ارشيف من : 2005-2008
دارفور: جدل حول دخول القوات الدولية

كتب توفيق المديني
أعلن رئيس عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جان ماري جيهينو، أنه أوصى بنشر قوات الأمم المتحدة في دارفور، التي تناهز فرقة عسكرية كاملة، أي ما يقارب 17000 رجلا، مع بداية شهر كانون الثاني/ يناير 2007، حيث تنتظر عملية نشرها موافقة الحكومة السودانية. وستعوض هذه القوة الأممية قوة الاتحاد الإفريقي الحالية المتكونة من 7000 رجل، التي ينقصها التمويل والتجهيزات العسكرية الحديثة، وأضحت عاجزة عن تطبيق اتفاق أبوجا الهش الذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية وقسم من المتمردين في دارفور.
وكان الاتفاق، حصل في ظل استمرار الضغوطات الدولية، ولا سيما الأميركية منها، التي مورست على كل الأطراف لإجبارهم على توقيعه، حيث أن الحكومة السودانية أكثر من فهم حجم تلك الضغوط، فبادرت إلى القبول بمشروع الإتحاد الإفريقي للحل على نحو جنبها موقع المعطل والمعرقل، محوّلة الأمر إلى خصومها في دارفور، يترددون ويتحفظون وينقسمون. ولوحظ تبدل في مواقف الأطراف المتحفظة انتهى بموافقة حركة "جيش تحرير السودان" (بقيادة ميني أركاي ميناوي) على توقيع الاتفاق على أن يلي ذلك، كما هو متوقع أو متوخى، انضمام الفصائل الأخرى ("حركة تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد نور وحركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل ابراهيم) إلى هذا العرس.
بيد أن زعماء حركات دارفور الرافضين لاتفاق أبوجا، عملوا على إقامة تحالف سياسي جديد يضمهم يُنتظر أن يوقّع في أسمرا في غضون يومين. ويعقد محمد إبراهيم دريج، زعيم "التحالف الفيديرالي"، ورئيسا حركتي "العدل والمساواة" الدكتور خليل إبراهيم و"تحرير السودان" عبد الواحد محمد نور، اجتماعات مكثفة هذه الأيام من أجل الاتفاق على صيغة بيان يكرّس تحالفهم.
ويتمسك التحالف الجديد بالتعويضات للنازحين واللاجئين ويعتبر أن اتفاق أبوجا (الذي وقعه الزعيم الآخر لـ"حركة تحرير السودان" مني اركو مناوي) لا يلبي مطالب أهل الإقليم وتطلعاتهم، وبالتالي يجب إعادة النظر فيه. كما يطالب أيضاً باحتفاظ الحركات المسلحة المتمردة بقواتها، وإعطاء دارفور نسبة في السلطة والثروة تساوي النسبة التي حصل عليها الجنوب في اتفاق نيفاشا، إضافة الى نشر قوات رقابة دولية لأي اتفاق سلام يكون لها مطلق الحرية في كبح جماح هجمات "الجنجاويد" على المواطنين ومراقبة تحركات القوات الحكومية.
ويعمل اتفاق أبودجا على فرض السلام في إقليم دارفور عبر نزع أسلحة الميليشيات، وإعادة تنظيم إدخال مقاتليها في الجيش، وضمان تمثيل الدارفوريين في الإدارة والمؤسسات السياسية، وكذلك على صعيد الاستثمار وإعادة إعمار الإقليم. فالمستقبل النفطي الواعد لهذه المنطقة المحرومة، ورؤية سابقة جنوب السودان التي استطاعت الحركة المسلحة فيه أن تنتزع قسما من الحكم الذاتي، كانا لهما تأثير واضح على النزاع.
ويرى المحللون المتابعون للشأن السوداني أن خلافات نشبت في الفترة الأخيرة بين الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه، "خرج على اثرها الاخير من البلاد وتوجه إلى تركيا وهو غاضب على الطريقة التي يدير بها البشير ملف دارفور". ويعتقد المحللون في الخرطوم أن توقيت الزيارة من شأنه إعطاء إشارة إلى وجود خلافات بينه وبين الرئيس البشير والتي ظهرت مؤخرا، في تباين التصريحات الصادرة من الرجلين بشأن الترتيبات لنشر القوات الدولية في إقليم دارفور المضطرب. وأشيع أن طه لم يكتف بمغادرته الخرطوم إلى تركيا هو وأسرته، وإنما أعطى طاقمه في مكتبه بالقصر الرئاسي إجازة، وأن مكتبه صار أقرب إلى المغلق.
وكان طه صرح قبيل مفاوضات أبوجا بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور بأن "بلاده مستعدة لقبول دور للأمم المتحدة في دارفور بعد تحقيق السلام"، ورد عليه البشير مقسما أن القوات الدولية "لن تطأ ارض دارفور"، وعزز رفضه للخطوة الأسبوع الماضي حين قال ان القوات الدولية لن تدخل دارفور طالما أنه رئيس للسودان، وأنه سيقود المقاومة ضد تلك القوات بنفسه. وظل طه يتعرض في الأسابيع الماضية لهجوم غير مسبوق من الصحافيين المنسوبين لحزب المؤتمر الوطني الحاكم (حزب طه)، واتهم صراحة أنه أعطى الضوء الأخضر للقوات الدولية للدخول إلى دارفور أثناء لقاء تم في العاصمة البلجيكية بروكسل في نيسان/ ابريل الماضي بينه وبين روبرت زوليك نائب وزير الخارجية الأميركي السابق حول "سلام دارفور"، وتمتد الاتهامات التي تطال طه من المنسوبين إلى حزبه بأنه فرط في قضايا وطنية عندما سمح في مفاوضات نيفاشا لسلم جنوب السودان مع زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق بدخول قوات دولية لمراقبة تنفيذ اتفاق نيفاشا، والآن يسعى لنفس الخطوة مع سلام دارفور.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006