ارشيف من : 2005-2008

مبادرة المصالحة الوطنية في العراق:بين النيات الحسنة وفرص النجاح المؤجل

مبادرة المصالحة الوطنية في العراق:بين النيات الحسنة وفرص النجاح المؤجل

بغداد ـ عادل الجبوري‏

بعد أكثر من شهرين على تكليفه من قبل مجلس الرئاسة بتشكيل الحكومة الجديدة، يمكن القول ان نوري المالكي الذي لم يشغل من قبل موقعا قياديا متقدما نجح في ان يترك انطباعا بأنه سياسي محنك وله قدرة براغماتية في التعاطي مع واقع شائك ومعقد ومتداخل العناصر والمكونات.‏

لم يحقق المالكي شيئا على الأرض حتى الآن، لكنه استطاع ان يكسب قبول وتأييد ورضا معظم الفرقاء السياسيين في الساحة السياسية من خلال مبادرة "المصالحة والحوار الوطني" التي طرحها يوم الأحد الماضي (25/06/2006) على مجلس النواب العراقي.‏

في بنود مبادرة المصالحة والحوار الوطني أكثر من شيء دعا الأطراف السياسية السنية والكردية والشيعية إلى المسارعة في إعلان التأييد لها، مع قدر من التحفظات ربما لا يُعتدّ به إلى حد كبير.. فالمبادرة تشير في أحد بنودها إلى "إصدار عفو عن المعتقلين الذين لم يتورطوا في جرائم وأعمال إرهابية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإلى منع انتهاكات حقوق الإنسان والعمل على إصلاح السجون ومعاقبة المسؤولين عن جرائم التعذيب، وتمكين المنظمات الوطنية والدولية المعنية من زيارة السجون وتفقد أحوال السجناء، والتباحث مع القوات المتعددة الجنسيات من أجل وضع آليات تمنع انتهاك حقوق الإنسان والمدنيين من خلال العمليات العسكرية".‏

وتشير كذلك الى "حل مشاكل موظفي الدوائر المنحلة مثل الأمن والاستخبارات، وإعادة النظر في هيئة اجتثاث البعث بموجب ما نص عليه الدستور وإخضاعها للقانون والقضاء لتأخذ طابعا مهنيا ودستوريا".‏

هذه المسائل هي التي دفعت قادة الكيانات السياسية السنية إلى تأييد المبادرة والثناء على المالكي.. فالدكتور عدنان الدليمي الأمين العام لمؤتمر أهل العراق ورئيس كتلة جبهة التوافق العراقية في البرلمان، قال في مؤتمر صحافي بعد تلاوة المالكي نص المبادرة أمام أعضاء البرلمان: إن جبهته "مع مبادرة المصالحة الوطنية ومع حكومة المالكي التي سنعمل ـ حسب قوله ـ على إنجاحهما بكل ما أوتينا من قوة وعقل، وعلى القوى العراقية السياسية جميعها الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء وإلى جانب هذه المبادرة لإنجاح مساعي الجميع، خصوصا الحكومة في سبيل إنجاحها".‏

ولم يقتصر الأمر على الكيانات السياسية السنية المشاركة في العملية السياسية والتي لها حضور في البرلمان والحكومة، بل تعداه إلى قوى عُرف عنها التشدد والتطرف في مواقفها من مجمل الوضع السياسي في البلاد والقوى المساهمة في إدارته مثل هيئة علماء المسلمين بزعامة الشيخ حارث الضاري التي رحبت بمبادرة رئيس الوزراء مع بعض التحفظات والمآخذ عليها، وهو ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الجبهة الشيخ محمد بشار الفيضي في حوارات تلفزيونية أُجريت معه مساء اليوم نفسه الذي أُعلنت فيه المبادرة.‏

ومن الواضح أن التأييد السني للمبادرة اقترن بمطالبة واضحة وصريحة بحل الميليشيات المسلحة، وتحديدا جيش المهدي التابع للتيار الصدري الذي تتهمه قوى سياسية عديدة بأنه وراء "عمليات تصفية جسدية طالت مواطنين من أبناء الطائفة السنية في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى".‏

في الوقت ذاته فإن ما أعطى زخما ودفعا قويا لهذه المبادرة وحماسة لتأييدها من قبل الأطراف السنية، هو أنها تزامنت مع إطلاق سراح مئات المعتقلين في سجون قوات الاحتلال والسجون العراقية، ومعظمهم من أبناء الطائفة السنية، وهو ما اعتبرته تلك الأطراف مؤشرا ايجابيا على حسن نيات الحكومة تجاههم.‏

بيد أنه في مقابل ذلك وبرغم أن الائتلاف العراقي الموحد الذي ينتمي إليه نوري المالكي قد عقد اجتماعات موسعة لهيئته العامة ولجنته السباعية السياسية أقر فيها موافقته على مشروع المصالحة والحوار الوطني، وأعلن في جلسة البرلمان يوم الأحد الماضي ترحيبه وتأييده للمبادرة، إلا أنه ربط كل ذلك بقضية مبدئية غير قابلة للتفاوض أو الأخذ والرد، تتمثل في عدم إجراء أي مصالحة مع من أسماه بالتكفيريين والصداميين والزرقاويين وكل من سفك دماء العراقيين وأزهق أرواحهم.‏

أضف إلى ذلك ان الائتلاف وعدداً من رجال الدين وخطباء الجمعة والفاعليات السياسية، أظهروا عدم ارتياحهم لقيام رئيس الوزراء بإطلاق سراح مئات المعتقلين من دون أي محاكمة، واعتبروا ذلك مكافأة للإرهابيين والقتلة وتشجيعا لهم واستخفافا واستهانة بدماء وأرواح الضحايا الأبرياء.‏

وأكثر من ذلك فإن سياسيين اعتبروا أن مبادرات إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين جرت على ضوء موافقات وحسابات أميركية يراد من ورائها تغيير مسارات المواقف السنية التي تبدو متشددة من قوات الاحتلال، وجر بعض الجماعات المسلحة إلى إعادة النظر في مواقفها وأسلوب عملها السياسي.. مؤكدين أن إطلاق سراح أي من السجناء لا يمكن أن يحصل إلا بضوء أخضر أميركي لسبب بسيط، هو أن الملف الأمني ما زال من الناحية الواقعية بيد الاحتلال لا بيد الحكومة العراقية.‏

ومع وجود ما هو مشجع وبناء في مبادرة المالكي، إلا أن القول بأنه لا مصالحة مع الصداميين ـ أي البعثيين السابقين ـ والتكفيريين من الجماعات المتطرفة يعني استمرار موجة العنف والإرهاب، وإن بدرجة أقل، برغم أن بوادر ومؤشرات من ذلك القبيل لم تتبلور في الأفق، إن لم يكن العكس قد حصل حتى الآن.‏

وإدراك رئيس الوزراء لهذا الأمر ربما هو الذي دفعه إلى تضمين مبادرته أمورا كثيرة حتى بدت كأنها برنامج عمل للحكومة أكثر منها مشروع مصالحة وطنية مع طرف آخر غير محسوس على أرض الواقع، وما هو مشخص منه فقط هو خطابه الدموي التكفيري.‏

وإدراك المالكي لصعوبة ترجمة مشروع المصالحة إلى واقع عملي بيسر وبساطة ربما هو الذي دفعه إلى ربط نجاحه بمشاركة كل أطياف ومكونات المجتمع فيه لقطف ثماره بأسرع وقت.‏

وبالتالي فإن فرص النجاح إذا توافرت تحتاج إلى وقت غير قليل حتى تتبلور وتتضح معالمها وملامحها ويتلمس المواطن آثارها الإيجابية، لأنها يفترض أن تحدث تغييرا يُعتدّ به على حياته أمنيا وخدميا واقتصاديا، ومن دون ذلك فإنه لا يرى نفسه معنيا بالتنظير والطروحات السياسية الجذابة ومشاهد العناق الحارّة بين القادة والزعماء وممثلي البرلمان.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-28