ارشيف من : 2005-2008
زلزال إندونيسيا: الكلمة للمساعدات

كان بركان ميرابي الذي بدأ قبل أسابيع بالتحفز للتفجر هو ما يثير الخوف في المنطقة المحيطة به وصولاً إلى مدينة يوغيوكارتا الواقعة على بعد 35 كيلومتراً. وكانت القرى المتناثرة على السفوح المحيطة بالبركان قد أخليت من سكانها على سبيل الوقاية. لكن الضربة التي أصابت يوغيورتا، في الصباح الباكر من يوم السبت الماضي27/05/2006، لم تأت من بركان ميرابي، بل من زلزال بقوة 6،2 على مقياس ريختر.
عدد القتلى تجاوز الآلاف، والمدينة تحولت إلى كومة من أنقاض آلاف المنازل المدمرة. وبعد نهار كامل من العمل، لم يتمكن المنقذون والمسعفون من إنجاز جزء يسير من مهمتهم.
خيّم الظلام وكان على الناجين الذين قدر عددهم بمئتي ألف شخص أن يمضوا ليلتهم الأولى في أبنية المساجد والكنائس والمدارس، أو في العراء، خوفاً من انهيار هذه الأبنية. ثم باتوا تحت العدد القليل من الخيم المتوافرة أو قطع القماش والثياب التي رفعت على شكل خيم لاتقاء الأمطار الغزيرة التي هطلت على المدينة لتذكر، ربما، بأن المصيبة غالباً ما لا تأتي إلا مقترنة بمصيبة أخرى. وكان عزاؤهم الوحيد أنهم لا ينامون تحت سقوف تهدد بالانهيار بفعل عشرات الهزات التي تعاقبت بعد الهزة الأولى، وفي ظل الإعلانات التي كانت تبثها الإذاعات محذرة من احتمال حدوث هزات أشد عنفاً. أما آلاف الناجين من الموت ممن أخرجوا من بين الأنقاض بجراح أكثرها في الرأس، فكان عليهم أن يمضوا الليل في أفنية مستشفيات المدينة الخمسة، لا لأنها أقفلت في وجوههم، بل بفعل الخوف من انهيار أبنيتها فوق رؤوسهم.
وبالطبع، لم يكن بإمكانهم أن يحصلوا على العلاجات المناسبة بسبب نقص الأدوية وقلة عدد الأطباء والمسعفين.
ولم يكن بإمكانهم أن يحصلوا على الغذاء الكافي بسبب دمار الطرق ومدرجات المطار...
وكالعادة، في مثل هذه المناسبة، كان من الطبيعي أن يروج الحديث عن تلبية احتياجات المنكوبين الأساسية وعن العمل، من ثم، على إعادة الإعمار.
ومن هنا، وبعد أن قدرت الحكومة الإندونيسية تكاليف إعادة الإعمار بمئات الملايين من الدولارات، وبدأت باستدراج عروض المساعدات المالية، كانت ردود الفعل سريعة على شكل وعود بثلاثة ملايين دولار من الجارة أستراليا، ومليوني دولار من الصين و500 ألف دولار من الولايات المتحدة، وأربعة مراقبين من فرنسا للاطلاع على حقيقة الموقف تمهيداً لتقرير حجم المساعدة.
وكالعادة، لا يبدو أن المساعدات ـ وهي غالباً ما لا تنفق بالأشكال المناسبة ـ ستحل جزءاً ولو يسيراً جداً من المشكلة. وبذلك تلتحق إندونيسيا بقافلة البلدان التي غالباً ما تتعرض لنكبات طبيعية تضاف إلى غيرها من النكبات لتزيد في تفاقم الأوضاع المعيشية والسياسية، بانتظار نكبات مقبلة أكيدة وحلول مشكوك فيها إلى أبعد حدود الشك في هذا الزمن الذي أصبح فيه العيش تحت سلطة الأمر الواقع والترقب غير الفاعل للمستجدات في طليعة الاستراتيجيات المستخدمة من قبل الشعوب المغلوبة على أمرها.
ألا ينبغي مثلاً أن يظهر تفكير ملائم في وضع سياسة تذهب باتجاه حضارة مقاومة، ولو بعض الشيء للزلازل غير هذه الحضارة القائمة على مدن مكتظة ببيوت مبنية تجارياً وبمواد غير مدروسة إلا من الناحية التجارية؟ باتجاه حضارة أقل كلفة وأكثر انسجاماً مع متطلبات الوجود الحقيقي للإنسان؟
عقيل الشيخ حسين