ارشيف من : 2005-2008
قدمت شهيدين ودمر لها دار الحوراء وتضررت مستشفى الشهيد صلاح:الهيئة الصحية الاسلامية: تضحيات بلا حدود

هذه الايام سيفاجأ حين يصل بأعلام ورايات ترتفع فوق مكان مدمر تقول الاشارات اليه انه هنا كانت دار الحوراء.. ودار الحوراء حتى لا يضل أحد ممن لا يعرفها هي مركز طبي للعناية بالأم والطفل، اشتهر في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ نحو عشرين عاماً بتضميده لجراح الناس ورعايتهم والعناية بالاطفال، وهو من مراكز الرعاية الصحية الاولية وبمثابة مستشفى صغير بالنظر الى حجم خدماته. ومعروف هذا المركز لدى الكثير من المنظمات الانسانية الدولية، وهو مرمز لديها بأنه مركز صحي.
هذه الدار على شهرتها الانسانية رمّزها العدو وأدخلها في بنك الاهداف لديه كـ"مركز ارهابي"، وحولها في لحظة وتحت انظار العالم كلّه إلى أنقاض.. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل حتى مستشفى الشهيد صلاح غندو في بنت جبيل كان عرضة للاعتداءات، وهذا ما ساهم في الحد من فعالية المراكز الصحية التابعة للهيئة الصحية الاسلامية على جميع الأراضي اللبنانية، لكن الهيئة ومن ضمن مسيرة الصمود والمواجهة كانت باتكالها على الله أقوى من جبروت العدو، ولم تمنعها كل اعتداءاته من مواصلة رسالتها في جميع مراكزها ومن خلال فرق الطوارئ التي أطلقتها مع بداية العدوان.
في العام 1984 نشأت جمعية الهيئة الصحية الاسلامية واضعة نصب أعينها أهدافاً كثيرة وكبيرة، وفي طليعة هذه الأهداف خدمة المستضعفين والمحرومين على الصعيدين الصحي والاجتماعي، والوقوف إلى جانب المجاهدين في الصفوف الأمامية، وخدمة اللبنانيين عموماً، ومنهم الموجودون في القرى التي تعرضت للاعتداءات الصهيونية إبان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب والبقاع والغربي، انطلاقاً من أهدافها هذه وقفت الهيئة منذ انطلاقتها الى جانب أهلنا لتسعفهم وتضمد جراحهم، وأهم وقفاتها التي تسجل لها كانت خلال عدوان تموز في العام 1993 وعدوان نيسان في العام 1996، وارتفع من بين أفراد أسرتها عدد من الشهداء بين إداريين ومسعفين وممرضين على مدى اثنين وعشرين عاماً من الوعد والصدق.
عندما تقترب من الهيئة الصحية الاسلامية تشعر ان عبق الشهادة يعطر مسيرتها، فإن تحدثت عن ضحايا الاعتداءات الاسرائيلية تجد يداً تمتد لبلسمة الجراح من تحت الأنقاض، ليتحول العامل في الهيئة من مسعف إلى رافع أنقاض للوصول إلى هدفه، والطبيب إلى مقاتل في اختصاصه لانتزاع ما اخترق جسد الضحايا من حديد قنابل العدو، الغبية منها والذكية.
على امتداد الوطن كان انتشار مراكز الهيئة الصحية (65 مركزاً) ولهذا لم تسلم معظم هذه المراكز من العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، وفي طليعتها مستشفى الشهيد صلاح غندور الذي تعرض لاعتداءات مباشرة بالرغم من أنه أشهر من نار على علم، يرفع راية بيضاء تتوسطها نقطة دم حمراء يحضنها هلال للدلالة على أنها مؤسسة انسانية، وتم تدمير جزء كبير من المستشفى. وارتفع من أسرتها الشهيد أمير فضل الله أثناء مشاركته في المواجهات البطولية التي خاضتها المقاومة الإسلامية في بنت جبيل، وهو الشهيد الثاني من أسرته. كما التحقت به زوجته وطفله بعد قصف منزله في بلدته عيناتا.
في بئر العبد كانت دار الحوراء على موعد مع همجية هذا العدو، فتعرضت للقصف والتخريب، وارتفع من طاقم الدار الشهيدة الممرضة الهام هاشم صاحبة الاستقبال الحسن لجميع مرضى العيادات الخارجية.
واستمر العطاء إبان العدوان ولذلك شكلت الهيئة الصحية العديد من فرق الطوارئ الميدانية للمساهمة في صمود أهلنا النازحين، وقامت فور قصف الضاحية الجنوبية وتوجه الناس إلى غرب بيروت بمواكبتهم صحياً وتأمين الأدوية لهم في أماكن نزوحهم عبر فريق من الأطباء والممرضات والمتطوعين يزورونهم بشكل جولات متكررة حيث بلغ عدد المستفيدين 199261 شخصاً في بيروت والجبل وجبيل في مجال الخدمات الصحية.
أما في مجال المعاينات الطبية فقد سعت الهيئة الصحية الاسلامية إلى تغطية الجوانب الصحية من خلال الكشف الصحي، وسيرت ما يقارب 150 فرقة طبية مؤلفة من طبيب وممرضة، وقد وصلت نسبة المستفيدين من هذه الخدمة في مناطق النزوح إلى 194269 شخصاً. على صعيد تأمين الأدوية سعت الهيئة الصحية ومن خلال علاقاتها مع المنظمات المانحة لتأمين الكثير من الأدوية المطلوبة، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، وتم توزيعها من قبل مندوبين على النازحين في أماكن تمركزهم ليصبح مجموع ما قدمته الهيئة خلال فترة العدوان 202657.
خلال فترة العدوان ونظرا لحاجة الأطفال إلى تناول "الطعوم" المخصصة للفئات العمرية المتفاوتة، فقد بادرت الهيئة وكانت السباقة في إطلاق حملات التلقيح ضمن مراكز النزوح خوفاً من انتشار الأوبئة، حيث شملت الحملة 3029 طفلا من عمر السنة حتى الخمس سنوات في مختلف المناطق، وقد تم تلقيحهم بلقاح Polio – Measles – M.M.R..
في التثقيف الصحي وخوفاً من انتشار الأمراض الخطرة على أهلنا النازحين، عمدت الهيئة الصحية ومن خلال فرق من المتطوعين الصحيين الى نشر الارشادات الصحية، كما أنشأت فرقا متخصصة بالرصد وتألفت كل فرقة من ضابط صحي وعدد من المتطوعات للتدخل عند وجود مشاكل لحلها أو عرضها على المعنيين للعمل على معالجتها، كما تم لصق ملصقات تتضمن إرشادات صحية في مختلف أماكن النزوح.
في العلاقات مع الجمعيات المحلية والدولية لم توفر الهيئة جهداً لمد يدها إلى الجميع في سبيل التعاون والتنسيق من أجل التخفيف عن أهلنا النازحين من خلال التبرعات والمساعدات العينية والطبية، فكان لها العديد من الاجتماعات واللقاءات مع الوفود الأجنبية والعربية، ومن ضمنها تجمع الهيئات الأهلية وجمعية أطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي وممثل الأمم المتحدة في لبنان واليونيسيف ووفود دولية كثيرة من تركيا وماليزيا والسودان والاتحاد الأوروبي وقطر.
لا بل إن الهيئة الصحية الإسلامية تعتبر جمعية أطباء بلا حدود وهيئة الإغاثة العليا في ماليزيا وجمعية أطباء العالم والهلال الأحمر الإيراني، شركاءها في عملها لمواجهة العدوانية الصهيونية، وهنا أيضا يسجلون عتبهم وبمحبة عن عدم التعاون الكافي من قبل الكثير من المنظمات الدولية لتأمين وصول الفرق الصحية إلى المناطق المحاصرة، وخصوصاً أن العدوان الصهيوني لا يوفر في ضرباته أي وسيلة اسعاف كما قال المدير العام لجمعية الهيئة الصحية المهندس عباس حب الله.
بعد انتهاء العدوان أكملت الهيئة الصحية مهمتها في خدمة أهلنا والتخفيف عنهم، فقامت بمواكبة العائدين إلى قراهم ومدنهم لرعايتهم، لذلك قامت بتقسيم العمل على مستويين. ويفيد حب الله "أن الجزء الأول كان العمل على تسيير مستوصفات نقالة ضم كل واحد منها طبيبا وممرضة مزودين بعدد من الأدوية اللازمة والضرورية للقيام بجولات منتظمة لمجموعة من القرى ومعاينة المرضى وصرف الدواء دون مقابل. وقد بلغ عدد المستوصفات تلك 38 مستوصفا تقوم بتغطية نحو 300 قرية، هذا إضافة إلى مراكزها الثابتة التي تبلغ 13 مركزاً طبياً و30 مستوصفا طبيا و20 عيادة أسنان. والجزء الثاني هو العمل على الرعاية الصحية والاجتماعية التي تعنى باللقاحات والإرشادات الصحية وسلامة البيئة العامة، إضافة إلى الرعاية النفسية التي بدأت الجمعية وبالتعاون مع بعض الجهات المختصة بالجانب النفسي على إعداد بعض الدراسات لمعرفة الآثار السلبية التي تركها العدوان، والعمل على معالجتها قبل استفحالها.
أما بالنسبة لجهاز الدفاع المدني في الهيئة الصحية فسيكون له تحقيق خاص.
جعفر سليم
الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر2006