ارشيف من : 2005-2008
الوساطة التركية بين الغرب وإيران:لهذه الأسباب تدخل تركيا الى الملعب النووي

محمد محسن ـ طهران
زيارة وزير الخارجية التركي "عبد الله غل" الى إيران والأجواء التي رافقت لقاءاته التي وصفت بالهامة مع نظيره الإيراني "منوشهر متكي" ومع أمين مجلس الأمن القومي ومسؤول الملف النووي "علي لاريجاني" طرحت احتمالات جديدة للخروج من جو الاحتقان الذي تمارسه واشنطن عبر استعجالها للرد الإيراني على رزمة الحوافز، فيما يؤكد الجانب الإيراني رفض الشروط المسبقة والمتمثلة بوقف عمليات تخصيب الاورانيوم, على الأقل أثناء فترة المباحثات النووية مع إيران كما حاولت الأوساط الديبلوماسية الغربية أن تشيع.
التصريحات كانت شديدة الايجابية والتقدير كان مشتركا بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين, فيما الاتصالات بين رئيسي الدولتين كانت قد مهدت لهذه الزيارة التي حاولت تركيا عبرها التوسط بين دول 5+1 وإيران اعتمادا على عوامل أهمها:
-العلاقات الجيدة مع إيران والتي تعززت كثيرا بعد وصول "رجب طيب اردوغان" إلى رئاسة الوزراء التركية، والتحالفات التي نسجها البلدان، والتي علاوة على أبعادها السياسية والأمنية فإن الاقتصاد يلعب دورا هاما فيها (ميزان التبادل التجاري 4.5 مليار دولار إضافة إلى الترانزيت والسياحة).
2- الاستراتيجية التركية الهادفة إلى التهدئة في المنطقة وعدم التورط في الدخول تحت أي ظرف في حروب إقليمية تترك آثارها على الجيوبوليتك المعقد والمتشابك قوميا ودينيا. وقد تجلت هذه الاستراتيجية بقوة في الرفض التركي للمشاركة في الاحتلال الأميركي للعراق برغم التحالف التقليدي مع أميركا، ما دفع بمراكز القرار في واشنطن الى الدعوة لإعادة الحسابات وحتى معاقبة هذا "الحليف المتخاذل".
وفي تقرير لمركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية الأميركية تحت عنوان "إعادة اكتشاف تركيا" كتب روبرت ماك موهان: ان تركيا التي وقفت لعقود في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق تشكل الآن بعلاقاتها الجيدة مع إيران وسوريا وحماس تهديدا جديا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ويوصي التقرير بإعادة صياغة لاستراتيجية تحالفية مع تركيا على اسس جديدة، وهذا ما أثارته وزيرة الخارجية الاميركية "كوندوليزا رايس" مع نظيرها التركي، فيما يجري الحديث عن ورقة مسودة لما يشبه معاهدة دفاعية جديدة يجري بحثها بين سياسيي وعسكريي البلدين.
3- القلق التركي من مجرد احتمال مواجهة على خلفية نووية، فالأميركيون يملكون 99 رأسا نوويا في تركيا تعود لحقبة الحرب الباردة مع الروس، ويحق للجيش الأميركي استخدامها بدون الرجوع للحكومة التركية, الامر الذي يعني أن اي صراع محتمل ستدفع فيه تركيا خسائر مضاعفة لا يمكنها تحملها، ويضع تركيا في مهب تجاذبات ذات نتائج كارثية بنظر المحللين الاتراك. القيادة السياسية وعبر "اردوغان" عبرت عن ارتياحها وفرحها الضمني بالانجاز النووي الإيراني وذلك لحسابات اقليمية متقاطعة, ربما يكون الخطر النووي الصهيوني على رأسها.
4- الاستفادة من فرصة الوساطة بين الغرب وإيران في ملف حساس كالملف النووي ستعطي دفعا ورصيدا للاتراك في مساعيهم الاستراتيجية للانضمام الى اوروبا، فبينما يتخبط الغربيون دون جدوى في مفاوضات تكاد تكون عقيمة منذ عدة سنوات مع إيران لمنعها من تطوير طاقاتها النووية السلمية، تأتي سياسة التضامن مع حق إيران النووي عبر الدول الاسلامية ودول عدم الانحياز والدول العربية، اضافة الى الموقف الصيني والروسي الموازن لتغير الموازين، وتدفع الغرب لاعطاء حوافز بدل التهديدات وسياسة الاملاء والفرض الاستعلائي, وترى تركيا على لسان "عبدالله غل" بأنها خير من يشكل جسرا لاصلاح النظرة والتعامل الديبلوماسي البناء والمحترم بين الغرب وإيران بناءً على المعطيات الجديدة.
5- الحاجة التركية الى منابع الطاقة الإيرانية التي توجت اخيرا بمشاريع هامة تسهل وصول الطاقة الى تركيا عبر حدودها البرية المشتركة مع إيران، وبأسعار لا تنافس. ويعتقد المسؤولون في البلدين ان العلاقات التجارية المشتركة يمكن تنميتها ومضاعفتها بشكل سهل وعملي في فترة سريعة.
صناع القرار في واشنطن وحلفاؤهم يضغطون لحشر إيران في زاوية رزمة الحوافز التي قدمها "خافيير سولانا" ممثلا دول 5+1 الى إيران قبل اسابيع، واعلنت إيران على لسان رئيسها "احمدي نجاد" انها تدرسها بتأنّ وبتمهل أزعج الغرب المستعجل لمواصلة الصراع، فيما تنشط الديبلوماسية الإيرانية في جميع الاتجاهات، وآخرها المشاركة في القمة الافريقية، وإضافة الدعم السياسي الافريقي الى الاجماع الدولي المدافع عن حق إيران النووي السلمي.
الاميركي لا يتغير، وهو يستمر في جس النبض لمعرفة مستوى الثبات الإيراني, المثال الاخير كان تسريبات يابانية هذه المرة بأن الحكومة اليابانية مستعدة لتجميد ارصدة إيرانية في حال اقر الغرب سياسة عقوبات على إيران. الرد الإيراني لم يتأخر مذكرا اليابان انها "الحلقة الاضعف" في حلفاء اميركا الاسيويين، وآخر من يمكنه الحديث عن عقوبات، فيما 12 بالمئة من النفط الياباني يصدر من إيران. وزير النفط الإيراني وخلال جولة له على حقول "ازادكان" ذكّر اليابان بأنها إن لم تفِ بتعهداتها، وتقوم شركاتها النفطية بالتزاماتها بدون تباطؤ ومماطلة فإن إيران سوف تفسخ عقودها وتسلمها لشركات وطنية.
المسعى التركي لاقى ترحيبا في إيران ومتابعة في اميركا، فيما تتحدث اوساط تركيا عن لمسات اخيرة لحل ديبلوماسي شبه نهائي للمسألة قد يتمثل في استمرار عمليات تخصيب إيراني على الاراضي التركية, الامر الذي لم ينفه السفير الإيراني في انقرة، والذي يمكن ان يغير من قواعد رزمة الحوافز لتصبح اكثر تعادلا واقل حدة, وصولا الى رسم واضح للمعادلات النهائية.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو2006