ارشيف من : 2005-2008
الملف النووي: هجمة دبلوماسية إيرانية مرتدة في انتظار التصفيات النهائية

طهران ـ محمد محسن
في دراسة أعدتها مؤسسة "بروكينغز" للدراسات والاستشارات السياسية حول الملف النووي الايراني وقدمتها للدبلوماسية الأميركية ووزارة الخارجية, شرحت مواطن القوة في الموقف الايراني من المسألة (الاعتراف اولا بضعف معلوماتي أميركي وغربي حول نظام اتخاذ القرار في ايران ـ قدرة الردع الإيرانية خارج الحدود ـ العوامل الإيديولوجية والإستراتيجية والنفسية) وخلصت إلى نتيجة مفادها: من المستحيل اقناع ايران بوقف مشروعها النووي، وعليه فينبغي تقديم عروض كبيرة وضخمة للإيرانيين إذا أراد الغرب إقناعهم بوقف التخصيب, مقللا من أهمية رزمة الحوافز التي قدمتها مجموعة 5+1 عبر خافيير سولانا الى طهران الاسبوع الماضي، وشملت المساعدة في انتساب ايران الى منظمة التجارة العالمية وتقديم بعض قطع الغيار للطائرات وما شابه.
الدبلوماسية الايرانية نشطت بعد استلام العرض الغربي فقامت بخطوات من شأنها رد الكرة إلى الطرف الآخر بعدما اعتبر بعض المراقبين الغربيين أنها في الملعب الايراني، وان مجموعة 5+1 قد قدمت عرضا مغريا لايران التي ما عليها سوى ان تقبل(!) كما أمل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية.
الإيرانيون استقبلوا العرض بايجابية واحالوه للدراسة التي ستنتج عرضا مقابلا ورزمة حوافز واقتراحات ايرانية للغرب تعبر عن التصور الايراني لحل المسألة عبر الوكالة النووية، وبعيدا عن الشروط المسبقة ولغة التهديد، وكما قال حداد عادل رئيس مجلس الشورى الإسلامي "لا نقبل بأن يتم تسطيح المسألة بمنطق قبول العرض او رفضه، بل نحن لنا رؤيتنا المختلفة لحل الأمور وسنقدمها قريبا للغربيين".
وعلى خط مواز كان الفريق الايراني يقوي دفاعاته من خلال مجموعة من المباحثات الهامة مع الدول الاقليمية، فكانت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى طهران وتسليمه لرسالة من الملك عبد الله إلى الإمام الخامنئي (تمثل جواب الرسالة التي أرسلها الإمام الخامنئي إلى الملك فهد وسلمها له الدكتور ولايتي في وقت سابق) والتأكيد على أهمية التعاون المشترك بين البلدين لحل مشكلات العالم الاسلامي.
وجاءت مشاركة الرئيس الايراني احمدي نجاد في مؤتمر شانغهاي والتي اثارت انتقادات أميركية نظرا لما يمثله المؤتمر من ثقل عالمي بدول ائتلافه الدائمة (الصين ـ روسيا ـ أوزبكستان ـ طاجاكستان ـ قيرغيستان ـ كازاخستان) أو المراقبة (إيران ـ الهند ـ باكستان ـ منغوليا) ما يمثل نصف سكان الكرة الأرضية كما عبر احمدي نجاد الذي سيجري مباحثات وصفت بالهامة على هامش المؤتمر مع زعماء الصين وروسيا وبعض الدول الأخرى المشاركة، وبالطبع فالملف النووي سيكون حاضرا على جدول اعمال المؤتمر كما اعلن وزير الخارجية الصيني.
وعربيا قام مسؤول الملف النووي وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بزيارة إلى اليمن ومصر والجزائر، وكانت أبرز اللقاءات مع الرئيس المصري حسني مبارك وامين عام الجامعة العربية عمر موسى والكاتب محمد حسنين هيكل ورئيسي اليمن والجزائر، في تحصين لجبهة عريضة داعمة لحق ايران النووي السلمي تعتبر نجاح ايران النووي قوة للعرب ولقضاياهم، ورافضة لمنطق التهديد والضغوطات وتسييس الملف, الأمر الذي تجلى بوضوح في بيان دول عدم الانحياز المشاركة في مجلس الوكالة النووية والذي "اغضب واشنطن" كما قال احد الديبلوماسيين الغربيين لانه دافع عن ايران، معتبرا ان اي تهديد لها هو نقض لحقوق البشر ومخالف للقوانين والأعراف، وأصدرت هذه الدول المسماة مجموعة "نم" بيانها ردا على بيان اصدره المندوب الاميركي في الوكالة انتقد فيه قرارات قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في ماليزيا في الشهر الماضي ودعمت حقوق إيران النووية بشكل واضح وقوي.
وفي الجلسة نفسها لمجلس حكام وكالة الطاقة صرح المندوب الصيني بأن بلاده لا توافق على اي عقوبات على ايران في حال عدم قبولها للعرض الغربي، وعدم تعليقها لعمليات تخصيب اليورانيوم. وكانت المصادر المتابعة قد أكدت ان هذا العرض المسمى رزمة الحوافز لم يكن نتيجة لاجماع دول 5+1 بل هو مقترح اميركي فرنسي بريطاني والماني (اي 3+1) تم حذف التهديدات منه بضغط روسي صيني.
وفي الاطار نفسه وصف وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي رزمة الحوافز "بأنها تشمل تعاونا تجاريا وصناعيا يمكن اعتباره خطوة الى الامام"، وقال في بداية زيارة له لاسبانيا كان مقررا ان يقوم بها علي لاريجاني وألغيت لاسباب صحية "ان ايران تدرس هذا العرض بشكل جدي، وستعطي اجوبتها وملاحظاتها خلال وقت قصير".
وقد حاولت الاوساط الغربية والأميركية اشاعة جو من التهويل والضغوط الاعلامية والسياسية هذا الاسبوع لترويج فكرة مفادها ان الرفض الايراني لتعليق التخصيب بعد تقديم الحوافز هو خروج عن الاجماع الدولي، وسيكون مبررا لأي عمل تقوم به اميركا تحت غطاء مجلس الامن ضد ايران, هذا الاجماع الذي اعتبرته ايران على لسان مسؤوليها الكبار وهميا وزائفا ولا يعبر سوى عن حرب نفسية، وان الاجماع الحقيقي لأغلب دول العالم يظهر جليا في ماليزيا وشانغهاي ومنظمة الدول الاسلامية والجامعة العربية واحصاءات واستطلاعات الرأي العالمية المؤيدة للموقف الايراني.
وهذا ما اشار اليه ايضا تقرير اميركي لمركز دراسات الشرق الاوسط صدر الاسبوع الماضي حيث صرح "راي تيكي" الباحث الاستراتيجي لهذا المركز بأنه "لا يوجد اي اجماع على مواجهة ايران حتى بين مجموعة 5+1 حيث روسيا والصين تعارضان بشدة موقف اميركا وحلفائها الغربيين، وكذلك فإنه حتى في حال رفض ايران لشرط تعليق التخصيب فإن الاجراءات ضدها ستكون محدودة التأثير ولا تعطي النتيجة التي تريدها اميركا".
وفي انتظار "حزمة الحوافز الايرانية" المقابلة يسود جو انتظار حذر يستغله الفريقان الايراني والاميركي بحشد القوى والاوراق والنشاط الديبلوماسي المكثف وصولا لما يشبه اللقاء النهائي بعد خروج الفرق الاخرى في ربع النهائي ونصفه ليبقى الملعب الدولي شاهدا على مواجهة تختلف أشكالها بين فريقين ومعسكرين لكل منهما منطقه ومشروعه الاستراتيجي ورؤيته المختلفة للعالم.
الانتقاد/ مقالات ـ الاعدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو 2006