ارشيف من : 2005-2008
دعم استثنائي في المدارس الرسمية وحجب عن الخاصة:الكتاب المدرسي يحني ظهور التلاميذ والأهل معاً

فاليوم يعود التلامذة إلى مدارسهم أو ما تبقى منها في ظروف استثنائية على الصعد كافة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي بعد العدوان الصهيوني الأخير على لبنان.
ولا عودة إلى المدرسة من دون كتاب لطالما شكل ثمنه عبئاً إضافياً على كاهل الأهل، فكيف والعبء هذا يأتي ليضاف إلى أعباء أخرى كثيرة لا يكاد معها المواطن يستطيع سد رمق الحياة.
وإذا ظن البعض أن في الأمر مبالغة، فالنصيحة هي التالية: جولة صغيرة على مكتبات لبنان في هذه الأيام كفيلة بإيضاح الصورة التي تبعث في جانب منها على الاطمئنان لجهة مجانية الكتاب المدرسي الرسمي، أما في الجانب الآخر فأعداد كبيرة من أهالي تلامذة المدارس الخاصة مع لوائح كتب طويلة لا يقل ثمن اللائحة عن 150 ألف ليرة لبنانية حدا أدنى، ليرتفع هذا الرقم بحسب كل مدرسة، حتى أنه ليفوق في أحيان عدة ضعفي هذا المبلغ.
ماذا في جانب الصورة الإيجابي؟
الكتاب المدرسي مجاني للمرة الأولى في لبنان، والفضل طبعاً ليس لدولة طالما غاب دعمها ليس فقط للكتاب المدرسي، بل لقطاع التعليم الرسمي برمته.. إنما الفضل يعود الى المساعدات والمبادرات العربية، ومن بينها مبادرة دولة قطر التي تكفلت بالكتاب المدرسي الرسمي بحيث يصبح مجانياً، فيما تكفلت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالقسط المدرسي والقرطاسية في المدارس الرسمية.
هذا على صعيد الكتب في المدارس الرسمية، ولكن ماذا عن كتب المدارس الخاصة؟
في إحدى المكتبات وقف عدد من الأهالي في طابور، كل ينتظر دوره ليدفع ثمن ما اشتراه من كتب.. وقفت إلى جانبي سيدة حملت بين يديها كتباً لم يتعدَّ عددها الثمانية، إضافة إلى كتابي تطبيقات، سألتها إذا ما كانت اشترت كل الكتب المطلوبة، فأجابت نافية: "لم أشترِِ الكتب الأساسية بعد (أي كتب العلوم واللغة الأجنبية التي غالباً ما يكون ثمنها هو الأغلى).
انتظرت تلك السيدة دورها لتدفع، فجاءت الفاتورة بقيمة 82.500 ليرة لبنانية، نظرت إليّ فسألتها: "غالي؟"، فأجابت: "طبعاً غالي، فهناك كتب أخرى لم نبتعها"، متسائلة: "ماذا يفعل من كان لديه أكثر من ولد"؟ ثم خرجت من المكتبة على أن تعود لاحقاً لشراء ما تبقى من الكتب (ربما إلى حين يتوافر معها المبلغ اللازم).
في إحدى زوايا المكتبة وقف رجل وزوجته يحملان لائحتين من الكتب، بدا كأنهما يتساءلان حول تكلفتها، تسألهما كم يتوقعان أن تكلفهما الكتب، فيجيبون: "ليس أقل من 100 دولار".
هذا الرجل وزوجته يعمل كلاهما لتأمين مستلزمات المدرسة الخاصة، هما يقولان إن مستوى التعليم الرسمي في لبنان وعدم اهتمام الدولة به دفعا بهما إلى تسجيل ابنتيهما في مدرسة خاصة برغم أن أقساطها ومتطلباتها الاخرى قد تحرمهم الكثير من الأمور الحياتية طيلة أيام السنة.
وفيما راح بعض الأهالي ينتقون الكتب ليشتروها، اكتفت سيدة بمعرفة أسعار الكتب من دون شرائها، لتخرج باتجاه مكتبة أخرى وتفعل الشيء نفسه، فهي ما زالت في بداية جولتها على المكتبات.. "ألف ليرة بتفرق بهالإيام"، تقولها لتوضح لك طبيعة ما تقوم به.
وإزاء غلاء الكتب وصعوبة تسديد ثمنها وعجز البعض أحياناً عن ذلك، قد يشكل التبديل حلاً أو شبه حل أحياناً، وقد يكون لا نفع منه على الإطلاق في أحيان أخرى.
ففي بعض المكتبات التبديل يكون على الشكل التالي: تشتري المكتبة الكتاب المستعمل بربع سعره، ولكن إذا أراد الأهل استبدال الكتاب الجديد بالقديم فإنهم يدفعون نصف ثمنه الأساسي.
هذا الأمر يحدث إذا كان هناك إمكانية للتبديل أو لبيع الكتاب، ولكن ما الحل لدى عدم إمكانية ذلك أصلاً مع وجود طبعة جديدة للكتاب على المكتبة والمدرسة الالتزام بها؟
هنا تبرز ظاهرة ليست بجديدة على صعيد الكتاب المدرسي، إذ يعمد بعض دور النشر إلى إصدار طبعة جديدة للكتاب خلال مدة زمنية قصيرة بعد إصدار الطبعة الأولى، بحيث يصبح الكتاب القديم غير ذي فائدة، ناهيك عن أن الطبعة الجديدة لا تختلف عن التي تسبقها إلا من حيث الغلاف والشكل، أما المضمون فلا يكاد يختلف.
ولعل هذه الظاهرة تتسبب في كثير من الأحيان بغلاء سعر الكتاب، إذ ان كمية الكتب التي تشتريها المكتبة من دار النشر لا يمكن ارتجاعها عند إصدار طبعة جديدة، ما يعني خسارة بالنسبة للمكتبة. من هنا تقوم المكتبة في خطوة استباقية برفع سعر الكتاب ما بين 20% إلى 30%، بحيث تضمن ربحها إذا ما قامت دار النشر بإصدار طبعة جديدة. وهنا يرصد الكثير من المخالفات في ظل غياب الرقابة الصارمة من قبل الوزارات المعنية، خصوصاً أن بعض المكتبات غير مسجل في وزارة الاقتصاد.
قد يتساءل البعض: ما العبء الذي يشكله ثمن الكتاب على ذوي تلامذة المدارس الخاصة مقارنة بالأقساط التي يدفعونها؟ وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يلي:
1 ـ بعض الأهالي يسجل أولاده في مدارس خاصة ولكن نصف مجانية، وفي هذه المدارس قد تضاهي فاتورة الكتاب القسط المدرسي.
2 ـ بعض التلامذة يدخلون إلى مدارس خاصة عن طريق منح تعليمية في بعض الأحيان لا تغطي ثمن الكتاب.
3 ـ بعض الأهالي أراد أن ينقل أولاده إلى مدرسة رسمية نتيجة الآثار التي خلفها العدوان، لا سيما البطالة وصرف العمال من المؤسسات، إلا أنه لا أمكنة لهؤلاء في المدارس الرسمية.
4 ـ بعض الأهالي كان قد رتب أموره (السكن، الباص..)، كما كان دفع رسم التسجيل في المدرسة الخاصة بحيث تعذر عليه نقل أولاده إلى مدرسة رسمية.
(*) الاثنين المقبل يعود تلامذة قطاع التعليم الرسمي إلى مدارسهم، الاثنين الماضي سبقهم تلامذة المدارس الخاصة، هؤلاء أحنوا ظهورهم لثقل حقائبهم وما تحتويها من كتب، أما ظهور أهاليهم فأحناها وضع معيشي واقتصادي متردٍّ وحكومة لا ترى ولا تسمع وربما لا تقرأ في أي كتاب!..
الانتقاد/ العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/اكتوبر2006