعة، وأي تهديد لأي أسرة في مخيمنا يعني تهديدا لكل اسر المخيم".
ووجه الحاج سلامة رسالة للإسرائيليين قائلا: "لن نترك البيت مجددا لأن "إسرائيل" هدمته عام 1989م عندما اعتقلت نجلي الشهيد نضال سلامة بحجة مقاومة الاحتلال، وبعد أن قمنا بإعادة بنائه مجددا على أنقاض المنزل القديم تأتي "إسرائيل" مرة أخرى لتهدد بتدميره".
وتساءل الحاج سلامة وعيناه تتوجهان إلى السماء لمراقبة حركة الطائرات في أجواء مدينة خان يونس "ماذا تريد إسرائيل منا"؟ أن ننكسر وأن ننحني أمام جرائمها؟ لا والله فهذا درب من دروب المستحيل وسنظل صامدين على أرضنا ولن نترك المنزل حتى وان دمر فوق رؤوسنا، فالنصر بإذن الله لنا".
وتشير التقارير الحقوقية الفلسطينية المعنية برصد انتهاكات جيش الاحتلال، إلى أن أكثر من 35 منزلا تم تدميرها بشكل كامل بطائرات أف 16، منذ عملية الوهم المتبدد حيث تم أسر الجندي الصهيوني (جلعاد شاليط).
ويخشى كثير من المراكز الحقوقية والمواطنين الفلسطينيين أن تتوسع دائرة العدوان والسياسة الاسرئيلية في هذا الاتجاه لتطال منازل القادة السياسيين لحركات المقاومة، أو نشطائها، بشكل مباشر، في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتكررة، باجتياح قطاع غزة وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة فيه بحجة البحث عن الجندي الإسرائيلي الأسير ووقف إطلاق الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة.
الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر 2006