ارشيف من : 2005-2008

غوانتانامو: فضيحة من فضائح

غوانتانامو: فضيحة من فضائح

"ثلاثة من نزلاء غوانتانامو عثر عليهم الجنود الأميركيون وقد شنقوا أنفسهم. ولم يتمكنوا من إسعافهم". تلك هي الرواية الأميركية التي تظل بحكم التجربة رواية لا تجد غضاضة في الاستخدام المنهجي للكذب. روايات أخرى تجزم بأنهم لم ينتحروا لحرمة الانتحار في الإسلام أو لشدة المراقبة عن كثب ولا سيما من قبل الكاميرات التي تسلط على السجناء المقيدي الأيدي والأرجل طيلة الليل والنهار، في أقفاصهم الحديدية أو المعلقين على جذوع الأشجار أو حتى داخل المرحاض. روايات أخرى تقول بإمكانية الانتحار لأن محاولات قد سلفت من بعض السجناء، ولأن السجناء أضربوا عن الطعام حتى مورست عليهم التغذية الجبرية، ولأن أكثر من مئة سجين باتوا يشكون، تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي والإذلال والإهانة، من اضطرابات عقلية، في حين يتناول الباقون أدوية مضادة لحالات الانهيار العصبي. شامي شاكرابارتي من جمعية الدفاع عن الحقوق المدنية يبدو مقتنعاً بفرضية الانتحار لأن السجناء يعيشون بشكل لا يمكن تحمله لأنهم يعيشون بلا أمل. أما التصريح الأكثر غرابة فجاء من آمر قاعدة غوانتانامو الأميرال هاري هاريس الذي قال بفرضية الانتحار ولكن مع التشديد بأنه ليس عملاً يائساً بل عمل حربي، لأن المعتقلين بنظره هم محتالون وقادرون على الابتكار ولا يفتقرون إلى التصميم والإرادة، إضافة إلى كونهم لا يقيمون وزناً لحياة الآخرين ولا حتى لحياة أنفسهم.‏

المهم أن الحدث المأساوي أعطى لمسألة غوانتانامو دفعة إلى الأمام بعد كل الدفعات التي طالبت بإقفاله بدءاً من المستشارة الألمانية آنجيلا ميركيل وانتهاءً بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي آنان بعد المرور بمركز الحقوق الدستورية، ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية والإنسانية والشخصيات التي طالبت، كل على طريقتها، بإقفال المعتقل، أو نقله إلى الأراضي الأميركية لتسري عليه القوانين الأميركية أو بمحاكمة المعتقلين، واحترام حقوقهم كأسرى حرب، والكف عن تعذيبهم. الاستجابات الوحيدة المسجلة حتى الآن بعد سنوات أمضاها المعتقلون في الثقب الأسود المنفصل عن العالم تحت رحمة سجانين بات غيض من فيض "مآثرهم" معروفاً في أبو غريب، أو جنود يقصفون بيوت المدنيين بالصواريخ والقنابل، تتمثل في توجه بوش نحو تقديم المعتقلين للمحاكمة في المحاكم العسكرية الاستثنائية التي استحدثها بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، والتي لم يصدر بعد حكم المحكمة العليا حول شرعيتها وصلاحيتها، واعتراف المحكمة المذكورة بحق المعتقلين في تكليف محامين يدافعون عنهم. وللإنصاف، حصل بعض التقدم أيضاً على مستوى بلير الذي وصف المعتقل بأنه "أمر شاذ"، وبوش الذي ألمح مؤخرا بأن إدارته تبحث عن حل آخر يبدو أكثر إثارة للقلق من المشكلة: ترحيل المعتقلين إلى سجون البلدان التي ينتمون إليها!‏

وعلى افتراض أن بوش قد وجد حلاً لهذه المشكلة التي أساءت إلى سمعة الولايات المتحدة وفقاً لاعتراف أدلت به كوندوليسا رايس، فما الذي كان بإمكانه أن يفعله في مجلسه الحربي الذي عقده مطلع الأسبوع الحالي في كامب دافيد مع كبار معاونيه تشيني ورايس ورامسفيلد. يريد، مع اقتراب انتخابات الكونغرس التي سيتعايش مع نتائجها خلال الفترة الباقية من ولايته، أن يظهر أن الوضع العراقي ممتاز للنجاح في تشكيل الحكومة وفي اصطياد الزرقاوي متجاهلاً كل الويلات التي يعيشها العراق جراء تدخل أميركي جاء محملاً بوعود الديموقراطية والامن والازدهار. ومتجاهلاً أيضاً كل الويلات التي جرها على الشعب الأميركي بقتل أبنائه وهدر أمواله في جيوب هاليبورتون وغيرها والذهاب ببقية سمعته.‏

بوش الذي انحدرت شعبيته إلى أقل من 28 بالمئة بسبب حرب العراق، عليه أن يعد الضربات التي يتلقاها، بعد جملة الانسحابات، من الانسحاب الإيطالي الوشيك، ومع التصاعد في أعمال المقاومة في أفغانستان والعراق، ومن التظاهرات الشعبية التي طردت جنوده من شبه جزيرة القرم، ومن صمود الملفات في إيران وسوريا ولبنان وفلسطين، ومن اعتراف السعودية والجزائر وغيرهما بحق إيران في النووي السلمي، ومن جولة هيغو شافيز على روسيا وكوريا الشمالية وإيران، ومن وصول عشرات المليارات من الاستثمارات الإيرانية إلى أميركا اللاتينية. دون الحديث عما تعنيه لبوش ومعاونيه وتابعيه تحولات أميركا اللاتينية.‏

ع.ح‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-28