ارشيف من : 2005-2008

مونديال

مونديال

كنت جالسا وصديقي نشاهد ببالغ الألم والحرقة صور الفتاة هدى وهي تنادي أباها لعل صرخاتها تعيده من سفره الأخروي.‏

امتعض صديقي وعيناه تغرورقان بالدموع وقال: لن يسكت أحد على هذا الإرهاب غير الأخلاقي وستتم محاسبة المجرمين، مع أنه واثق أن المجرم محمي من أكبر منظمة أمنية دولية، لكن هول المشهد أوحى له بأن تحركا ما سيحصل.‏

نظرت إليه وقلت: الروية يا صديقي.‏

لم تمض أربع وعشرون ساعة حتى سمعنا الموقف الأميركي المقزز بشرعية "الدفاع عن النفس".‏

لم يعترض كائن وكأن لا أحد سمع ولا أحد رأى، لماذا؟‏

الكل مشغول بالمونديال والدموع مخزنة لذرفها حين يسقط هذا الفريق أو ذاك، والحناجر والقبضات مخبأة لحين تدخل الكرة هذا المرمى أو ذاك.‏

الروية يا صديقي فهل سمعت عن تظاهرة (وهي أضعف الإيمان) احتجاجا على صور الدم الفلسطيني وهو يراق، أم على صور أحلام الطفولة وهي تكسر على شواطئ غزة؟‏

الروية يا صديقي فهذا الدم ليس من النوع التي يستدعي اجتماعات عاجلة لمجالس الأمن الإقليمية والدولية، ولونه على الأرض لا يوحي بتهافت الموفدين الدوليين، وتلك الأحلام لا ترقى إلى المستوى الذي يستأهل النزول من أجله إلى الشارع أو حتى إصدار بيانات الاستنكار والتنديد.‏

تمسك صديقي بخيط الوهم الرفيع "أن صور المجزرة والمأساة الإنسانية التي نالت من الطفولة البريئة" لا بد وأن تدفع المرتكب لوقف ارتكاباته، ولكن وقبل أن أرد عليه قطع المجرم الخيط، مجزرة ثانية ثم ثالثة...‏

للأسف، المونديال الحقيقي الملطخ بدمائنا يجري على أرضنا، بينما الناس تصفق وتهلل لذاك الجاري على الأرض الألمانية.‏

محمد يونس‏

الانتقاد/ باختصار ـ الاعدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-28