ارشيف من : 2005-2008
بوليفيا: الأرض للفلاحين

الأراضي التي اغتصبت قبل خمسة قرون ستعاد إلى مالكيها الأصليين.
ذلك هو بالمختصر مضمون القرار الذي اتخذته الحكومة البوليفية يوم الجمعة الماضي بعد اجتماع مع مُلاك الأراضي في بوليفيا الذين رفضوا خطة الإصلاح الزراعي المعتمدة من قبل الحكومة، وهددوا بتشكيل فرق خاصة للدفاع عن أراضيهم. لكن الرئيس البوليفي إيفو موراليس رفض القبول بحلول وسط، معتبراً أن الأراضي المذكورة اغتصبت قبل خمسة قرون أثناء الغزو الإسباني، وأنها ستعاد الآن إلى مالكيها من السكان الأصليين.
وفي اليوم التالي، قامت الحكومة البوليفية بتوزيع ما يقرب من ثلاثين ألف كيلومتر مربع من المشاعات المملوكة من قبل الدولة (ثلاثة أضعاف مساحة لبنان) على الفلاحين، وأعلنت عزمها على توزيع ما يقرب من 200 ألف كيلومتر من الأراضي خلال السنوات الخمس القادمة.
وقد تلي قرار التوزيع أمام الجموع التي احتشدت في سانتا كروز التي تم اختيارها بعناية حيث يقوم فيها مركز الاتحاد الرئيسي لملاك الأراضي المعارض بشدة لسياسة الإصلاح.
وحيّت الجموع قرار الحكومة ولوحت بأعلام قوس قزح التي ترمز إلى المقاومة في ثقافة السكان الأصليين. والمعروف في هذا المجال أن نحو 50 ألف عائلة غنية تمتلك ما يقرب من 90 بالمئة من أراضي بوليفيا، فيما يتوزع الباقي على عدة ملايين من الأسر الفقيرة، ومن هنا تشديد الحكومة البوليفية على أن الغاية الأساسية للثورة الزراعية هي تذويب الفوارق الاجتماعية.
والمعروف أيضاً أن غالبية الأراضي التي تستهدفها عملية التأميم هي أراض غير مستثمرة أو مجمدة لأغراض المضاربات التجارية تماشياً مع السياسات الهدامة المفروضة من قبل الدوائر الاستعمارية والأوساط المحلية المرتبطة بها، والتي أدت إلى ضرب القطاعات الانتاجية، خصوصاً في المجال الزراعي، لحساب القطاعات الطفيلية التي تستفيد منها المراكز المالية العالمية.
وكان إفقار الفلاحين وتحويلهم إلى قوى غير فاعلة تعيش حالة البؤس والتفسخ في ضواحي المدن من أبرز نتائج السياسة المذكورة، مع ما يجره ذلك من انعكاسات سلبية على مستوى البناء الاجتماعي العام، وبالتالي على مستوى الضعف والتبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية. وقد عانت جميع بلدان العالم الثالث، ومنها بلدان العالم الإسلامي، من هذه السياسة التي نفذت، خلال العقود الماضية، من قبل الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والحكومات المتواطئة، بتوجيه مباشر من قبل الدوائر السياسية في البلدان الغنية. وتم تنفيذ هذه السياسات تحت شعارات الخصخصة وإعادة الهيكلة واقتصار التنمية على الاستثمارات الخارجية وأشكال الإثراء الطفيلي، ما أدى إلى تراكم المديونيات واستشراء ظواهر الفساد وانحلال الشخصية الاجتماعية وتفسخ الدول والاهتراء السياسي والتسييب المعمم.
إن الثورة الزراعية التي أطلقتها حكومة الرئيس البوليفي إيفو موراليس، من خلال الشروع بإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين، والتي جاءت بعد تأميم قطاعات النفط والغاز في كل من فنزويلا وبوليفيا تشكل، شرط قيادة التجربة بذهنية مدروسة وعادلة ومسؤولة، باعثاً للأمل في إرساء نموذج بديل عن نموذج التدمير السائد عالمياً، وفي تعميم هذا النموذج على سائر بلدان العالم كحل نموذجي لمشكلات الفقر والمرض وانسداد الآفاق والفوضى السياسية التي باتت تتحكم بالمجتمعات الاستهلاكية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الثورة الزراعية في بوليفيا، وما تنطوي عليه من توجهات لإعادة إحياء الأرض والعمل في الأرض كوسيلة طليعية من وسائل العيش الشريف والنظيف، في مقابل أنماط العمل والعيش المتفسخة والسائدة في الحضارة المعاصرة، هي شرط أساسي لنجاح سياسات المقاومة السياسية التي تنتهجها بلدان أميركا اللاتينية في وجه الهيمنة الأميركية. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن سياسات المقاومة السياسية هذه، وهذا أمر أكده مؤخراً الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز، ما كانت لتنطلق لولا الأمل الذي فجرته في وعي الشعوب المقهورة تجربة المقاومة والنصر الذي تحقق في الجنوب اللبناني على الاحتلال الإسرائيلي.
والحديث عن المقاومة في لبنان لا ينفصل عن حالات الصمود الأخرى في المنطقة العربية والإسلامية في وجه المشاريع الأميركية والإسرائيلية، ما يعني أن المرجعيات العقائدية التي تغذي حالات الصمود تلك لن تتأخر في توليد أشكال الإصلاح الصحيح لمرافق الحياة الأخرى، وفي مقدمتها الإصلاح الزراعي القائم على النظرة الصحيحة لمشكلات الحياة والوجود. وقد لا يكون بعيداً ذلك اليوم الذي تدرك فيه منطقتنا أنها تحمل المفاتيح الحقيقية للإصلاح الزراعي وغير الزراعي، وأن إيفو موراليس نفسه سيجد في تلك المفاتيح ما يعينه على قيادة عملية الإصلاح الزراعي وغير الزراعي بشكل أفضل.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو 2006