ارشيف من : 2005-2008

تيمور الشرقية: أوستراليا هي السبب

تيمور الشرقية: أوستراليا هي السبب

في أقصى الطرف الشرقي من إندونيسيا، تقع جزيرة تيمور.‏

التاريخ الاستعماري قَسم هذه الجزيرة الصغيرة (34 ألف كلم متر مربع) إلى قسمين، شرقي تابع للبرتغال وغربي تابع لهولندا التي كانت تسيطر على جزر الهند الشرقية المعروفة الآن باسم إندونيسيا.‏

استقلال إندونيسيا عن هولندا بعد الحرب العالمية الثانية شمل تيمور الغربية، ثم امتد إلى تيمور الشرقية، عام 1976، في ظل الحكم الانقلابي الذي نفذه سوهارتو، بدعم أميركي، على نظام أحمد سوكارنو، وفي وقت كان فيه الحكم اليساري حينئذ في البرتغال ينفذ عملية إخلاء واسعة النطاق للمستعمرات.‏

ولأسباب عرقية ودينية واجتماعية وسياسية، لم تستقر الأوضاع في تيمور الشرقية التي شهدت حركة مقاومة مسلحة ضد الحكم الإندونيسي بقيادة الجبهة الثورية لاستقلال تيمور (فريتيلين).‏

ومع سقوط نظام سوهارتو دخل الرئيس الجديد بحر الدين يوسف حبيبي في مفاوضات أسفرت، عام 1999، عن استفتاء عام جاءت نتيجته لمصلحة الاستقلال عن إندونيسيا، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين الاستقلاليين وأنصار البقاء ضمن الإطار الإندونيسي أسفرت عن مقتل الآلاف وعن حركة نزوح واسعة إلى الجبال والقسم الغربي من الجزيرة.‏

ولم تهدأ أعمال العنف إلا بعد دخول قوات دولية بقيادة أوسترالية عملت على بناء الدولة الناشئة التي انتخب شانانا غوسماو رئيساً لها ضمن إطار حكومة وفاق وطني يسيطر عليها حزب فريتيلين.‏

ومع انسحاب القوات الدولية، العام الماضي برزت في الجزيرة التي كانت لا تزال تعيش ـ بانتظار البدء باستغلال الثروة النفطية التي وقعت عقود بشأنها مع أوستراليا ـ على اقتصاد محلي ضعيف مدعوم بمساعدات مالية دولية، حالة تذمر بلغت أوجها في شباط/ فبراير الماضي بإضراب نفذته قوى الجيش والشرطة التي طالبت بتحسين الرواتب ووقف التمييز العرقي والمناطقي بين قوى الأمن.‏

وردت الحكومة بفصل 600 عنصر من قوى الأمن يشكلون ما يزيد على ثلث أفراد القوات المسلحة، ما أدى، في نيسان/أبريل الماضي إلى اشتباكات داخل هذه القوات صاحبتها أعمال قتل ونهب واسعة النطاق لم تهدأ إلا بعد تدخل قوة عسكرية أوسترالية شاركت فيها قوات من نيوزيلندا وماليزيا والبرتغال. وقد عمدت هذه القوة إلى تجريد قوى الجيش والأمن التيمورية من أسلحتها في وقت لاحت فيه بوادر أزمة سياسية بين رئيس الجمهورية، شانانا غوسماو، ورئيس الوزراء، مرعي آلكاتيري، حيث وجه الأول اتهامات للثاني بالمسؤولية عن فصل الجنود والتسبب بأعمال الشغب التي راح ضحيتها ثلاثون شخصاً. وبلغ التوتر مداه، قبل أيام عندما نشر التلفزيون الأوسترالي وثيقة توحي بأن مرعي آلكاتيري قد حاول تشكيل قوة عسكرية سرية بهدف اغتيال خصومه السياسيين. عندها طلب غوسماو إلى آلكاتيري تقديم استقالته وهدد بالاستقالة شخصياً من منصبه الرئاسي في حال عدم استجابة آلكاتيري. وبعد أخذ ورد، في ضغوط خارجية وتظاهرات شعبية داعمة لغوسماو، تنحى آلكاتيري عن منصبه يوم الإثنين الماضي (26/06/2006) تاركاً تيمور الشرقية تبحث عن رئيس وزراء جديد.‏

في طليعة المتنافسين على المنصب راموس هورتا، حامل جائزة نوبل للسلام الذي صرح، على سبيل تمنع الراغب، بأنه لن يرشح نفسه إلا إذا طلب إليه ذلك من قبل الجميع. مطلب لا يبدو سهل التحقق لأن آنا بيسووا، زوجته السابقة، هي أيضاً في جملة المتنافسين.‏

تيمور الشرقية التي قدم استقلالها عن إندونيسيا كحدث ذي اهمية عالمية لا تقل عن أهمية سقوط جدار برلين، تعيش إذن هذا الاستقلال، منذ سبع سنوات، في ظل حالة من التوتر والعنف والفقر وصراعات السلطة والفساد المرتبط بتقاسم المساعدات المالية الخارجية، على أرضية تشنجات أثنية ومناطقية تستخدم كحصان طروادة للقفز على مواقع النفوذ.‏

هل هذا كل شيء؟‏

لا بالطبع. لأن التنافس محتدم أيضاً، وخصوصاً، بين الأصابع الخارجية.‏

إندونيسيا لا يبدو عليها أنها تحرك ساكناً ولا سيما أنها استقبلت، قبل أيام، رئيس الوزراء الأوسترالي، جون هوارد في زيارة رسمية.‏

هوارد واضح في تأييده لغوسماو، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة الذي يسعى حالياً لإرسال قوات دولية جديدة إلى تيمور الشرقية العاجزة عن حكم نفسها، ويأسف لأن القانون الدولي لا يسمح له بإرسال تلك القوات قبل ستة اشهر. يبدو أنه غير مطلع بما فيه الكفاية على فنون التلاعب الرائجة بالقانون الدولي! الجهة الخارجية الوحيدة التي تتحرك بعكس التيار في هذا المجال هي البرتغال. فقد أطلق الرئيس السابق لهيئة أركان الأمم المتحدة في تيمور الشرقية الجنرال البرتغالي المتقاعد الفريدو أسنساو تصريحات لاهبة أكد فيها أن أوستراليا هي العدو الرئيس لتيمور الشرقية.‏

وأضاف أسنساو أن استراليا هي المسؤولة عن الأزمة الحالية لأنها تريد السيطرة على تيمور الشرقية ومخزونها من النفط والغاز، وتسعى إلى إفساد العلاقة بين غوسماو وآلكاتيري.‏

وهكذا كان.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-28