ارشيف من : 2005-2008

لماذا غيّب بيان المطارنة ملفّ المُهجَّرين ورضي بتهميش المسيحيين؟

لماذا غيّب بيان المطارنة ملفّ المُهجَّرين ورضي بتهميش المسيحيين؟

واشمئزاز صانعيه الدوليين والإقليميين منه، وذلك بعد أكثر من عام ونيّف على المحاولات الفاشلة للإمساك بمقدّرات البلاد والعباد، وعدم استيعاب خطط الهيمنة الموضوعة في الغرف المعتمة والمغلقة في السفارة الأميركية في محلة عوكر.‏

وقد حدّدت القوى المعارضة موعد التشييع الرسمي لهذا المسلسل الذي جرى "تمغيطه" أكثر من اللازم، بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وفقاً للطقوس الديمقراطية المعمول بها في كلّ أنحاء العالم المتطوّر، ومن دون وعيد أو تهديد، بل بالتي هي أحسن، أي بإجراء تغيير حكومي يضمّ كلّ الأطراف السياسية من دون إلغاء أحد أو استبعاد أحد، وذلك استناداً لما ينصّ عليه اتفاق الطائف، فتكون حكومة وحدة وطنية تُنْقذ لبنان من الأزمات الواسعة التي أدخلته "القوى الشباطية" فيه وترفض أن تَعْتبر منها، ومن ثمّ بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفقاً لقانون عادل وشفّاف يتيح للجميع المشاركة ودخول الندوة البرلمانية، ويُظهر التمثيل الحقيقي لهذه "القوى الشباطية" التي وصلت على أكتاف غيرها.‏

وتقول إحدى شخصيات المعارضة العاملة ضمن كتلة نيابية بارزة لـ"الانتقاد": إنّ هذه الأكثرية الموهومة لا تملك إلاّ التسلّط، ثمّ التسلّط، ثمّ التسلّط، فهي تطالب باتفاق الطائف، ويا ليتها تقرأ هذا الاتفاق الذي أضحى دستور البلاد، حيث هناك حديث عن الثلث المعطّل داخل الحكومات التي تُشكّل، فإذا ما نوقشت قرارات مهمّة ودولية فيجب أن يتشارك الجميع فيها، لا أن يستبيح فريق آراء الجميع ويفرض رأيه هو فقط، على غرار ما حصل عند النظر في القرار الدولي الرقم 1701، وهذا ما تجب معالجته بقيام حكومة وحدة وطنية أساسها الثلث المعطّل الذي يضع حدّاً للاستفراد والهيمنة والتسلّط.‏

وتنتقد هذه الشخصية بيان "المطارنة الموارنة" الشهري الأخير لما تضمّن من مغالطات جسيمة لم تكن متوقّعة، وجعلت من أصحابه طرفاً في اللعبة السياسية يدافعون عن "القوى الشباطية" وكأنّها جالسة معهم على الطاولة نفسها، بينما المنطق يفرض أن يكونوا حياديين وموضوعيين للقيام بما يمليه عليهم واجبهم الديني من دفاع عن الشعب المقهور والمطالبة بحقوقه.‏

وتقول هذه الشخصية: "كنا نفضّل أن يهتمّ بيان المطارنة بشؤون المهجرين بعد مرور خمس سنوات على إتمام المصالحة من دون أن يتمكّن المُهجَّرون من العودة إلى ديارهم، فضلاً عن التلاعب بأموالهم وصرفها وإيداعها جيوب المسؤولين الذين توالوا على إدارة ما سُمّي بصندوق المهجّرين ووزارة المُهجّرين أو بالأحرى "مغارة علي بابا"، من دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم ومساءلتهم".‏

وتضيف هذه الشخصية: "لو تعاطى البيان مع شؤون المُهجّرين والجسور التي هدّمتها "إسرائيل" في حربها الأخيرة على لبنان وبعضها يقع في محيط اجتماع المطارنة في بكركي، ومع الأمور المعيشية للمواطنين على أبواب المدارس والشتاء، ولم يتطرّق لأمر الحكومة المختلف عليه، لما تعرّض لسيل من الانتقادات والاعتراضات والاحتجاجات من غير طرف مسيحي".‏

وقد بدا الانسجام جلياً في غير بيان رسمي للمطارنة وبيانات صادرة بذات النَفَس، وإن كانت بنسخ معدّلة عن "القوى الشباطية"، وهذا ما يفسّره "تمترس" عدد من شخصيات هذه القوى، وبعضهم فشل في الانتخابات النيابية الأخيرة، وبعضهم الآخر صار نائباً بأصوات من خارج دائرته الانتخابية، على أبواب البطريركية ومحاولة التأثير فيها.‏

وتسأل هذه الشخصية المعارضة موقّعي البيان المذكور: كيف يرضون بأن تكون أكثرية المسيحيين مع العماد ميشال عون وهم في الوقت نفسه غير ممثّلين في الحكومة؟ وكيف كان هذا الأمر مرفوضاً في السابق وفي الحكومات السابقة خلال الوجود السوري، حيث كان الحديث الأشهر عن تهميش دور المسيحيين، وأصبح اليوم مقبولاً في عهد الوصاية الأميركية؟ والجواب واضح ولا لبس فيه، وهو أنّ هناك خللاً كبيراً يجب معالجته قبل تفاقمه عبر قيام حكومة وحدة وطنية شاملة لجميع أطياف الشعب.‏

وتستعيد هذه الشخصية تذكّر "القوى الشباطية" لملفّ المهجرين بعد طول نسيان متعمّد، ولدت خلاله أجيال لا تعرف قراها، وماتت أجيال ضاعت معها معالم منازلها الأساسية، والمُتَحَكِّمون بالملفّ هم هم، يقبعون في قصورهم وينظّرون للديمقراطية والسيادة، بينما ممنوع على المُهجَّر أن يكون سيادياً على داره وأرضه ورزقه. ففجأة هبّت هذه القوى من كوابيسها ورأت بساط المُهجّرين يفتح في وجهها، بما فيه من فساد معلن وهدر للمال العام صُرف في غير قنواته السليمة، وقرّرت مواجهة الحقيقة المرّة بإغداق وعود إضافية بدفع الأموال للمُهجّرين، وحدّدت يوم الاثنين موعداً للبدء بتنفيذ ورشة الأحلام المتنقّلة، ولكنْ غاب عن بال هذه القوى تحديد تاريخ هذا الاثنين، فبات من دون أيّ عنوان واضح، فلم يُعرف من أيّ أسبوع هو، ولا من أيّ سنة، حتّى أضحت هذه الوعود كسابقاتها، كاذبة وغير مضمونة، ومجرّد "مانشيت" عريض لمرحلة جديدة من النسيان والنفاق، هذا المرض المزدوج والنوعي الذي باتت "القوى الشباطية" تجيد أداءه لتشريع استمراريتها! ولكن ما دام هناك من يذكّرها بهذا الملف أو ذاك، فإنّه لا مناص من بلوغها العجز باكراً واقتراب سقوطها وانتهاء مفعولها، حتّى لو بالغت في استخدام الشحن الطائفي والمذهبي والاختباء خلفه.‏

وبشأن الربط المفتعل وغير المقنع بين قيام حكومة وحدة وطنية من شأنه أنْ يعطّل إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تقول هذه الشخصية إنّ هذا الأمر إساءة واضحة إلى الحريري نفسه، وطعن بما اتفق عليه في جلسات مؤتمر "الحوار الوطني" التي عقدت في مجلس النواب على مدى ثلاثة أشهر تقريباً، حيث كان هناك إجماع وتأييد لإنشاء هذه المحكمة، وبالتالي فإنّ الغاية من هذا الربط غير المشروع هو وأد فكرة نشوء حكومة وفاق وطني عملاً بما نصّ عليه اتفاق الطائف، ومخالفة صريحة لهذا الاتفاق، وهو عمود الحكم في البلاد، وما دامت "القوى الشباطية" اعتادت ارتكاب المخالفات، ومسيرة أبطالها حافلة وعامرة بها، فإنّها لن تتأثّر إذا ما أضافت مخالفة جديدة إلى رصيدها الكبير، ولكن في المقابل فإنّ الشعوب لا تغفر دائماً، وإذا ما قرّرت المحاسبة فإنّ السقوط هو مآل هذه القوى، وهو ما جرى تحديده بعد انتهاء شهر رمضان، أي قريباً جداً.. جداً.‏

علي الموسوي‏

الانتقاد/العدد1184 ـ 13 تشرين الاول/ اكتوبر 2006‏

2006-10-13