ارشيف من : 2005-2008

عدم شرعية تدخل الأمم المتحدة في تحديد مسار العلاقات اللبنانية ـ السورية

عدم شرعية تدخل الأمم المتحدة في تحديد مسار العلاقات اللبنانية ـ السورية

اللبنانية الداعي إلى تحديد الحدود المشتركة بين البلدين وخصوصاً في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها، والى اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة وتمثيل ديبلوماسي كامل بين البلدين".‏

وبالنظر إلى مضمون ذلك القرار الدولي نجد انه يثير جملة من الملاحظات القانونية والسياسية نوجزها بالآتي:‏

1 - ان القرار المذكور يتخطى ولاية وسلطة مجلس الأمن الدولي، إذ تنص الفقرة 2 من المادة الرابعة والعشرين من الميثاق الأممي على ضرورة أن يعمل مجلس الأمن الدولي وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. ومن ضمن المبادئ الأساسية للأمم المتحدة يأتي مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الوارد في الفقرة 7 من المادة الثانية من الميثاق الأممي، والتي تنص على أنه: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطات الداخلية لدولة ما".‏

ومعلوم أن التبادل الديبلوماسي بين الدول وترسيم الحدود بينها يقعان بموجب القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة ضمن مبدأ السيادة، ولا يحق لأي جهة خارجية سواء مجلس الأمن الدولي أو غيره التدخل في المسائل الثنائية.‏

وبالتالي فإن مجرد إقدام مجلس الأمن الدولي من خلال القرار 1680 على إثارة مسألتي التمثيل الديبلوماسي وترسيم الحدود مع لبنان وسوريا يعتبر تدخلاً سافراً وبشكلٍ صريح ومباشر في شؤون البلدين الداخلية، وذلك بغض النظر عن ظروف إصدار ذلك القرار الدولي، وعن موازين القوى الدولية التي تحكمت فيه.‏

2 ـ اخلال مجلس الأمن الدولي بمبدأ تراتبية وشرعية القواعد الدولية من خلال مخالفة بناءات القرار: 1680 لمضمون الشرعة الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية دولية: فالمعيار الذي قام عليه القرار 1680 في دعوته للحكومة السورية الى اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة ورسم الحدود مع لبنان هو معيار يقوم على الاستقواء والضغط والإكراه القسري، ولو عبر الأمم المتحدة نظراً للطابع الإلزامي الذي تتسم به القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، في حين نجد أن المعيار الذي تتبناه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية في اقامة العلاقات بين الشعوب والدول وحل الأزمات فيما بينها هو معيار يقوم على أساس التفاهم والتعاون ومراعاة المصالح المشتركة بين تلك الشعوب والدول.‏

فبالنظر الى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد نص في ديباجته على أنه "من الجوهري العمل على تنمية علاقات ودية بين الأمم"، كذلك نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في البند 1 من مادته الأولى على أن: "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحده في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".‏

وبالنظر الى معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا التي صدرت في لبنان بموجب القانون رقم 57 تاريخ 29 ـ 5 ـ 1991 م نجد أنها قد أقامت العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين لبنان وسوريا على أسسٍ من التعاون والتنسيق المشترك والاحترام المتبادل لسيادة واستقلال كل منهما.‏

ومن المعلوم أن الوثائق العالمية (الإعلانات والاتفاقيات) تسمو على أحكام القانون اللبناني الداخلي، كون أن لها صفة إلزامية على الصعيدين الداخلي والخارجي، كما أنها تتقدم في مجال التطبيق على غيرها من القواعد الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي. ذلك أن قرارات مجلس الأمن الدولي هي بمثابة القرارات التنفيذية التي يجب أن تتقيد بالأحكام والنصوص الدولية المرعية الإجراء، بما فيها المعاهدات التي هي المصدر الأول لمصادر القانون الدولي. وبالتالي فإنه ليس لمجلس الأمن أن ينقض الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أو اتفاقية دولية بموجب قرارٍ صادرٍ عنه، وإن فعل ذلك، فإنه يكون قد أخلّ بتراتبية وشرعية القواعد الدولية، وهذا ما حصل فعلاً مع صدور القرار 1680.‏

3 ـ واستطراداً فإن القرار 1680 بمعيار التطبيق الإكراهي الذي اعتمده يكون قد ضرب عرض الحائط بمعلم وطني أساسي من معالم العيش المشترك والسيادة الوطنية والاستقلال السياسي في لبنان، الذي يتجسد في وثيقة الطائف للوفاق الوطني التي تتمتع بالقيمة الدستورية، والتي حددت بدورها أسس وثوابت العلاقات اللبنانية ـ السورية بالاتفاق بين حكومتي الدولتين المستقلتين، وبعيداً عن مساومات المصالح الدولية التي لا تخدم مصالح البلدين المتجاورين، حيث نصت الوثيقة المذكورة على أن: "لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الاخوية المشتركة، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده اتفاقات بينهما، في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في اطار سيادة واستقلال كل منهما. استناداً الى ذلك، ولأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا، وإن سوريا الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته".‏

4 - في الوقت الذي قدمت فيه سوريا مبادرات حسن النية تجاه لبنان والمجتمع الدولي، وذلك عبر قبولها من حيث المبدأ بالاستجابة لمطلب ضرورة إقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، وذلك عندما يحين الوقت المناسب والأجواء المناسبة، فضلاً عن قيامها بتنفيذ جميع الالتزامات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي السابق، الذي حمل الرقم 1559، والصادر في الثاني من أيلول 2004 حول سحب القوات السورية من الأراضي اللبنانية، وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه الحملات الاعلامية المتبادلة بين سوريا وبعض الأطراف اللبنانية، جاء القرار 1680 وبشهادة وزارة الخارجية الروسية متسرعاً ولا يساعد على تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا، كونه أتى في سياق مزيد من الضغوط على سوريا ولبنان وليس حرصاً على استقلال لبنان، فعلى النقيض من الجهود الحثيثة التي كانت تبذل على أكثر من صعيد لتوفير مناخات ملائمة لإقامة علاقات جيدة بين لبنان وسوريا، يؤدي صدور ذلك القرار الى نسف هذه الجهود ويدفع بالعلاقات الى اجواء محكومة بالتوتر، ويرهنها لمساومات المصالح الدولية التي لا تخدم مصالح الدولتين المتجاورتين، ويفسح المجال أمام المتضررين من ترتيب علاقات طبيعية بين البلدين، للتأثير سلباً على مستقبل هذه العلاقات.‏

ومن جهة أخرى فإن عدم تطرق القرار 1680 الى انتهاك سافر يمارس يومياً ضد السيادة اللبنانية، يتمثل في الخروق الاسرائيلية المتمادية براً وبحراً وجواً، يُمثل دليلاً ساطعاً على عدم حرص القرار المذكور على استقلال لبنان وسيادته كما يزعم المندوب الاميركي في مجلس الأمن السفير جون بولتون، وخصوصاً عندما تكون الجهة المعتدية هي "اسرائيل"، كل ذلك يأتي في اطار خطة واضحة لتحويل لبنان محمية دولية ـ اميركية، كما ورد في مذكرات (موفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف متابعة تنفيذ القرار 1559) تيري رود لارسن عن الاشراف الدولي على القضاء والقوات المسلحة والهيكلية السياسية والاقتصادية في لبنان، وهذا الأمر لن يتحقق الا عبر قرارٍ دولي كالقرار 1680 يساعد على اشعال حرب أهلية من خلال التحريض على ضرب المقاومة وتقويض السلم الأهلي.‏

*** لكل هذه الأسباب المذكورة سابقاً يبدو مجلس الأمن مطالباً بتصويب ما ورد في حيثيات قراره الرقم 1680 لجعله أكثر انطباقاً على الواقع الفعلي في لبنان بمحيطه الاقليمي والدولي، ومنسجماً مع الأحكام القانونية النافذة والملازمة على الصعيد الدولي، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية المرعية الإجراء.‏

الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر 2006‏

2006-10-13