ارشيف من : 2005-2008
رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد لـ"الانتقاد":الحكومة ساقطة لأنها تنكرت للمقاومة وطعنتها في الظهر

ومن ثم أسامة موقعاً لصيقاً بالقضايا الوطنية والقومية، بل انها تعتبر محور عمل وفهم التنظيم..
النائب أسامة سعد واحد من الشخصيات السياسية الوطنية التي لم تبدل موقعها خلال ما شهده لبنان من متغيرات في العامين الماضيين، منذ صدور القرار 1559 وحتى عدوان تموز الاخير، الذي كان التنظيم خلاله ـ حسب تأكيده ـ "في جهوزية، لمواجهة اي عدوان على المدينة ومحيطها بدءاً من الزهراني إلى شرق صيدا بالتنسيق مع الأخوان في الحزب (حزب الله)".
في مكتبه الكائن بالقرب من "ساحة الشهداء" في صيدا "يحزن" سعد لما آلت إليه حال بعض القيادات الجديدة في البلد، والتي برأيه تجاوزت كل الخطوط الحمر فيما يتعلق بالدور التاريخي الذي كانت تلعبه فيما مضى لجهة الدور التوحيدي الحامي للوحدة الوطنية، وللعروبة، وللمقاومة.
ولم يتوقف عند هذا الحد بل حمل السلطة ومن خلفها الأكثرية مسؤولية التشنج الطائفي والمذهبي، مشيراً إلى أنها ماضية في المشروع الأميركي الذي ينذر بمضاعفات كبيرة على الساحة اللبنانية.
هذا الكلام أتبعه برد من خلاله على من يدعون أنهم عرب في حين "هم ملتحقون بالركب الأميركي!"، ولا يتردد في القول إن هذه الحكومة ساقطة لأنها تنكرت لبيانها الوزاري فيما خص المقاومة وتحرير الأرض والأسرى، لا سيما أن بعض أقطابها طعن المقاومة خلال العدوان بالظهر، وبالتالي يجب تغييرها اليوم قبل الغد.
"الانتقاد" زارت النائب سعد في صيدا وناقشته في مجمل التطورات التي تشهدها الساحة الداخلية، وعادت بهذه الأجواء:
* نبدأ من صيدا التي حضنت أهل المقاومة خلال فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان، كيف تقوّم هذه التجربة ونتائجها؟
ـ عندما استقبلت صيدا أهل المقاومة أثناء العدوان إنما استقبلتهم انطلاقاً من التزامها القومي والوطني، وكان احتضانا سياسيا ومعنويا أكثر منه احتضانا إنسانيا وخدماتيا، ثم ان حضور المقاومة وتضحياتها ووعيها وصمود أهلها، كلها عوامل أسقطت أهداف العدوان الإسرائيلي، وصنعت نصراً إستراتيجياً. وان الذي تحقق شكل نقطة تحول إستراتيجية في هذا الصراع، في زمن نشهد فيه انهزاماً عربياً غير مسبوق على المستوى الرسمي، وتصاعداً للهجمة الأميركية ضد الأمة العربية والإسلامية. ونحن نرى أن ما تحقق لا بد أن يترجم لا على المستوى اللبناني فحسب، إنما على المستوى العربي أيضاً.
انتصار استراتيجي
* تجد ما تحقق انتصاراً برغم كل هذا الدمار الذي ألحق بلبنان، والقرار 1701 والمراقبة..؟
ـ بالتأكيد انتصار، لان المقلق في الأمر هو المتعلق بالمسار السياسي، وإلى أين يمكن أن نصل في محاصرة المقاومة، أما الأمور الأخرى المتعلقة بحجم الخسائر البشرية والتدميرية فلا تقارن بالدفاع عن الكرامة الوطنية.
* برأيك هل من خطر اليوم على المقاومة، بعد هذا المسار السياسي القائم؟
ـ هناك محاولات لمحاصرة المقاومة، خصوصاً أن للقرار 1701 قراءات وتفسيرات مختلفة، نحن نطالب أن تكون هناك قراءة واضحة للقرار، لأننا سمعنا مواقف تتعلق بالقرار الدولي من فرنسا إلى ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى الإسرائيلي، تحاول أن تفسر القرار بما ينسجم مع مصالحها بدءا من قواعد فك الاشتباك وصولاً إلى المعابر البرية والجوية والبحرية، والمؤسف أن الحكومة اللبنانية لم تسجل أي موقف مما يحصل، بل بالعكس، لولا الاعتراض الداخلي من قبل المقاومة وحلفائها لوجدنا مزيداً من الوصاية الكاملة والإطاحة بكل ما يسمى بالسيادة اللبنانية.
* من تقصد بالدعوة إلى قراءة واضحة للقرار 1701؟
ـ الحكومة اللبنانية، عليها أن توضح لشعبها مفهومها للقرار، فنحن فهمنا مما صدر عن قائد الجيش اللبناني أن القوات الدولية ستنتشر إلى جانب الجيش اللبناني للدفاع عن لبنان، غير أن الحكومة اللبنانية لم تؤكده!.
* .. لكن سبق للحكومة أن أكدت أن القوات الدولية ستؤازر الجيش اللبناني لأجل بسط سيادته على كل الأراضي اللبنانية؟
ـ صحيح، ولكن أين تعليق الحكومة اللبنانية على ما نشر خلال الأيام الماضية حول ما يسمى "قواعد الاشتباك". فاليونيفل أعطى لنفسه الحق في استخدام قوة الردع، وهذا غير منصوص عليه في القرار الدولي.
* لماذا يتم التعاطي مع الحكومة دوماً من باب التشكيك؟
ـ أولاً أنا من المعترضين على الحكومة، ثانيا لقد خبرناها قبل وبعد وخلال العدوان، قبل العدوان كانت الحكومة تستجيب لمطالب الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، وبالتالي لم يكن لديها أي برنامج وطني يعتد به، وخلال العدوان يكفي ما نشر أو لم ينشر حول مسلك الحكومة وحلفائها في قوى 14 آذار، وهو أمر معيب ومؤسف على كل المستويات الوطنية والأخلاقية، أما ما بعد العدوان فما زلنا نشهد فصول الإهمال والاستهتار بحقوق الناس وبأوضاعهم فيما خص ملف الإعمار، هذا عدا عن القرارات التي أبرمتها الحكومة مع الجهات الدولية.
* الرئيس السنيورة تحدث عن مقاومة دبلوماسية، هل المقاومة المسلحة لا تحرر ارضاً، انما الدموع؟
ـ (يبتسم) لا اعرف إذا كان هؤلاء يقرأون التاريخ، منذ بداية صراعنا مع العدو الإسرائيلي.. متى أتت الدبلوماسية بحل لحل قضايانا وحقوقنا؟ بقينا ما يزيد عن العشرين سنة لتطبيق القرار 425 ولم يطبق إلا بقوة المقاومة، وهذا النموذج الفلسطيني أمامنا.. فمن يُرِدْ أن يذهب إلى تسوية فليتسلح بعوامل القوة، علماً أن آفاق التسوية مغلقة والمنطقة مفتوحة على مزيد من الصراعات، وهذا قصر نظر من الحكومة وممّن يطالب بالدبلوماسية لمعالجة المشاكل، لذا علينا أن نحضر أنفسنا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية والإعلامية للمواجهة.
* التوغل الاسرائيلي ضمن الاراضي اللبنانية بلغ كيلومترات، هل كنتم كفصيل مقاومة مستعدون لمواجهة الاجتياح البري؟
ـ كنا طبعاً حضّرنا أنفسنا، مع الأسف الأخوان في الحزب لم يعطونا فرصة المشاركة بالمناطق التي كانت المعارك دائرة فيها، وكان رأيهم أنهم غير محتاجين لأي دعم، وفي حال احتاجوا لن يوفرونا، ونحن كان عندنا جهوزية، بمعنى استعداد نفسي وتوافر الإرادة عند غالبية الشباب في التنظيم، وأيضا جهوزية لها علاقة بالتحضير لأي احتمال يتعلق باستهداف المدينة ومحيطها بدءاً من الزهراني إلى شرق صيدا. بعض الإجراءات اتخذت على المستوى الأمني والعسكري، وكان هناك تنسيق مع الأخوان في الحزب، طبعاً موضوع المقاومة جزء من ثقافتنا وتاريخنا. ففي العام 1936 ذهب معروف سعد مع مجموعة من الشباب إلى حيفا والتحقوا بثورة عز الدين القسام، وكانت هذه المدينة شاركت في الثورة الفلسطينية وأضربت مع فلسطين في ذلك الوقت لمدة ستة أشهر، وذلك قبل انشاء الكيان الصهيوني، ولم تغب المدينة اساساً عن أي محطة، في العام 48، وفي كل المحطات التي كانت فيها اعتداءات على جنوب لبنان، كان شباب من صيدا يشاركون في مواجهات مع العدو الصهيوني، فهذا جزء من ثقافتنا وإرادتنا.
التغيير الحكومي
* بالعودة إلى الشأن الداخلي، كنت حذرت في كلام لك مؤخراً من اخذ لبنان وإلحاقه بالنظام الرجعي العربي الانهزامي المولّد للأزمات والفتن الدموية، هل بدأت تتلمس عناصر هذا الانزلاق؟
ـ بالتأكيد، ما تقوم به السلطة ليس بالأمر الجديد. أساساً هي تستند وتتغذى على التحريض الطائفي والمذهبي وتعيش عليه، الآن في لبنان نشهد بداية محاولات حثيثة من قبل الأميركي ليكون لبنان شبيهاً بالأنظمة العربية الملتحقة بالسياسات الأميركية وبإرادتها، فالأخيرة تحاول أن تطوع البلد، وان تجعل منه سلطة تلتحق بالكامل بالمشروع الأميركي حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار، أو أن يؤدي نوعا من النظام الأمني المتعسف والمتسلط في الساحة اللبنانية، وقد شهدنا مؤخراً نموذجا عنه في محلة الرمل العالي من خلال فرض تطبيق القوانين على الفقراء بشكل دموي، خصوصاً أننا نعيش نظاماً ديموقراطياً من حيث الشكل فقط، وهذا الأمر قد يتيح لهم بتركيب سلطة شبيهة، أو مشوهة للنظام العربي.
* إلى هذا الحد باتت الممانعة الداخلية هشة؟
ـ أنا أقول لن ينجحوا بذلك، بل هناك محاولات. هذه السلطة عندها مجموعة مطالب أميركية ودولية وقد تكون إسرائيلية، تسعى لتمريرها على الساحة الداخلية، من مثل نزع سلاح المقاومة، هل هو مطلب لبناني أم إسرائيلي أميركي أولاً، ثم أصبح مطلباً لبعض الداخل عندما طلبت ذلك "إسرائيل" وأميركا.
* إذا كانت السلطة غير مؤتمنة على المستقبل وعلى الشباب اللبناني كما قلت مؤخراً، هل المطلوب إسقاطها؟
ـ صحيح، أنا أدعو للتغير.. هذه الحكومة ساقطة لأنها تنكرت لبيانها الوزاري فيما خص المقاومة وتحرير الأرض والأسرى، لا سيما أن بعض أقطابها طعن المقاومة خلال العدوان، فضلا عن تقصيرها في إزالة آثار العدوان.
* ..ألا تخشى بعد إسقاطها أن نقع في فراغ سياسي، وهذا ما حذر منه بعض حلفائك؟
ـ صحيح، أعتقد أن المذكرة التي أصدرها رؤساء الحكومات السابقون تجيب عن هذه المسألة، هو أن يتم التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية..
* .. البعض وصفها بـ"حكومة ريف دمشق"؟
ـ (ضحك) هؤلاء لم يعد لديهم أي منطق لمقاربة المواضيع سوى رمي الاتهامات جزافاً، وهذا المستوى المتدني للأداء السياسي الذي تقوم به الأكثرية المسؤولة عن استقرار البلد، هو نتيجة التحاقها بالمشروع الأميركي، وتسعى من خلاله لتوليد الأزمات وتعريض البلد لأفدح الأخطار.
*.. المنطق الأكثري يقول إن أقصر الطرق لتغيير الحكومة هو تغيير رئيس الجمهورية، أي تشكيل حكومة جديدة يصبح حتمية دستورية وسياسية؟
ـ موضوع رئيس الجمهورية بحث على طاولة الحوار، وتم تأجيله، لماذا يثار مرة أخرى الآن، أما بشأن الموضوع الحكومي فنحن نتحدث عن معطيات جديدة نتجت خلال العدوان الإسرائيلي لها علاقة بالانتصار والصمود، وتنكر الحكومة لبيانها الوزاري، إلى أهمية معالجة آثار العدوان، وكيفية التعاطي مع القوات الدولية، والقرار الدولي، من هنا نحتاج لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية من أجل مواجهة كل هذه الاستحقاقات وإدارة كل هذه الأزمات، فإذا كانت قوى 14 شباط تأخذ البلد باتجاه الأميركي، وتصر على جعل لبنان منصة لتنفيذ سياسات أميركية وإسرائيلية فنحن في مواجهة معها.
الفتنة الطائفية
* نجد اليوم من يعمل على التجييش المذهبي، ويتحدث عن احتكار القرار السياسي في طائفة ما، الاحتكار هو نفسه ربما الذي منعك أن تكون على طاولة الحوار، أو ان تكون في حكومة وحدة وطنية قادمة، الى اين قد يأخذنا هذا الواقع؟
ـ بالنسبة للتحريض الطائفي ليس بالأمر الجديد علينا، لان هذا النظام قائم على العصبيات والتوازنات الطائفية المذهبية، ولكن دائماً كانت هذه المسائل مضبوطة إلى حد ما، وحتى بالرغم من اختلافنا مع رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري لم يتجاوز الخطوط الحمر. أما ما نشهده من القيادات السنية الجديدة غير ذلك، بل هي تتجاوز الخطوط الحمر فيما يتعلق بالدور التاريخي للكتلة السنية في لبنان الذي هو دور توحيدي حامٍ للوحدة الوطنية، ولعروبة البلد، وللمقاومة، وهذا الأمر خطير.
* كمعارضة ما هي أوراق القوة لديكم لفرض التغيير الحكومي؟
ـ أعتقد أن هناك مشاورات ما زالت قائمة بين قوى المعارضة، ويبقى أن الأسلوب الذي سيتبع لتغيير الحكومة لا بد أن يكون ديموقراطياً وسلمياً، أما كيف؟ فنتمنى أن يقتنع الآخرون بكيفية بناء استقرار البلد في المرحلة القادمة، وإلا علينا أن نستخدم وسائل ضغط أخرى، لكن في الوقت ذاته علينا أن لا ننسى أن الساحة اللبنانية مستهدفة على كل المستويات الإسرائيلية الأميركية، وخصوصاً أن هؤلاء "آخذين راحتهم" في ظل هكذا سلطة ووزارة داخلية ومفاهيم يؤمنون بها!
أصابع إسرائيلية
* سوريا طالبت بأن يشمل عمل لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري والجرائم الـ14، جريمة اغتيال الشهيدين المجذوب؟
ـ نحن أولاً لا نؤمن بالتحقيق الدولي، لأنه عندما نذهب إلى محكمة دولية، فهذا يعني تخلينا عن سيادتنا، وأسأل أين أصبح التحقيق مع شبكة الموساد (ابو رافع) التي اعتقل بعض أفرادها مؤخراً.
* ..الى ماذا يقودنا هذا الامر؟
ـ يقودنا إلى وجود أصابع إسرائيلية في التفجيرات، وقد تكون للأخيرة علاقة بشكل أو بآخر باغتيال الحريري، لانه تبين أن المستفيد من هذا الاغتيال هو الأميركي والإسرائيلي، في حين ان جريدة "السياسة" الكويتية ونقلاً عن "الصديق" اعتبرتني محرضاً على الرئيس الحريري نتيجة خلافات سياسية معه، وإذا كانت هذه المعايير فهذا يعني أن على كل السياسيين أن يركنوا في بيوتهم!
* .. بالمناسبة وزير الداخلية أحمد فتفت قال أمراً مشابها من دار الفتوى، يتهم فيه بعض الصحف اللبنانية بالتحريض لاغتياله سياسياً؟
ـ (مقاطعاً) هو راح يستقوي بالمفتي على الطوائف أخرى، هذه سخافة من وزير مسؤول ذهب ليحتمي بعباءة المفتي ضد الآخرين..(يصمت قليلاً) يا ليت ذهب إليه في قصة مرجعيون.
* هل من تخوف حقيقي من اهتزاز الوضع الداخلي في ظل ما نشهده من حالة اختناق؟
ـ كثيرون من يعتبرون أن الوضع الداخلي اللبناني هش، وأنه الحلقة الأضعف في هذا الواقع العربي، لكن أعتقد أن الصمود الذي أبدته المقاومة بعد هذا العدوان، والتضامن الوطني التي شهدته الساحة الداخلية، أعطى البلد حصانة كبيرة، وخصوصاً أن هناك قوى أساسية حريصة أن لا تتّخذ الأمور منحى تصادمياً أو مواجهة، هذا لا يعني أن ليس هناك خلايا أميركية وإسرائيلية مرتبطة ببعض الأنظمة العربية تعمل على تخريب الوضع في لبنان، وقد نشهد مجموعة مقدمات متعددة الأشكال تستهدف اتجاهات متعددة، غير أنني أعتقد حتى هذه اللحظة أن الواقع السياسي محصن.
حوار: أمير قانصوه وحسين عواد
الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/اكتوبر2006