ارشيف من : 2005-2008

الحوافز مقابل وقف التخصيب الإيراني : تراجع أميركي أم شكل جديد للصراع؟

الحوافز مقابل وقف التخصيب الإيراني : تراجع أميركي أم شكل جديد للصراع؟

محمد محسن ـ طهران‏

"لا، لا يمكن اعتبارها نقطة تحول في المسألة النووية" هكذا يصف الدكتور جهانكيرزاده (عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني) زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا إلى طهران والتي قدم خلالها للمسؤولين الإيرانيين العرض التي توصلت اليه مجموعة دول حق الفيتو، إضافة إلى ألمانيا.‏

والعرض الذي تصر جميع الاطراف على التكتم على محتوياته ـ التحفيزية منها والتهديدية ـ هو محصلة جلسات متعددة كان آخرها في فيينا حيث شهدت الأحداث تطورا دراماتيكيا مفاجئا للمراقبين، وهو تغير اللهجة الاميركية في التعامل مع الملف النووي الايراني، وخاصة من خلال العرض الخاص والمسمى برزمة الحوافز الايجابية والذي تم تسريب بعض معلوماته من ديبلوماسيين أوروبيين فيما يشبه جسا للنبض، وتشمل إلغاء بعض الإجراءات السابقة كبيع الطائرات الاوروبية التي تحتوي على قطع اميركية او الاميركية الصنع كالايرباص والبوينغ وتقنيات متطورة في مجال الزراعة والمساعدة في تأمين "الماء الخفيف" للاستفادة النووية السلمية وتسهيل انضمام إيران إلى منظمة التجارة العالمية.‏

وتضيف هذه التسريبات انه في حال عدم قبول ايران لهذه الحوافز فإن اجراءات محاصرة ايران ومنعها من شراء الاسلحة وكذلك منع سفر مسؤولين سياسيين ودينيين ايرانيين والضغط عبر مجلس الامن ستكون على لائحة الاميركيين وحلفائهم، فيما لم يتم ذكر العمل العسكري في هذه التسريبات، وهذا يتناسب مع الموقف الروسي الذي اعلنه وزير خارجيتها بأنه لا يمكن قبول عقوبات عسكرية على ايران الا في حال مخالفتها لمقررات معاهدة حظر الاسلحة NPT وهذا يمنع عمليا اي كلام عن عمل عسكري.‏

إذن فقد جاء خافيير سولانا الى ايران وسلم الرزمة وسط تضخيم اعلامي غربي واميركي حول الزيارة يترافق مع ايجابية اميركية مريبة كما يصفها المحللون هنا في طهران مع الترحيب بمبدأ الحل الديبلوماسي بدون شروط مسبقة، وخاصة ما يصر عليه الاميركيون من توقيف لعمليات تخصيب اليورانيوم، والذي اكد المسؤولون الايرانيون على عدم قبوله مهما كانت الاغراءات او التهديدات، فالمسألة خط أحمر، وهي ليست خطوة تكتيكية يمكن للمفاوض الايراني أن يقوم بها وخاصة بعد تجربة توقيف التخصيب لثلاث سنوات اثناء الحوار السابق مع اوروبا والتي لم تثمر اي نتيجة ايجابية سوى "استغلال حسن النية عند ايران من قبل اوروبا واميركا" كما يقول المفكر الاميركي نعوم تشومسكي، فيما المطلوب "إثبات حسن نية أميركا التي تشكل تهديدا للامن العالمي".‏

الدكتور حميد حاجي بابايي عضو هيئة رئاسة مجلس الشورى الإسلامي أكد أنه لا يمكن للحكومة أن توافق على توقيف عمليات التخصيب تحت أي ظروف وضغوط لان ذلك مخالف للقانون الذي صدق في المجلس, الحكومة والفريق المفاوض مخول فقط بأن يبحث مع الاوروبيين بإزالة هواجسهم حول تسلح نووي ايراني مزعوم. يضيف بابايي "إيران لا تحتاج لحوافز أوروبية بل نحن مستعدون ان نقدم لأوروبا حوافز كي تتركنا وشأننا نتابع تطوير قدراتنا النووية السلمية وفق القوانين الدولية".‏

التغيير المفاجئ في الخطاب الاميركي يعتبره مدير جريدة كيهان الإيرانية حسين شريعتمداري "دليل ضعف وفشل اميركي, فهم حين أرجعوا ملف إيران إلى مجلس الأمن كانوا يهددون بالعقوبات من خلال قرارات الامم المتحدة ثم عقدوا الجلسة تلو الجلسة لدول 5+1 بدون اي نتيجة, وهذا يدل أيضا على فعالية سياسة المقاومة والثبات الإيراني على الحقوق القانونية وعدم التراجع"، ويضيف انه في حال اشتملت هذه الرزمة على شرط توقيف عمليات التخصيب، وهذا ما يظهر حسب قرائن متعددة، فالاقتراح غير قابل للبحث اصلا لتعارضه مع المصالح الوطنية ومع المواقف السابقة للمسؤولين الإيرانيين".‏

فيما يضع الدكتور جهانكيري زاده احتمالين لتفسير هذا التغير في المواقف و"الرغبة الاميركية العارمة في الحوار والدعوة الى الصبر واعطاء ايران فرصة لدراسة الحوافز والبدء بصفحة جديدة"، فيقول ان الاحتمال الأول: أن يصر الغربيون على توقيف التخصيب مع اعطاء بعض الحوافز الضعيفة والتي لا تمثل توقعاتنا، وان نرفض نحن هذا بمجرد تسلم المقترحات فيستطيع الطرف الاميركي ان يصور المسألة عالميا بأن ايران غير متجاوبة برغم التواضع والمرونة الأميركية في محاولة لصناعة رأي عام مفقود يضغط على إيران أو على الأقل لا يعارض العمل العسكري الأميركي، والاحتمال الثاني أن يكون البيان الجدي لمنظمة دول عدم الانحياز والمواقف الصلبة الأخيرة للإمام الخامنئي والظروف العالمية الجديدة قد ساهمت في توفير أرضية لعمل دبلوماسي توافقي حول الملف النووي".‏

الباحث الاستراتيجي الدكتور حسين علايي شرح الاستراتيجية الأميركية السابقة حول التعامل مع الملف النووي والتي كانت تقوم على مبدأ الانتصار على ايران بدون حرب، وأن يغير الإيرانيون مواقفهم بأنفسهم بدون إطلاق النار من قبل اميركا من خلال سياسة "خطوة خطوة" من خلال الضغط والتهديد بعمل عسكري وكذلك الاعلان المتكرر بأن أميركا لن تتفاوض مع ايران لان ذلك يعني الاعتراف بشرعية النظام المصنف في "محور الشر"، متابعا بأن الأوروبيين وحتى روسيا والصين كانوا في تلك الفترة مخالفين لعمليات التخصيب، وظن الاميركيون ان ايران ستلين وتسلم بالشروط، ولكن الاعلان عن اكتمال دورة التخصيب ووقوف الايرانيين بقوة وعدم التراجع، قد جعل المواقف تنقلب لمصلحة ايران حيث اعترف أكثر الأطراف أن شروط اللعبة قد تغيرت، وان علينا ان نتأقلم مع ايران نووية.‏

التصريحات القوية لقائد الثورة في ذكرى رحيل الامام الخميني والتي اعتبرها المراقبون الغربيون تهديداً جديا بقلب طاولة الطاقة (الغاز والنفط) على رؤوس الغربيين في حال اراد الاميركيون ان يغامروا مجددا في المنطقة، ترجمت في اليوم التالي ارباكا في اسواق النفط العالمية، ما دفع بعض الجرائد الغربية بأن تعنون افتتاحيتها "اسواق النفط تتوسل بسولانا" في دعوة لخافيير سولانا الى ان يسارع الى طهران كي يحاول ان يخفف التوتر.‏

لا احد في طهران يثق بوداعة مفاجئة للذئب الأميركي، ولهذا نلاحظ الحذر والشك والتمهل الشديد في دراسة رزمة الحوافز واستخدام "سياسة المقاومة الدبلوماسية الذكية" كما اسماها قائد الثورة، فالثبات والصمود قد مكنا ايران من تحقيق انجازات متلاحقة في الملف النووي، والجولة الحالية عنوانها توقيف التخصيب مقابل رزمة الحوافز والتهديدات، والكلمة الأخيرة تبقى لمن يصمد أكثر.‏

الانتقاد/ إقليميات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-28