ارشيف من : 2005-2008
أفغانستان: تعمق المأزق الأميركي

تشهد الساحة الأفغانية، منذ أسابيع، تصاعداً ملموساً في العمليات العسكرية التي تشنها حركة طالبان ضد القوات الحكومية وقوات التحالف الغربي.
ويتجلى هذا التصاعد في التفجيرات والهجمات اليومية على المراكز والقوافل العسكرية ومقرات الشرطة، حيث تم مؤخراً احتلال بعضها لعدة ساعات، وأسر أفرادها أو طردهم قبل إخلائها لضرورات تكتيكية.
كما قتل وجرح في هذه العمليات عشرات الجنود الأميركيين والكنديين والبريطانيين والفرنسيين من العاملين في قوات التحالف وفي القوة الأطلسية.
وفي هذا الإطار، صرح الجنرال دايفيد ريتشاردز، قائد قوات الحلف الأطلسي في أفغانستان بأن الحلف قرر مضاعفة عدد جنوده المنتشرين في المناطق الجنوبية من البلاد في أواخر تموز/ يوليو المقبل، كما قرر اعتماد تكتيكات جديدة بهدف سحق ما أسماه بالتمرد في تلك المناطق. وأضاف ريتشاردز أن قواته ستحل محل القوات الأميركية وقوات التحالف التي لا تمتلك، على حد تعبيره، ما يكفي من جنود ومعدات لاجتثاث أعمال العنف.
وتأتي تصريحات ريتشاردز في وقت تعاني فيه القوات الأميركية والحكومية من العجز عن احتواء الوضع وسط أنباء عن سيطرة حركة طالبان وحلفائها بشكل شبه كامل على أجزاء واسعة من المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية من البلاد. وفي هذا المجال يؤكد المراقبون أن المواجهات في أفغانستان قد انتقلت من أسلوب حرب العصابات إلى أسلوب المواجهة المباشرة، ما يدل على تغير واضح في موازين القوى لغير مصلحة الأميركيين والحكومة الأفغانية.
وفي الوقت ذاته، يبدو الارتباك واضحاً في صفوف القوات الحكومية التي تمنى بالخسائر الباهظة في الأرواح والمعدات، حيث يتم زجها في المواجهات لاستخدامها كدروع للقوات الأجنبية والأميركية التي دفعها الفشل إلى شن غارات جوية قتل فيها مئات المدنيين في القرى الأفغانية التي يقول الأميركيون إنها تؤوي عناصر من طالبان وغيرها.
ومن الأحداث ذات المغزى بهذا الخصوص ما حدث قبل أيام عندما اجتاحت شاحنة عسكرية أميركية جموع المارة في كابول حيث قتل وجرح عشرات الأشخاص، وجرى تحطيم عشرات السيارات المدنية. وأثار الحادث غضب الشارع حيث اندفعت الجموع في تظاهرة غاضبة تحت هتافات "الموت لأميركا ولقرضاي". وقد ردت القوات الأميركية بإطلاق النار على المتظاهرين ما أدى إلى مقتل عشرين شخصاً وسقوط ما يزيد على مئة جريح.
وكالعادة، صرح الناطق العسكري الأميركي بأن القوات الأميركية قد أطلقت النار "دفاعاً عن النفس"، علماً بأن أحداً من الجنود الأميركيين لم يسقط قتيلاً أو جريحاً في الحادث المذكور. واللافت أن الرئيس حامد قرضاي قد اتخذ على الفور قراراً بفصل أو نقل ثمانين من كبار ضباط الشرطة في كابل، بينهم قائد الشرطة وقائد قوات التدخل السريع التابعة للشرطة، بحجة "ضعف أدائهم" خلال التظاهرات المعادية للأميركيين، والتي تفجرت استنكاراً لحادثة الشاحنة العسكرية الأميركية. ويأتي هذا الإجراء كمؤشر على الارتباك الحكومي، والأكيد أنه لن يمر دون مضاعفات سلبية في غير مصلحة الاحتلال.
إن التطورات التي تشهدها الساحة الأفغانية، من تصاعد عمليات المقاومة والانتقال إلى أسلوب المواجهة المباشرة بالتوازي مع تضعضع القوات الحكومية وفشل القوات الأميركية في السيطرة على الوضع هي دليل على تعمق المأزق الأميركي في الرمال المتحركة الأفغانية. وإذا كان الأميركيون قد بدأوا بالانسحاب من المناطق الجنوبية وإيلاء المهام العسكرية إلى قوات الحلف الأطلسي التي ستبلغ ما يقرب من عشرين ألف جندي مطلع تموز/ يوليو القادم، فإن هذا الإجراء لن يسمح لقوات الأطلسي بالنجاح حيث أخفقت القوات الأميركية. لا بل إن الوقائع الموضوعية تشير إلى أن المأزق سيزداد عمقاً ومضاعفاته ستكون أشد إيلاماً لبلدان الأطلسي التي يزجها الرئيس بوش في حروبه العدوانية، في ظل حالة الإنهاك التي تعاني منها واشنطن في العراق وأفغانستان، وفي ظل الهزائم السياسية الأخرى التي تحيق بها في المنطقة والعالم. وقد اعترف السفير الأميركي بهذا الوضع عندما قال مؤخراً بأن "الصيف سيكون عصيباً في أفغانستان"، لكنه نسي أن يقول "وفي غير أفغانستان".
ع.ح
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو 2006